المعطف والأنف.. “كلنا خرجنا من معطف غوغول”
تعتبر رواية “المعطف”، التي كتبها الروائي الروسي نيكولاي غوغول، واحدة من أبرز القصص الواقعية في الأدب الروسي، والتي أسهمت في تعزيز لقب “خالق الواقعية الأدبية” لغوغول.
وفي “المعطف” التي صدرت عام 1842، بعد ست سنوات من صدور قصته “المفتش العام”، يركز غوغول في الفكرة والتفاصيل على المظاهر المادية وعلاقتها بالشخص، والمحيطين به، والأحكام التي يطلقونها بناء على ما يبدو أمام عيونهم من مظاهر قد لا تعبر عن الحقيقة كاملة على الأقل، إن عبرت عنها أصلًا.
والقضية أن أكاكي أكاكيفيتش، بطل هذه القصة وصاحب المعطف وضحية الأحكام المسبقة التي تُبنى على النظرة فقط، موظف في إحدى الدوائر الرسمية، يعامله زملاؤه بأسلوب لا ينمّ عن احترام، بمقدار ما فيه من تصغير وتحقير.
يعاني أكاكي من هذه النظرة التي تغذيه بالضعف أكثر، وتبقيه في دوامة نفسية غير مريحة، إلى أن يأتي المعطف، فحتى يتخلص أكاكي من نظرة الشفقة والتحقير، تلك النظرة التي تخلو من الندّية، يشتري معطفًا ثمينًا وأنيقًا ويذهب إلى العمل في اليوم التالي مرتديًا المعطف الأنيق، فيلاحظ دونما جهد فارق المعاملة والأسلوب، بين الأيام والسنوات الماضية، وبين اليوم الذي ارتدى فيه المعطف.
الكثير من الاحترام والتعامل الراقي والنظرات المريحة، والكثير أيضًا من السلام في التعامل، كل ذلك جاء بفضل المعطف وعلى شرفه.
والمعطف هنا أبعد من قطعة قماش مصنوعة بمقاسات محكمة ومتوازنة، فهو مرآة لأفكار الآخرين عن غيرهم، وهو ملجأ أكاكي الذي أخفى داخله ضعفه وقلة ثقته بنفسه، وشخصيته المسحوقة.
وأشار الكاتب إلى هذه الفكرة من خلال التنويه إلى أن ما يرتديه أكاكي تحت المعطف هو عبارة عن ملابس بالية، ولكن الناس اكتفوا بالمظهر ليبنوا أحكامهم، فحين يعود أكاكي لاتداء زيه القديم مجبرًا، وحين تجرّده الحياة من معطفه الذي يقيه نظرات الناس القاسية، تعود المعاملة القديمة والتحقير والإهانة إلى ما كانت عليه قبل المعطف.
ولد الكاتب الروائي والقصصي نيكولاي غوغول عام 1908، لعائلة أرستقراطية أوكرانية، ويعتبر أحد أهم دعائم النهضة الأدبية في روسيا خلال القرن الـ19.
وشكّلت رواية المعطف بعدد صفحاتها القليل أيقونة أدبية في تلك الفترة، حتى إن رواية “المساكين”، أولى روايات دوستويفسكي، الصادرة عام 1846، تضمّنت مشهدًا قصصيًا دراميًا يقرأ خلاله أحد أبطال الرواية، ويدعى ديفوشكين، رواية “المعطف”، في إشارة من دوستويفسكي إلى أن أبطاله خرجوا من معطف غوغول أيضًا.
وصارت جملة “كلنا خرجنا من معطف غوغول” واحدة من أكثر الجمل الأدبية شيوعًا، دون معرفة دقيقة بقائل هذه الجملة، فالناقد الروسي يفغيني سولوييف نسبها لدوستويفسكي، والناقد فلاديمير فيدل ينسبها لديمتري غريغوريفتش.
ويعني ذلك أن الجميع عُرضة للأحكام المسبقة، والكل يرتدي ملامح القوة في العلن، ليخلعها حين ينفرد بنفسه، فمعطف غوغول قبل أن يكون لمنح الدفء من البرد، هو للوقاية من نظرات التحقير الباردة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :