عنب بلدي – جنى العيسى
خلال السنوات القليلة الماضية، سعى كل من النظام السوري والسلطات الأردنية إلى تطوير علاقاتهما الاقتصادية، بعد سنوات طويلة من القطيعة منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011.
وما إن قال الملك الأردني، عبد الله الثاني، في لقاء له، في 25 من تموز الماضي، إن الأسد “باقٍ” ويجب إيجاد طريقة للحوار مع النظام، حتى أسرع وزير الداخلية في حكومة النظام للاتصال بنظيره الأردني، مازن الفراية، للاتفاق على “التنسيق المشترك” لتسهيل عبور شاحنات الترانزيت وحافلات الركاب بين البلدين.
وبعد يوم واحد من الاتصال، اتفق الجانبان السوري والأردني، في 28 من تموز الماضي، على عودة التشغيل الكامل لمعبر “نصيب- جابر” الحدودي.
ولكن الاتفاق لم يُنفذ سوى ليومين فقط، إذ أعلنت وزارة الداخلية الأردنية عن إغلاق مؤقت لمعبر “نصيب” على خلفية التطورات الأمنية لمحافظة درعا الحدودية مع الأردن، مؤكدة أنها ستعاود فتحه “في حال توفر ظروف ملائمة” لذلك.
وبعد هذا التعليق المؤقت، وافقت السلطات الأردنية، في 4 من آب الحالي، على عودة حركة شحن البضائع فقط عبر المعبر، ليتبعه اتفاق بين الجانبين، في 8 من الشهر نفسه، يسمح للسوريين بالمرور “ترانزيت” من وإلى دول الخليج عبر الأراضي الأردنية.
لكن عودة النشاط التجاري لا تزال محفوفة بالمخاطر، إذ قطع مقاتلون محليون في محافظة درعا طريق معبر “نصيب” مؤقتًا، بإشعال الإطارات المطاطية، احتجاجًا على اعتقال النظام أحد أبناء بلدة أم المياذن غربي درعا.
أحداث “مؤقتة” يزول تأثيرها بزوالها
صوّر النظام السوري سيطرته على معظم المحافظات التي خرجت منها المعارضة قبل سنوات، بأن “الأمن عاد إليها”، ولكن أي أحداث تُسبب انفلاتًا أمنيًا حتى ولو كانت بسيطة من شأنها أن توضح أن سيطرته على المنطقة لا تشير إلى الأمان الدائم.
وتؤثر أي حالة فوضى وعدم استقرار أمني على الحركة الاقتصادية الاعتيادية، أو حالة العبور المباشر على الحدود السورية- الأردنية، بحسب ما أوضحه الخبير الاستراتيجي الأردني الدكتور عامر السبايلة، في حديث إلى عنب بلدي.
ويعتقد السبايلة أنه ووفقًا للقراءات، فإن التأثير الاقتصادي لأحداث محافظة درعا الأمنية سيكون لفترة مؤقتة، لأنه يعود إلى حدث لا يمكن اعتباره حدثًا مستمرًا.
وأشار السبايلة إلى عدم وجود “أفق حقيقي” يوضح استمرار أزمة أمنية يمكنها أن تمنع الحركة التجارية عبر حدود البلدين.
بينما يرى وزير الاقتصاد في “الحكومة السورية المؤقتة”، الدكتور عبد الحكيم المصري، أن الأحداث الأمنية الأخيرة التي شهدتها محافظة درعا، من الممكن أن تجعل السلطات الأردنية “تتمهل قليلًا” في إعادة التشغيل الكامل للمعبر، مشيرًا إلى أنها لن تلغي تمامًا ما كانت قد بدأت به حول توسيع علاقاتها الاقتصادية مع النظام.
وبسبب موقفها الرافض للانتخابات الرئاسية، شهدت مدينة درعا منذ تموز الماضي تصعيدًا عسكريًا بدأته قوات النظام السوري بعد فشل المفاوضات بينها وبين ممثلين عن أهالي مدينة درعا البلد، عقب المطالبة بتسليم سلاحهم الخفيف.
ونفت “اللجنة المركزية” الممثلة لأهالي درعا امتلاك سكان المدينة أي أسلحة، مشيرة إلى أن فصائل المعارضة سَلّمت سلاحها في تموز 2018، بعد سيطرة النظام على محافظتي درعا والقنيطرة، بموجب اتفاق “التسوية”.
عدم استجابة أهالي درعا لمطالب النظام دفع قواته لضرب حصار على المدينة، ومنع وصول المساعدات الإنسانية، والتضييق على أهلها، والتصعيد عسكريًا ضدها.
ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، صُنفت الحملة العسكرية بأنها الأكثر خطورة منذ عام 2018، بعد اتفاقات المصالحة التي توسطت فيها روسيا.
وكانت الأمم المتحدة دعت إلى وقف إطلاق نار فوري في مدينة درعا، بعد إجبار 18 ألف شخص على النزوح من مناطقهم بسبب التصعيد العسكري.
ووثق “مكتب توثيق الشهداء في درعا” مقتل 52 شخصًا من أبناء محافظة درعا خلال تموز الماضي، بينهم 11 طفلًا وسيدتان.
وقال المكتب، إن تموز الماضي شهد مواجهات مباشرة بين مقاتلي درعا وقوات النظام في المدينة وعدة مدن وبلدات في الريفين الشرقي والغربي، بحسب بيان صادر في 1 من آب الحالي.
وأضاف أن 14 شخصًا من القتلى من المقاتلين، معظمهم في مدينة درعا وريف درعا الغربي، وتسعة منهم من المدنيين، معظمهم من الأطفال، نتيجة قصف مدفعي وصاروخي.
ما حاجة الأردن إلى عودة العلاقات الاقتصادية
يرى الخبير الاستراتيجي الأردني الدكتور عامر السبايلة، أن العلاقات الاقتصادية السورية- الأردنية خلال السنوات العشر الأخيرة كانت موجودة، لكنها ضعفت في الكثير من المراحل.
وأرجع السبايلة الرغبة الأردنية الحالية في العودة إلى تطوير العلاقات الاقتصادية، التي تبدو “واضحة” عبر الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها السلطات الأردنية، إلى حاجتها للاستفادة من القطاع التجاري “الواسع” الذي تؤمّنه تلك العلاقات من جهة.
ومن جهة ثانية، يبدو أن هناك تفكيرًا في مصلحة أردنية حقيقية أقلها على مستوى المشاريع التجارية الصغيرة في هذه العلاقات، وفقًا للخبير السبايلة.
بينما يعتقد الدكتور عبد الحكيم المصري، أن إعادة تشغيل المعبر والسماح بتبادل التجارة عبره، تأتي لتلبية مطالب ونتيجة لضغوط تتعرض لها السلطات الأردنية من التجار الأردنيين المتضررين من إيقاف المعبر، والذين تعتمد تجاراتهم عليه منذ سنوات طويلة.
وأضاف المصري أن الأردن أعاد علاقاته الاقتصادية مع النظام إعادة “حذرة”، للكثير من الآثار السلبية التي قد تطاله، منها قانون العقوبات الأمريكي “قيصر”، وعدم استقرار المنطقة وتخوف من الهجوم على المعبر بعد الأحداث التي شهدتها محافظة درعا، على حد قوله.
وبحسب بيانات لـ”غرفة تجارة عمّان”، بلغت قيمة الصادرات بين الأردن وسوريا منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية أيار الماضي 22.8 مليون دينار أردني، بينما سجلت قيمة الواردات حوالي 16.4 مليون دينار أردني.
بينما قال مصدر في معبر “نصيب” لصحيفة “الوطن” المحلية (لم تسمه)، في 12 من تموز الماضي، إن إيرادات المعبر بلغت حوالي 17 مليار ليرة سورية خلال الشهرين الماضيين فقط.
وأضاف المصدر للصحيفة، أن معظم الإيرادات تعود لمخالفات في البيانات الجمركية للبضاعة المدخلة عبر المعبر، ضُبطت بعد تدقيق البيانات والمرفقات القادمة مع البضائع الواردة.
وشهدت العلاقات بين سوريا والأردن بعد عام 2011 تحولات عديدة، إذ دعم الأردن فصائل المعارضة في الجنوب السوري، لكن عقب سيطرة قوات النظام على المنطقة، بدأ الأردن بالبحث عن عودة العلاقات خاصة بعد فتح معبر “نصيب” الحدودي.