انقطاع الكهرباء في حمص يرفع أسعار “البوظ”

  • 2021/08/15
  • 11:18 ص

عمود كهرباء للتوتر العالي في ريف حمص الشمالي - 7 كانون الثاني 2020 (عنب بلدي عروة المنذر)

حمص – عروة المنذر

على باب “بقالية” في مدينة تلبيسة شمالي حمص، وتحت أشعة الشمس الحارقة، يتجمع حوالي 20 رجلًا وامرأة في محاولة منهم للحصول على قطعة صغيرة من ألواح الثلج (البوظ).

يضع “أبو عبدو” الرجل الخمسيني، وهو صاحب “البقالية”، نظاراته الطبية ويمسك بورقة كتب عليها بعض الأسماء، ويصيح بأعلى صوته “الأولوية لمن سجل اسمه في هذه الورقة”، ويبدأ بتوزيع ألواح الثلج عليهم.

انتهت الأسماء المكتوبة في الورقة وبقيت ثلاث قطع، ولا يزال أمام البقالية سبعة أشخاص.

أشعل خالد، البالغ من العمر 40 عامًا، سيجارته وجلس بالقرب من صديق له، ورصدت عنب بلدي حديثه، “أي ذل وصلنا له، نقف ساعة أمام البقالية للحصول على قطعة ثلج لتبريد مياه الشرب (…) ماذا تخبئ لنا الأيام؟ هل سيكون هناك ذل أكثر مما نحن فيه؟”

تدخل محافظة حمص وسط سوريا أزمة هي الأشد في زيادة التقنين الكهربائي، فصار برنامج التقنين في المدينة ست ساعات قطع مقابل ساعة وصل فقط للكهرباء، ما زاد في صعوبة الحياة اليومية للسكان، فتوقف البرادات عن العمل حرمهم من مياه باردة تسد رمقهم وسط موجات الحر المتلاحقة، وأفسد المؤن، ولم تعد البطاريات التي تشغّل “ليدات” الإنارة تشحن بما فيه الكفاية.

أزمة ارتفاع أسعار الثلج

يلجأ ميسورو الحال إلى الاعتماد على الطاقة الشمسية في تأمين التيار الكهربائي، إلا أن ارتفاع تكاليفها التي وصلت إلى أرقام قياسية مقارنة بدخل الفرد، حرم الأغلبية من القدرة على تركيبها والاعتماد عليها.

تشهد المنطقة في شهر آب موجات حر متتابعة، ترفع حاجة السكان إلى المياه الباردة، وتزيد في مصروف الأسر لتأمين ألواح الثلج.

ارتفعت درجة الحرارة في بداية آب الحالي إلى 45 درجة، وأدى ذلك إلى ارتفاع درجة حرارة المياه في الخزانات إلى 20 درجة، لتزيد صعوبة شربها دون أي عامل من عوامل التبريد يخفف هذه الحرارة.

يوسف الأحمد (32 عامًا) من سكان مدينة الرستن، قال لعنب بلدي، إن توجه الناس للاعتماد على ألواح الثلج لتبريد مياه الشرب رفع سعر القطعة (ربع لوح) إلى ألف ليرة سورية (31 سنتًا) في حال توفرها بعد أن كان 500 ليرة (15 سنتًا) قبل بدء موجات الحر وزيادة ساعات التقنين.

ويوجد في ريف حمص الشمالي ثلاثة معامل للثلج تنتشر على الأوتوستراد الدولي “M5″، وتقدم خدماتها بالأولوية لسيارات الشحن، ومع زيادة ساعات التقنين، بدأ أصحابها يعتمدون على المولدات لتشغيل المعمل، وارتفاع سعر المازوت أسهم برفع سعر لوح الثلج الكامل إلى أربعة آلاف ليرة (حوالي دولار واحد).

ينتج معمل الثلج 50 لوحًا كل 24 ساعة من التشغيل، ومحرك الديزل بحاجة إلى برميلي مازوت كل 24 ساعة، ولا تخصص الحكومة أي مخصصات للمعمل، وفق ما قاله أحمد الطويل الذي يملك أحد معامل إنتاج الثلج.

وأضاف أحمد الطويل أن أولوية المعمل هي خدمة سيارات الشحن التي تسير على الطرق الدولية، وفائض المعمل يباع إلى أصحاب المحال الذين يبيعون الثلج لأهالي المنطقة، ما خفض عدد الألواح التي تُسلّم لهم، فلا يمكن لمعمل الثلج أن يوزع كامل الكمية للمستودعات الغذائية قبل أن تجد سيارات الشحن طلبها، فالثلج هو موسمي بنسبة لأهالي المنطقة، لكن طلبه دائم بالنسبة لسيارات الشحن.

الطاقة الشمسية حكر على الأغنياء

تحتاج أحياء المدينة ما بين 500 و600 ميغاواط من الكهرباء يوميًا، بينما يصلها حوالي 200 ميغاواط فقط، أي أقل من ثلث حاجة السكان.

تعزو حكومة النظام السوري انقطاع التيار الكهربائي إلى أن العقوبات الاقتصادية حرمت محطات توليد الكهرباء من مخصصاتها، لتتخذ من ذلك مبررًا لساعات التقنين التي تزيد من معاناة أهالي المنطقة.

وقد جعل الموقع الجغرافي لمحافظة حمص منها مكانًا استراتيجيًا، تمر عبره معظم الكوابل، وتتركز على أراضيها وفي نطاقها الإداري أهم محطات التوليد الغازية والبخارية، فضلًا عن أن حمص هي أهم منطقة في سوريا يمكن استخدام الطاقة البديلة فيها، وبالذات طاقة الرياح، وذلك لوجود “فتحة حمص” المقابلة لحدود لبنان مباشرة.

ورغم زيادة ساعات التقنين إلى مستويات قياسية، فإن الاعتماد على الطاقة البديلة، خصوصًا الطاقة الشمسية، بقي حكرًا على طبقة الأغنياء والضباط من قادة الميليشيات الذين جمعوا ثرواتهم عن طريق “التعفيش”.

علي، البالغ من العمر 43 عامًا، مهندس يمتلك ورشة لتركيب منظومات الطاقة الشمسية (تحفظ على ذكر اسمه الكامل لاعتبارات أمنية) قال لعنب بلدي، إن ارتفاع تكلفة منظومة الطاقة قلل من انتشارها، فتكلفة تشغيل منزل مع براد تصل إلى مليونين ونصف مليون ليرة (800 دولار) ثمنًا لـ”الإنفرتر الشمسي” (العاكس) والبطاريات والملحقات من قواطع ودارات حماية، وهو مبلغ خارج قدرة 80% من سكان محافظة حمص.

و”الإنفرتر الشمسي” هو أساس كل منظومة طاقة شمسية، إذ يحول التيار المستمر للوحدات الكهروضوئية إلى تيار متردد، ويمكن في نفس الوقت أن يغذي الشبكة العامة بالكهرباء، ويتحكم ويراقب المنظومة بأكملها.

وهذه الطريقة تضمن عمل الوحدات الكهروضوئية دائمًا بأقصى طاقة تعتمد على الإشعاع الشمسي ودرجة الحرارة، ومن ناحية أخرى، تراقب باستمرار المنظومة وهي مسؤولة عن الالتزام بمعايير السلامة المختلفة.

وأضاف المهندس أن منظومات الطاقة الشمسية رائجة بين الأغنياء وعيادات الأطباء وأصحاب المهن التي بحاجة إلى التيار الكهربائي بشكل مستمر.

ويلجأ أصحاب المهن التي تحتاج إلى التيار الكهربائي للطاقة الشمسية لتأمين التيار، والابتعاد عن المولدات التي تعمل على المازوت بعد ارتفاع سعره بشكل كبير.

إلا أن الظروف المعيشية القاسية التي يعاني منها أغلب السوريين تحول دون حصول الناس على مصادر الكهرباء من الطاقة الشمسية.

إذ تتراوح معدلات الرواتب والأجور في سوريا لعام 2021 بين 37 ألفًا و600 ليرة (12 دولارًا) و663 ألف ليرة (200 دولار)، ويبلغ متوسط الراتب الشهري نحو 150 ألف ليرة (حوالي 46 دولارًا)، وفق موقع “Salaryexplorer“.

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية