عرضت السينما مواضيع الجنس والرغبة ضمن إطارات عديدة، خاصة بعد “الثورة الجنسية” بالغرب في أواخر القرن الماضي، إذ ناقشت مواضيع جريئة وحساسة مثل الاغتصاب، وجنس المحارم، والبيدوفيليا (ممارسة الجنس مع الأطفال).
من هذه الأفلام “Lolita” لستانلي كوبريك، الذي يتحدث عن هوس رجل أربعيني بممارسة الجنس مع فتاة في الـ14 من عمرها، وعلى غراره فيلم “American Beauty” لسام ميندز، ومنها أيضًا استغلال الضعف البدني والإعاقة الذهنية كما حدث مع “كريمة” في فيلم عاطف سليم “توت توت” بطولة نبيلة عبيد وسعيد صالح عام 1993.
ومنذ بداية الألفية الثالثة، أصبحت حوادث الاعتداء والاغتصاب تؤخذ على محمل جاد أكثر، وتم تسليط الإعلام والفن لمعالجة وعرض أهوال هذه الاعتداءات.
ومن أشهر الأفلام التي صوّرت وحشية الاغتصاب، الفيلم الفرنسي “Irréversible” الذي عُرض عام 2002 للمخرج الأرجنتيني غاسبر نوي، وهو أكثر أفلامه شهرة وإثارة للجدل كونها تحتوي على مشاهد حساسة وعنيفة.
“الوقت يدمّر كل شيء”، يَفتتح نوي فيلمه بهذه الكلمات على لسان رجل جالس يتحدث إلى رجل آخر ويبدو كأنهما في غرفة صغيرة، ويتابع قوله إنه دخل السجن لممارسته الجنس مع ابنته، ويشير نوي في هذه الافتتاحية إلى فيلمه في عام 1998 “I stand alone” الذي يدور حول رجل بائس يجد المتعة الأخيرة، بعد وقت طويل من المعاناة، أن ممارسة الجنس مع ابنته هو أفضل خيار أخير.
يبدأ فيلم “irreversible” أحداثه معكوسة، أي من نهاية القصة وصولًا إلى بدايتها بطريقة التسلسل الزمني العكسي (Reverse chronology).
حركة الكاميرا في الفيلم مضطربة، إذ تتحرك باستمرار متتبعة كلًا من “ماركوس” و”بيير” في سعيهما الحثيث للوصول إلى شخص يدعى “لو تينيا” الذي هاجم واغتصب صديقتهما “أليكس” التي أدت دورها مونيكا بيلوتشي.
يُعتدى على “أليكس” بشراسة وتتعرض للضرب المبرح، ونرى “أليكس” قبل هذا الحدث في حفلة مع أصدقائها، برفقة حبيبها “ماركوس” وصديقها “بيير”، فحياتها قبل الحادثة طبيعية جدًا، بل واكتشفت أنها حامل.
إن الطريقة التي عُرض بها الفيلم تجعلنا متعاطفين أكثر مع الضحية، فـ”أليكس” سعيدة وفي علاقة جيدة، بينما حادثة مأساويّة دمّرت حياتها وحياة “ماركوس” و”بيير” في آن واحد.
وهنا نعود إلى فكرة الوقت والمستقبل، فحدث عشوائي كمرور “أليكس” بساعة معيّنة في نفق مهجور أدى إلى سلسلة أحداث قاهرة.
إن انتقام “ماركوس” و”بيير” من “لو تينيا” في هذا الفيلم محمّل بالخسائر، إذ كان مدفوعًا بالعاطفة والغضب مبتعدًا عن التعقل والحكمة، ويتطرق الفيلم أيضًا إلى مفهوم تفوّق القوّة الذكرية على الأنثوية.
بينما في أفلام أخرى، مثل الفيلم الفرنسي “Elle” الذي عُرض عام 2016 بطولة الممثلة الفرنسية إيزابيل أوبيرت، وإخراج بول فيرهويفن، تتعرّض سيدة الأعمال الناجحة “ميشيل لوبلانك” لاعتداء واغتصاب داخل منزلها، ورغم ما يشكّله الموضوع من صدمة، تتعامل مع هذه الحادثة بتأنٍّ وعقلانية رغم الهواجس التي تعتريها.
تتجنب “ميشيل” إطلاع الشرطة على ما حدث نظرًا إلى تجربة شبيهة سابقة كانت قد تعرضت لها عندما كانت طفلة، إذ لم تنسَ سوء تعاطي الشرطة والإعلام مع الحادثة حينها، تقوم “ميشيل” بإجراء تحاليل وكشوف طبية للتأكد من سلامتها، وتتخذ الحذر بشراء معدات للدفاع عن النفس كرذاذ الفلفل وسكين حادة كما تقوم بتغيير أقفال منزلها.
لم تخبر “ميشيل” أي أحد في البداية عمّا تعرضت له، وتعالج الأمر بهدوء تام لكن بحذر وتأهب شديدين، ففي هذا الفيلم تم تكريس موضوع الانتقام النسائي، إذ تسعى الضحية لاسترداد حقّها بنفسها.
موضوع الاعتداء والانتقام في السينما أصبح له أسلوب خاص يمكن أن تندرج تحته عشرات الأفلام، وتتكوّن الفكرة الرئيسة من تعرّض الضحية لاعتداء والنجاة منها ثم سعيها للانتقام، ومن أشهر هذه الأفلام “Kill bill”، و”I spit on your grave”.