عنب بلدي – زينب مصري
منذ حديث رئيس النظام السوري، بشار الأسد، عن الاستثمار بالطاقة البديلة، في خطاب القسم الذي ألقاه بعد “فوزه” بالانتخابات الرئاسية التي عُقدت في أيار الماضي، بدأ مسؤولون ووسائل إعلام موالية له بالترويج لها باعتبارها “المنقذ”، و”حاملة مستقبل الاقتصاد” في سوريا.
ومع الارتفاع المتكرر لأسعار الوقود وغيابه وارتفاع تكاليف جلبه إلى مناطق سيطرة النظام، والانقطاع المستمر للتيار الكهربائي مع زيادة عدد ساعات التقنين، وآثار هذه الأزمات على اقتصاد البلاد وقطاع الاستثمار ومعيشة السكان، بدأ النظام بالبحث عن بدائل لإعادة تشغيل القطاع الصناعي.
وتعد الطاقة البديلة خيارًا يمكن أن يلجأ إليه المواطنون لحل مشكلة غياب الكهرباء، وسط عجز حكومة النظام عن حلها، لكنه خيار يصطدم بتكاليف مرتفعة لا يستطيع المواطنون ذوو الدخل المحدود تحملها، وسط أزمة اقتصادية ومعيشية تُخيّم على مناطق سيطرة النظام.
قانون قيد الدراسة
خلال كلمته في قصر “الشعب”، قال الأسد إن المرحلة المقبلة في إطار الاستثمارات هي للتركيز على الاستثمارات في الطاقة البديلة، فحل مشكلة الكهرباء هو أولوية، ليس لحيويتها للحياة اليومية فقط، وإنما لحيويتها أيضًا لقيام الاستثمارات المختلفة.
ووعد الأسد بالعمل على تشجيع الاستثمار في الطاقة البديلة، ودعمها عبر السياسات أو عبر التشريعات بهدف إطلاق مشاريع توليد الطاقة من قبل القطاع الخاص أو العام أو بالمشاركة بينهما.
وتحدث عضو مجلس الشعب محمد غزوان المصري لصحيفة “الوطن” المحلية، في 19 من تموز الماضي، عن قانون جديد قيد الدراسة في المجلس سيصدر قريبًا بخصوص الطاقة البديلة.
ويمكن من خلال هذا القانون، إعطاء قروض من دون فوائد لأي شخص يريد الاستفادة من الطاقة البديلة.
وبحسب المصري، فإن أي معمل يستطيع اليوم استخدام الطاقة البديلة مثل الطاقة الشمسية، سيؤدي إلى تخفيض استهلاك الطاقة الكهربائية التي تزوّد بها حكومة النظام المعامل والمصانع، وسينعكس إيجابًا على المواطن والأماكن السكنية، إذ سيصبح واقع الكهرباء فيها أفضل من الوضع الحالي.
تسهيلات حكومية
وتحدثت صحيفة “الوطن”، في تقرير صادر في 3 من آب الحالي، حمل عنوان “الطاقة البديلة حاملة مستقبل الاقتصاد”، عن التسهيلات التي وفرتها حكومة النظام أمام مشاريع الطاقة البديلة.
وقالت الصحيفة، إن المزايا والمحفّزات التي مُنحت لمشاريع الطاقة البديلة لا تقتصر على المزايا الجمركية المتعلقة بإعفاء مستوردات هذه المشاريع من الآلات والتجهيزات وخطوط الإنتاج ووسائط النقل الخدمية غير السياحية من كل الرسوم الجمركية والمالية والإضافات غير الجمركية.
كما أنها لا تقتصر على الحوافز الضريبية التي بنتيجتها تحصل هذه المشاريع على إعفاء ضريبي بمقدار 50% لمدة عشر سنوات، وإنّما تزداد هذه الحوافز مع زيادة عدد العمال الذين يتم تشغيلهم في مثل هذا النوع من المشاريع.
إذ تصل هذه المزايا إلى حسم ضريبي إضافي لمدة خمس سنوات بنسبة 5% عن كل 100 عامل سوري مشترك في التأمينات الاجتماعية يتم استخدامهم في هذه المشاريع.
والطاقة البديلة، مصطلح يطلق على الطاقة المتجددة التي ستحل محل الوقود الأحفوري مثل البترول والغاز الطبيعي، وهي طاقة أقل ضررًا على البيئة، وأكثر ديمومة، كطاقة الشمس والرياح والمياه، لاعتمادها بشكل أساسي على الموارد الطبيعية المتجددة، وتتميز بانخفاض تكلفتها، إذ تقتصر التكلفة على الأدوات والمعدات المستخدمة.
تكاليف باهظة
تحتاج مسألة تصنيع الطاقة في سوريا إلى مليارات من الدولارات وليس الليرات السورية، بحسب الخبير الاقتصادي خالد تركاوي، الذي يرى أن النظام غير قادر على الدخول في هذا القطاع.
وتحدث تركاوي لعنب بلدي عن وجود مشاريع للطاقة البديلة في البلدان المجاورة لسوريا، كالأردن وتركيا، مشيرًا إلى أن هذه الدول تدفع ملايين الدولارات للاستثمار في هذا المجال.
فالطاقة البديلة أو الطاقة المتجددة، سواء طاقة الرياح أو طاقة الشمس، أمر مكلف، بنيتها الأساسية ليست رخيصة، لكن الإنتاج الذي توفره يصبح رخيصًا على المدى الطويل.
فلا حاجة إلى الدفع عندما تمنح المراوح الطاقة الهوائية، لكن تركيب المروحة الضخمة سيكون مكلفًا للغاية، ويمكن أن يصل إلى عشرة ملايين دولار للمروحة الواحدة، بحسب الباحث.
وتحدث تركاوي عن تجربة بدأت في الريف الغربي لمحافظة حمص، منذ ثلاث سنوات، تم تركيب مروحة واحدة خلالها، والآن يجري العمل على تركيب مروحتين أخريين، ما يعني أن التجهيز يتم كل سنتين أو أكثر في القطاع الخاص.
والأماكن المؤهلة للطاقة المتجددة في سوريا التي يمكن أن يستثمر فيها القطاع الخاص، بحسب تركاوي، هي تدمر والصحراء باتجاه ريف المدينة الشرقي والرقة (طاقة شمسية)، وهي مناطق نزاع وصراع حتى هذه اللحظة، وبالتالي فإن المستثمر معرض للخسارة وتدمير المشروع نتيجة الهجمات والصراع.
والمنطقة الثانية هي جبال اللاذقية والمناطق باتجاه ريف حمص الغربي المفتوحة على المناطق الساحلية (طاقة رياح)، وهي مناطق آمنة نسبيًا وليس كليًا، لكن الحاجة إلى بنية كبيرة جدًا في هذه المنطقة للاستثمار في الرياح تتطلب تكلفة مرتفعة.
أما المنطقة الثالثة فهي في نهري “دجلة” و”الفرات” (طاقة مياه)، والنهران يقعان خارج مناطق سيطرة النظام، لذلك لا يمكنه الاستفادة منهما، والأنهار الأخرى كنهر “العاصي”، تدفقها بسيط ولا يمكن الاستفادة منها حتى لو وجدت الإمكانية، لأن توليدها للطاقة سيكون ضعيفًا.
أسعار تفوق قدرة السكان
وتوفر مصارف سورية بشكل مسبق إمكانية سحب قروض لمشاريع الطاقة البديلة للشركات والمشاريع الاستثمارية، لكن لا معلومات عن توفر هذه القروض بالنسبة للمواطنين، سوى قانون قيد الدراسة لم يصدر بعد.
إذ يمنح “المصرف التجاري السوري” قرض تمويل مشروع توليد الطاقة البديلة، بنسبة تمويل تبلغ 50% من تكلفة المشروع المعتمد على قيمة الأرض، وبسقف قرض لا يتجاوز ملياري ليرة سورية، ومدة لا تتجاوز عشر سنوات متضمنة فترة السماح سنة كحد أقصى، وبقبول أرض المشروع الممول كضمان.
وتتراوح تكلفة المنظومات الشمسية لأغلب الاستخدامات المنزلية، وخارج إطار المشاريع الإنتاجية، بين ثلاثة ملايين ليرة سورية و14 مليونًا، بحسب ما رصدته عنب بلدي من مواقع الشركات التي تعمل في تركيب منظومات الطاقة بمناطق سيطرة النظام.
وقال محمد، وهو صاحب شركة تعمل على تركيب منظومات الطاقة، لعنب بلدي، إنه يجب معرفة طبيعة المنظومة التي سيتم تركيبها، إذ إن لها عدة تطبيقات، أهمها المنزلي والصناعي والزراعي، وتختلف الأدوات التي تحتاج إليها المنظومة من نموذج لآخر.
وأضاف أن أسعار الأدوات تكون بحسب نوعها، بينما تختلف أسعار المنظومة بحسب حجمها، إذ إن ألواح الطاقة الشمسية ثابتة لكل المنظومات، أما سعر الجهاز المسؤول عن عملية تنظيم الكهرباء وإدارة الأحمال، المعروف بـ”إنفرتر”، فيختلف حسب النوع والقدرة التشغيلية.
وتروّج حكومة النظام لتسهيلات منح قروض الطاقة من المصارف السورية العاملة في مناطق سيطرتها، لكن هذه المصارف تفرض شروطًا تجعل الحصول على هذه القروض صعبًا على المواطنين الذي يعانون من انخفاض الدخل الشهري، في ظل انخفاض سعر الصرف.
ففي حديث لإذاعة “شام إف إم” المحلية، في 4 من آب الحالي، تحدث معاون مدير عام مصرف “التسليف الشعبي”، وجيه بيطار، عن شروط القروض الإنتاجية للمشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر التي سيمنحها المصرف.
وقال إن المصرف سيمنح هذه القروض الإنتاجية لأي مشروع اقتصادي مرخص، اعتبارًا من 1 من أيلول المقبل.
وتتراوح مدد القروض الإنتاجية بين سنة وعشر سنوات، أما معدلات الفائدة فتتراوح بين 8.5 و10% حسب مدة القرض والغاية من المشروع.
وتحتاج هذه القروض إلى كفالات تقسم إلى نوعين، الأول هو كفالات شخصية تندرج تحتها كفالات دخل محدود أو كفالة أصحاب فعاليات إنتاجية، والثاني كفالات عينية، ومن الممكن أن تكون عقارية أو نقدية أو أوراقًا مالية (شهادات الاستثمار).
وفيما يخص قروض الطاقة البديلة (السخان الشمسي أو الخلايا الضوئية)، يقوم المصرف بتسديد ثمن هذه الأجهزة للشركة المصنعة، وثم يدفع الشخص طالب القرض المبالغ بالتقسيط للمصرف.
وتفرض المصارف لمنح القروض للمواطنين في مناطق سيطرة النظام شروطًا تجعل الحصول عليها متعذرًا، كسقف مرتفع للرواتب وتسديد قروض سابقة إن وجدت، وكفلاء، وسط تدني معدلات الرواتب والأجور في سوريا وارتفاع سعر الصرف.
وتتراوح معدلات الرواتب والأجور في سوريا لعام 2021 بين 37 ألفًا و600 ليرة (12 دولارًا) و663 ألف ليرة (200 دولار) ، ويبلغ متوسط الراتب الشهري نحو 150 ألف ليرة سورية (نحو 46 دولارًا أمريكيًا)، بحسب موقع “Salaryexplorer“.
ويعاني السوريون على اختلاف مناطق إقامتهم في سوريا من ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة، نتيجة عدة أسباب، أبرزها في الآونة الأخيرة، تدهور الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، وتراجع القدرة الشرائية بسبب زيادة نسب التضخم وارتفاع الأسعار.