منصور العمري
“أضع هذه الصورة أمامي لأتذكر أن النظام الإيراني الإسلامي أخذ منا كل خير وأفراح الحياة. مات والداي ولا يعرفان حتى مكان دفن ابنهما”. هذا ما قالته لادن بازركان، شقيقة المعتقل السابق الذي أعدمه النظام الإيراني بلا محاكمة عام 1988، في أثناء قدومها من الولايات المتحدة إلى السويد، للمشاركة في محاكمة حميد نوري المتهم بارتكاب جرائم حرب بما فيها جريمة إعدام شقيقها.
وبدأت، في 10 من آب الحالي، في السويد محاكمة مسؤول إيراني عن جرائم حرب يُشتبه بارتكابه لها قبل 33 عامًا في إيران، على بعد آلاف الأميال من العاصمة ستوكهولم.
رغم تأخر العدالة 33 عامًا، رحّب أهالي الضحايا والحقوقيون الإيرانيون بشكل كبير بهذه المحاكمة، وتوافدوا إلى السويد من شتى أنحاء العالم لحضور المحاكمة والمشاركة بها.
ستوفر المحكمة منصة للشهود وعائلات الضحايا لرواية شهاداتهم وتوضيح الحقائق في سياق قضائي. سيشهد في محكمة ستوكهولم 60 شاهدًا ومدعيًا من مختلف أنحاء العالم، من بينهم ناجون وأهالي ضحايا. كما سيقدم شهود خبراء شهاداتهم في الجلسات، وسيتحدثون عن قضايا مختلفة، مثل تاريخ الصراع بين حكومة الجمهورية الإسلامية ومنظمة “مجاهدي خلق”، وأهمية الفتاوى في الفقه الشيعي، ومصداقية شهود العيان، وغيرها.
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، وعند وصوله إلى مطار “آرلاندا” في ستوكهولم، حين كان قادمًا لزيارة أقاربه، بعد أن استدرجه أحد الناشطين الإيرانيين واعدًا إياه بقضاء وقت جميل في السويد، اعتقلت السويد حميد نوري (60 عامًا) للاشتباه بارتكابه جرائم حرب وجرائم قتل بإيران عام 1988.
قد تورّط المحاكمة الرئيس الإيراني الجديد، إبراهيم رئيسي، أيضًا، لأنه كان عضوًا في “لجنة الموت” التي أصدرت أوامر الإعدام وأسهم فيها حميد نوري. كما اتهمت منظمتا “العفو الدولية” و”هيومن رايتس ووتش” الرئيس الإيراني بإعدام آلاف السجناء السياسيين خارج نطاق القضاء عام 1988، والصحفيين حسب “مراسلون بلا حدود“.
أحد ضحايا نوري هو بيجان بازركان، الطالب الجامعي والعضو في جماعة شيوعية بإيران. كان بيجان يقضي عقوبة بالسجن لمدة عشر سنوات في عام 1988، عندما استُدعي أمام لجنة وأُعدم دون محاكمة أو دفاع.
لم تسلّم السلطات الإيرانية الجثة لأفراد عائلته، ولم تعلمهم بمكان الدفن. تسلّموا فقط حقيبة فيها ساعة يد وقميص وشهادة وفاة لم تذكر أن الإعدام هو سبب الوفاة.
نشرت لادن بازركان صورة عائلية تضم أخاها، وقالت: “أضع هذه الصورة أمامي لأتذكر أن النظام الإسلامي في إيران أخذ منا كل خير وأفراح الحياة. مات والداي ولا يعرفان حتى مكان دفن ابنهما”.
قالت لي لادن شقيقة بيجان صبيحة يوم الجلسة الأولى للمحاكمة:
“أنا آسفة لكل الفظائع التي ارتكبها النظام الإسلامي الإيراني و(الحرس الثوري الإيراني)، خاصة في سوريا. الجمهورية الإسلامية الإيرانية و(الحرس الثوري الإيراني) هما عدو كل الناس، وليس الإيرانيين فقط. نأمل أن تكون هذه المحكمة التاريخية بمثابة جرس إنذار لجميع الطغاة على كوكب الأرض”.
لاله بازركان، شقيقة بيجان الأخرى وإحدى المدعيات في المحاكمة، قالت: “بعض الناس يطلبون منا أن نغفر وننسى، لكننا لا نستطيع ذلك. يجب أن تظهر الحقيقة، من أجل وضع نهاية لهذه المأساة وللمحاسبة. 10 من آب/ أغسطس من العام الحالي هو يوم المواجهة وجهًا لوجه مع الجلاد الشرير، هو يوم تاريخي للعدالة السويدية، يوم ينضج فيه الأمل بالعدالة في قلوب محبي العدالة، يوم يعمق الأمل من أجل العدالة وحقوق الإنسان”.
بدأت جلسات المحاكمة في 10 من آب/ أغسطس الحالي الساعة 09:15 صباحًا بتوقيت السويد، في محكمة مقاطعة ستوكهولم، ومن المتوقع أن تستمر الجلسات الرئيسة حتى نيسان/ أبريل 2022 مع ثلاث جلسات عادة كل أسبوع.
تفاصيل قانونية من المحكمة
وجّه الادعاء العام تهم ارتكاب جرائم حرب بموجب الولاية القانونية العالمية وجرائم قتل، لكنه لم يوجّه تهم جرائم ضد الإنسانية لحميد نوري، لأن القانون السويدي لا يشملها إن ارتكبت قبل 1 من تموز/ يوليو 2014، كما وضحت المدعية العامة السويدية، كريستينا ليندهوف كارلسون، “لأن الأفعال الإجرامية المزعومة حدثت قبل ذلك التاريخ. لذلك، فإن لائحة الاتهام تتضمن جرائم ضد القانون الدولي، مثل جرائم الحرب والقتل”.
خلفية من الادعاء العام:
كان هناك نزاع مسلح بين إيران والعراق من عام 1981 إلى عام 1988. في المرحلة الأخيرة منه، تعرضت إيران للهجوم في عدة مناسبات من قبل فرع مسلح من منظمة “مجاهدي خلق” الإيرانية السياسية. تم تنفيذ الهجمات بالتعاون مع الجيش العراقي. أصدر المرشد الأعلى الإيراني، آية الله الخميني، فتوى إثر الهجمات لإعدام سجناء في السجون الإيرانية ينتمون إلى المنظمة أو يتعاطفون معها أو كانوا موالين لأفكارها.
الأفعال الجرمية
يُتهم المعتقل، بصفته مساعد المدعي العام أو ما شابه، بالقتل العمد مع جناة آخرين، لعدد كبير من السجناء الذين ينتمون إلى “مجاهدي خلق” أو يتعاطفون معهم، بالإضافة إلى تعريض آخرين للتعذيب والمعاملة غير الإنسانية. جاءت هذه الأفعال بناء على لائحة الاتهام في سجن “جوهاردشت” في كرج بإيران 30 من تموز/ يوليو 1988 و16 من آب/ أغسطس 1988. كما تضمنت لائحة الاتهام قتل سجناء آخرين تبين أن أيديولوجيتهم ومعتقداتهم الدينية تتعارض مع الدولة الدينية في إيران.
تذكّر هذه المحاكمة برفعت الأسد ومصطفى طلاس، المسؤولين عن إعدام كثير من السوريين لأسباب سياسية. رغم ذلك، لا يزال رفعت في أوروبا بلا محاسبة، ومات مصطفى طلاس في أوروبا دون أي مساءلة أو توقيف.
كما تشترك هذه المحاكمة السويدية مع محاكمة “كوبلنز” الألمانية بأنها لم تكن ممكنة لولا عدة أمور، من أهمها جهود الناجين وعائلات الضحايا والحقوقيين، ومفتاح بدء المحاكمة وهو وجود المرتكبين في أراضي هذه الدول. كما أن المحاكمة ستقدم منصة للضحايا وعائلاتهم لفضح جرائم النظام الإيراني في سياق قضائي.