نساء سوريا “يؤجّلن” الاهتمام بأنفسهن بسبب الضائقة الاقتصادية

  • 2021/08/08
  • 1:24 م

نساء سوريات ينظرن إلى فساتين معروضة أمام متجر لبيع الملابس في سوق الحميدية في المدينة القديمة بالعاصمة السورية دمشق - 3 كانون الأول 2019 (AFP)

عنب بلدي – جنى العيسى

“أجّلتُ كثيرًا مما أخطط لشرائه شهريًا، فتكاليف الاهتمام بأنوثتي أصبحت لا تناسب دخلي، وانخرطتُ بتفاصيل العمل لتأمين مصاريف عائلتي بعيدًا عن أي متطلبات جعل منها الوضع الحالي أمورًا ثانوية”.

بهذه الكلمات تحدثت آية (27 سنة)، التي تحفظت على ذكر اسمها الكامل لأسباب خاصة، لعنب بلدي، عن تأجيلها وتخليها مجبرة عن تأمين متطلباتها الشخصية من منتجات للعناية الكاملة بنفسها، بسبب ضعف القدرة الشرائية لديها.

اليوم، يعتبر بعض المواطنين في سوريا توجه السيدات للتسوق، وشراء عطورات وكريمات أو زيارة صالونات التجميل رفاهية، لكن معظم النساء حول العالم يعتبرن تلبية حاجياتهن الشخصية تعزز من أنوثتهن وتعطيهن الثقة بشخصيتهن.

وفي ظل الأزمات الاقتصادية والمعيشية المختلفة التي تلاحق المقيمين في مناطق سيطرة النظام، لجأت العديد من النساء في سوريا إلى التخلي عن تلك “الرفاهية”، وترك أمور تعد أولوية في حياة أي امرأة، في سبيل تأمين حاجياتها المعيشية الأساسية.

الراتب بالكاد يكفي

تعمل آية مدرّسة رياضيات في العاصمة دمشق، منذ أربع سنوات، تمر الأيام عليها متشابهة في الركض بين العمل والمنزل يوميًا، على حد تعبيرها.

وأضافت آية أن راتبها الشهري بالكاد يكفي مصاريف عائلتها، لذا لم يعد هناك مجال لأي مصاريف إضافية قد تفكر فيها، ككريمات العناية بالبشرة والشعر، التي يطلب المختصون استخدامها يوميًا.

لجين البحري، موظفة حكومية في مدينة حمص، قالت لعنب بلدي، إن فقدان الراتب قيمته المادية أجبرها على التخلي عن الكثير من الحاجات الشخصية والاهتمامات التي كانت أولوية بالنسبة لها سابقًا.

وبحسب ما قالته لجين، أبعدتها ظروف المعيشة الصعبة عن اهتماماتها بالموضة، في كثير من الأمور كالشعر والملابس ومنتجات التجميل.

ونظرًا إلى أن لجين ما زالت تعتبر كل تلك الأمور أولوية في حياتها، فإن عدم وجودها الآن أفقدها القدرة على حضور الكثير من المناسبات الخاصة بالعائلة والأصدقاء.

وبحسب تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية، في حزيران الماضي، تتفاوت أجور الحلاقة وتصفيف الشعر بين صالون وآخر، وتحدد التسعيرات بعيدًا عن التسعيرة الرسمية التي تحددها الجمعية الحرفية للحلاقين، بحسب المنطقة التي يقع فيها الصالون، واسم الحلاق وخبرته وشهرته، وعدد متابعيه على وسائل التواصل الاجتماعي.

ولفت التقرير إلى أنه من الممكن أن تصل أجرة “القص والسيشوار” في بعض صالونات التجميل بمحافظة اللاذقية من أربعة آلاف إلى سبعة آلاف ليرة سورية، بينما تتراوح تكاليف تجهيز العروس بين 100 ألف ليرة وحتى مليون ليرة.

ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، بلغ عدد السكان في سوريا 17 مليونًا و501 نسمة، في عام 2020، ويصل عدد الذكور منهم إلى ثمانية ملايين و760 ألفًا و65 شخصًا، بنسبة 50.06%، بينما يبلغ عدد الإناث حوالي ثمانية ملايين و740 ألفًا و592 نسمة، بنسبة 49.94%.

وكان رئيس النظام، بشار الأسد، ضاعف رواتب الموظفين العاملين في الدولة، ورفع رواتب المتقاعدين بنسبة 40%، خلال تموز الماضي، لكن حكومته استبقت هذه الزيادة بمضاعفة أسعار مواد استهلاكية أساسية، كالأرز والسكر والخبز، إلى جانب رفع أسعار المحروقات.

مَن الموجود في المنزل

لا تختلف حال الكثير من النساء السوريات عن حال آية، إذ تتشابه ظروفهن ومتطلباتهن ومسؤولياتهن تجاه أنفسهن وذويهن.

ومن أجل التغلب على الحاجة التي يفرضها الواقع، لجأت لجين البحري إلى زراعة نبات “الألوفيرا” (الذي يُستخدم ككريمات جلدية) للاستعاضة عن كثير من المنتجات التي تصل أسعارها إلى “مبالغ خيالية” مقارنة براتبها، وفقًا لما قالته لعنب بلدي.

وبحسب ما تراه لجين، هناك “شريحة واسعة” من النساء ما زالت ترى باهتمامها بنفسها أولوية، وما زالت ترتاد صالونات التجميل بغلائها “الفاحش”، ولكنها قد تكون إما زوجة لشخص مسؤول، لا يعاني ما يعانيه السوريون، أو إن كان زوجها أو أحد من ذويها يُقيم خارج سوريا، ويساعدها في مصاريفها عبر إرسال الحوالات.

وأوضحت آية، معلمة مادة الرياضيات في دمشق، أنها منذ فترة ليست ببعيدة اعتادت البساطة والأقنعة المنزلية المتوفرة قدر الإمكان للعناية بنفسها، وما شجعها على ذلك أن “حال معظم صديقاتها كحالها بالضبط”.

وأضافت آية أنها تبحث الآن عن معهد خاص أو أي دروس إضافية مسائية، قد تعينها على أن تشعر بأن تعبها في العمل يحقق لها متطلباتها الشخصية، أو يساعدها حتى على زيارة طبيبة النسائية لتعرف إن كانت تعاني من مشكلات نسائية معيّنة تنعكس على طبيعة بشرتها.

وقدر تقرير لصندوق الأمم المتحدة الإنمائي، أن 13.4 مليون شخص في سوريا لا يزالون محتاجين للمساعدات، من بينهم ثلاثة ملايين و600 ألف امرأة ومراهقة، نصف مليون منهن من الحوامل، بحاجة إلى الحصول على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية الجيدة.

تأثير مضاعَف على النساء

الناشطة السياسية والنسوية وعضو فريق الاستشارات في “الحركة السياسية النسوية السورية” صبيحة خليل، ترى في حديث إلى عنب بلدي، أن تردي الوضع الاقتصادي في سوريا له تأثير مضاعَف على النساء.

وعزت خليل التأثير المضاعف على النساء إلى أسباب تتعلق بصعوبة وصولهن وتحكمهن بمصادر الدخل، بالإضافة إلى تعرضهن المباشر لنتائج الانهيارات الاقتصادية التي تزيد أيضًا من حدة جميع أشكال العنف ضد النساء.

واعتبرت أن النساء أكثر تضررًا حتى من الرجال، مستندة إلى إحصائيات الأمم المتحدة التي تقول إن النساء يشكّلن نسبة كبيرة من أغلبية فقراء العالم.

وترى عضو “الحركة السياسية النسوية السورية” صبيحة خليل، أن الكثير من النساء السوريات رغم كل ما مررن به من ظروف، “كنّ ملهمات” في كسر الصورة النمطية، ودخلن مختلف أسواق العمل الجديدة، التي لم تكن متاحة سابقًا وإنما خُلقت بفعل تطلعاتهن في البحث عن حياة كريمة يصنعنها بأنفسهن.

ووفقًا لتقرير لـ”اللجنة الدولية للصليب الأحمر”، فإن عواقب الحرب على المرأة السورية بشكل خاص كانت “وحشية”.

وذكر التقرير أن الكثير من النساء السوريات يحاولن الحفاظ على صحة وتغذية أسرهن كمحط اهتمام أولي بالنسبة لهن، لأنهن في كثير من الأحيان أصبحن المعيل الوحيد لأسرهن، بعد فقدان أزواجهن وآبائهن.

مقالات متعلقة

  1. الهجرة خيارهم الوحيد.. سوريون يبيعون عقاراتهم ومواشيهم للخلاص
  2. نازحات معيلات أمام خيارات صعبة في إدلب
  3. تقرير أممي: أكثر من 70% من اللاجئين السوريين يعيشون في فقر
  4. دوراتٌ تأهيلية تستهدف النساء في القنيطرة

مجتمع

المزيد من مجتمع