“تسوية” درعا.. نموذج لفشل الحل الأمني في سوريا

  • 2021/08/08
  • 1:11 م

جنود سوريون تابعون لقوات النظام السوري يقفون بجوار ذخيرة وعبوات متفجرة عُ ثر عليها في مدينة درعا جنوبي سوريا- 27 من شباط 2019 (AFPتعديل عنب بلدي)

زينب مصري | خالد الجرعتلي | حسام المحمود

رغم سيطرة قوات النظام السوري على مدينة درعا في آب 2018، من خلال “تسوية” تكونت من 11 بندًا، فرضها النظام على الراغبين بالبقاء في منازلهم، لم تنعم المحافظة باستقرار حقيقي، وظلت خاصرة رخوة أمنيًا ضمن المناطق التي تفرض قوات النظام سيطرتها عليها.

انعكس عدم الاستقرار من خلال الواقع الأمني للمحافظة التي شهدت منذ سيطرة النظام عليها، بموجب “التسوية”، حالات اغتيال متواصلة تُنسب لمجهولين، في الوقت الذي تقاسم خلاله الإيرانيون والروس وخلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى جانب النظام السيطرة عليها.

وأعادت الأحداث الأخيرة في المحافظة الجنوبية، على خلفية تمردها على النظام مجددًا من خلال رفضها الانتخابات الرئاسية التي عُقدت في أيار الماضي، التأكيد على هشاشة الاتفاقات التي يعقدها النظام في مناطق “التسويات”.

إذ سرعان ما ألّب النظام حليفه الروسي على المدينة، واستنفر قواته أمنيًا من أجل حصارها والتضييق على سكانها، وعاد ليفرض شروط التهجير والانصياع له التي رفضها الأهالي، ما حوّل الوضع الأمني في المنطقة من عدم استقرار إلى مواجهات عسكرية وقصف للمدنيين.

عسكريًا، غاب الدور الروسي وبرز دور الحليف الإيراني في المواجهات الأخيرة إلى جانب صفوف قوات النظام ضد مقاتلي المعارضة السابقين.

وبينما تستمر المفاوضات بين اللجان المحلية والنظام، على الجانب السياسي، يبقى مصير المنطقة غير معروف في ظل التطورات العسكرية والقرارات السياسية المتلاحقة، ويواجه سكان المنطقة تبعات العمل العسكري وسط تنديد دولي خجول.

في هذا الملف، تبحث عنب بلدي أسباب فشل الحل الأمني في درعا، ونقض “التسويات” السياسية التي يستعيد بموجبها النظام مناطق خرجت عن سيطرته، وتناقش مع محللين سياسيين مستقبل المنطقة الجنوبية مع تعنّت النظام في استخدام الحل العسكري.

تحرير أم خلاف؟

مجريات متسارعة للأحداث في درعا

حاملًا بندقيته الخاصة ومتحزمًا بجعبة عسكرية، ومتوسطًا مجموعة من الشباب بعد الاستيلاء على أحد الحواجز في ريف درعا، يروي حمزة (35 عامًا)، لعنب بلدي، تفاصيل صبيحة اليوم الأول لاستهداف حواجز النظام بريف درعا الغربي.

“انطلقنا وحاصرنا الحاجز من جهاته كافة، وطلبنا من العناصر الاستسلام، لأننا لا نريد سفك الدماء إنما نريد إرسال رسالة ضغط للنظام لإيقاف حملته”، قال حمزة، وهو أحد المقاتلين المعارضين للنظام في درعا، والمشاركين في المواجهات العسكرية الأخيرة.

وقال المقاتل، إن جنود النظام كانوا خائفين، إذ استسلموا مع بداية الهجوم، وجرى تأمينهم في أماكن محصنة من قصف النظام، كما جُمعت أسلحتهم وسُلمت لجهات معنية اختيرت من قبل أبناء المنطقة.

وأضاف أن كل مجموعة من المقاتلين نفذت هدفها “بحرَفية عالية”، وهو “ما يدل على أن سيطرة النظام على المدينة عام 2018 أنهت الفصائلية بين المقاتلين، وأن ما جمع المقاتلين هو واجب نُصرة درعا وكل منطقة يحاول النظام السوري محاصرتها واقتحامها”.

“شعرت بالنصر عندما أنزلنا علم النظام من الحاجز، وزادني ذلك إيمانًا بأن الثورة لم ولن تموت، وأننا قادرون على إعادة النظام إلى ما قبل عام 2018، متى شئنا”، ختم المقاتل حديثه.

رجل سوري يمر من أمام أنقاض أبنية مدمرة في حي تسيطر عليه فصائل المعارضة بمدينة درعا جنوبي سوريا- 2 من تشرين الأول 2018 (AFP\ محمد أبازيد)

عمليات عسكرية قلبت الموازين

في صبيحة يوم 29 من تموز الماضي، بدأت قوات النظام السوري مدعومة بميليشيات شيعية ومحلية بعملية اقتحام أحياء درعا البلد، ولم تمضِ ساعات حتى باشر مقاتلون محليون بمهاجمة حواجز النظام في أرياف درعا الشرقية والغربية ومنطقة الجيدور شمالي محافظة درعا، مستخدمين الأسلحة الخفيفة.

وبدأت الأخبار والصور تتوالى عن سقوط حواجز النظام، إذ لم تبدِ الحواجز مقاومة، إنما سلم أغلبية العناصر أنفسهم مع أسلحتهم، في حين أسر مقاتلو المنطقة عشرات الضباط وصف الضباط.

أحد المشاركين باقتحام الحواجز في ريف درعا الغربي، وهو من القياديين السابقين بفصائل المعارضة، قال لعنب بلدي، إن جميع النقاط كانت مرصودة مسبقًا، وكذلك كانت المهام موزعة على مجموعات، وكان الجميع في انتظار ساعة الصفر لتخفيف الضغط عن درعا البلد.

وبعد بدء النظام عملية الاجتياح العسكري لدرعا البلد، انطلق مقاتلو ريف درعا الغربي كل مجموعة إلى موقعها، وبعمليات “خاطفة ومنسّقة” جرت السيطرة على معظم الحواجز في الريف الغربي.

وكانت “الفرقة الرابعة” التابعة للنظام السوري، أوكلت مهمة حماية هذه النقاط العسكرية لـ“عناصر التسويات”، وزوّدتهم بضباط وصف ضباط من “الجيش السوري”.

واستفاد المقاتلون المحليون المهاجمون من عدم ولاء “عناصر التسويات” للنظام، فكانت السيطرة سريعة على معسكر “زيزون”، مقر قيادة “الفرقة الرابعة”، وكذلك معسكر “الصاعقة”، مركز “تدريب الأغرار”، بالإضافة إلى عشرات الحواجز والنقاط العسكرية.

ولم يقتصر الهجوم على حواجز الريف الغربي، إنما تزامن مع هجوم شنه مقاتلون بريف درعا الشرقي أزالوا من خلاله حواجز النظام التي تتبع أغلبها لـ”المخابرات الجوية”، بدءًا من قرية بصرى المحاذية لمحافظة السويداء، وحتى بلدة النعيمة المحاذية لمركز محافظة درعا من الجهة الشرقية.

واستولى المهاجمون على دبابة ومضادات أرضية، وأسروا العشرات من عناصر النظام في ريف مدينة درعا الشرقي بالتزامن مع أحداث الريف الغربي من درعا.

وفي لقاء لعنب بلدي مع أحد أعضاء “اللجنة المركزية”، طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، قال إن هذا التحرك كان رسالة “ناعمة” بأن حوران جسد واحد ومصير مشترك حتى إن عناصر “اللواء الثامن” المدعومين من روسيا شاركوا بالقتال.

وأشار إلى أن روسيا تقف ضد زيادة النفوذ الإيراني المتنامي على حساب النفوذ الروسي، وأن إيقاف تمدد الميليشيات الإيرانية أحد أهم وعود روسيا للمجتمع الدولي وإسرائيل.

وأضاف القيادي أن الروس طلبوا تسليم الأسرى كبادرة حسن نية من قبل مقاتلي المعارضة للدخول في مفاوضات جادة تنهي الحملة العسكرية على درعا البلد دون الدخول بحالة حرب.

وأشار إلى أن التحرك الأخير لمقاتلي المعارضة غيّر حتى في مسار التفاوض، إذ لم تعد “اللجنة الأمنية” تفاوض لجنة درعا البلد بل “لجان حوران” بما فيها الغربية والشرقية.

بداية الحصار

بسبب موقفها الرافض للانتخابات الرئاسية، عمل النظام السوري على تأليب روسيا ضد محافظة درعا، الأمر الذي ظهر في مطالبات الروس بتسليم المعارضة سلاحها الخفيف، على لسان المسؤول عن “الشرطة العسكرية الروسية” في درعا الجنرال الروسي الملقب بـ“أسد الله”.

تلقت “اللجنة المركزية” لدرعا البلد طلبًا روسيًا بتسليم 200 قطعة سلاح فردي، و20 رشاشًا من نوع “BKC”، ودخول المدينة وتفتيشها، مقابل وعود بحل الميليشيات التابعة للنظام في المدينة، لكن هذه الطلبات قوبلت بالرفض من قبل اللجنة.

نفت اللجنة امتلاك سكان المدينة أي أسلحة، مشيرة إلى أن فصائل المعارضة سَلّمت سلاحها في تموز 2018، بعد سيطرة النظام على محافظتي درعا والقنيطرة، بموجب اتفاق “التسوية”.

إلا أن عدم استجابة أهالي درعا لمطالب النظام دفع قواته لضرب حصار على المدينة، ومنع وصول المساعدات الإنسانية، والتضييق على أهلها، والتصعيد عسكريًا ضدها.

نددت دول غربية بهذا التصعيد، ودعت إلى وقف إطلاق نار فوري في المنطقة، لكن النظام أدان هذا التنديد واعتبره “تحريضًا ونفاقًا”، مؤكدًا أنه لن يتوقف عن مواصلة حملته “لإعادة الأمن والاستقرار إلى جميع ربوع البلاد”.

اتفاقيات نُقضت

نقض النظام الاتفاق الأول بعد الحصار الذي فرضه على المنطقة، واتهم “اللجنة المركزية” بنقضه على الرغم من نفيها ذلك.

إذ نص على نشر حواجز أمنية من “الفرقة التاسعة” التابعة لقوات النظام داخل مدينة درعا البلد، لكن عناصر من “الفرقة الرابعة” حاولوا اقتحام المدينة بالتزامن مع بدء نشر قوات النظام نقاطها الأمنية في المدينة.

وبينما كانت قوات النظام تحاول اقتحام المدينة، خرج سكان أرياف درعا الشرقية والغربية مهاجمين حواجز النظام العسكرية ومقراته الأمنية المنتشرة في المنطقة، وأدت تلك الهجمات إلى خسارة النظام أكثر من 60% من نقاطه العسكرية في المنطقة، ما دفعه لإعادة حساباته بالتفاوض.

ودعا النظام آنذاك إلى مفاوضات جديدة، في 29 من تموز الماضي، محاولًا كسب بعض الوقت لاستيعاب ما جرى في أرياف درعا، إذ أسفرت الهجمات عن أكثر من 200 أسير لقوات النظام بيد المقاتلين المحليين من أرياف المدينة، وأُطلق سراحهم باتفاقيات تبادل أسرى مع سكان المدن والقرى بريف درعا.

ومع بدء المفاوضات الجديدة، تمسكت “اللجنة الأمنية” ببنود ترحيل مقاتلين من المدينة إلى الشمال السوري، وتسليم الأسلحة الموجودة في المدينة، ونشر الحواجز الأمنية، الأمر الذي رفضه ممثلو درعا البلد، خصوصًا بعد سقوط قتلى وجرحى من سكان المدينة في التصعيد الأخير الذي شنه النظام، لتعود بعدها المعارك إلى الواجهة ومحاولات النظام لاقتحام المدينة التي باءت جميعها بالفشل مع صمود أبناء المنطقة ودفاعهم المستميت عن المدينة، بينما استمرت هجمات منفردة في مناطق متفرقة من أرياف درعا تستهدف حواجز النظام لتخفيف الضغط عن درعا البلد.

ومع فشل قوات النظام باقتحام المدينة عدة مرات على التوالي، وصل وزير الدفاع في حكومة النظام، العماد علي أيوب، في 2 من آب الحالي، إلى مبنى حزب “البعث” في حي المطار، بمنطقة درعا المحطة المحاذية لدرعا البلد المُحاصرة، للاجتماع مع “اللجنة الأمنية” الممثلة للنظام السوري في مفاوضات بدرعا، ليتبين لاحقًا أن مفاوضات أخرى وجديدة جارية بوساطة روسية في المدينة، إذ اجتمع وفد روسي يضم الضابط الروسي الملقب “أسد الله”، مع وزير دفاع النظام وعدد من الضباط من “اللجنة الأمنية” في حي المطار بمدينة درعا.

إلا أن هذه المفاوضات أيضًا كان مصيرها الفشل، وعادت الاشتباكات والمواجهات المسلحة ومحاولات النظام لاقتحام درعا البلد إلى الواجهة من جديد في ظل وضع إنساني مزرٍ يعاني منه سكان المنطقة من المدنيين.

وفي 3 من آب الحالي، نقلت وكالة “نبأ” المحلية، عن مصدر مطّلع، معلومات عن سريان تهدئة جديدة في درعا لمدة 24 ساعة مع إحياء مسار المفاوضات بين لجنة التفاوض وضباط النظام وروسيا حول المدينة المحاصرة.

وأضاف المصدر الذي لم تسمّه الوكالة، أن لجنة التفاوض قدّمت مقترحًا جديدًا ينص على نشر قوات عسكرية تابعة للنظام (فرع الأمن العسكري والفرقة 15) إلى جانب عناصر من “الفيلق الخامس” ضمن مواقع عدة في درعا البلد والأحياء الأخرى، دون معلومات عن أي نتائج.

لكن المدينة شهدت قصفًا مستمرًا ومحاولات اقتحام لأحيائها من عدة محاور من قبل مقاتلين يتبعون لـ“الفرقة الرابعة”، المدعومة إيرانيًا، بالتزامن مع فشل آخر محاولات التهدئة خلال المفاوضات الأخيرة.

وعلى الرغم من إعلان القيادي السابق في “الجيش السوري الحر” محمد المسالمة، الملقب بـ”الهفو”، خروجه من منطقة درعا البلد، مع مؤيد حرفوش، تلبية لمطلب النظام بترحيل مقاتلين في صفوف قوات المعارضة مقابل وقف الحملة العسكرية على المنطقة، استمرت حملة النظام على المنطقة.

وكان “مكتب توثيق الشهداء” في درعا، قال إن النظام قصف مدنًا وقرى في المحافظة بصواريخ “أرض- أرض” شديدة التدمير لعدة مرات خلال يوم واحد، ما أدى إلى مقتل رجل وامرأة وثلاثة أطفال من عائلة واحدة في مدينة اليادودة غربي درعا.

بينما وثّق المكتب مقتل ثمانية مدنيين في استهدافات منفصلة من قوات النظام لمناطق متفرقة من درعا، بينهم امرأة وأربعة أطفال، بحسب المكتب المختص بإحصاء وتوثيق أعداد القتلى في محافظة درعا.

وبلغت حصيلة القتلى بين المدنيين خلال اليومين الأولين للمواجهات العسكرية 12 قتيلًا، بحسب أحدث إحصائية لـ“مكتب توثيق الشهداء” في مدينة درعا، التي أصدرها المكتب في 30 من تموز الماضي.

إلى أي مدى يُحكم النظام سيطرته على مناطق “التسوية”

شهدت المدن والقرى التي شملها اتفاق “التسوية” في مدينتي حمص وحلب استنفارًا أمنيًّا بالتزامن مع التصعيد الأخير لقوات النظام في محافظة درعا، خوفًا من أي حركات تضامن محتملة لسكان هذه المناطق مع درعا البلد.

وانتشر عناصر من القوات الأمنية وقوات حفظ النظام في أحياء مدينة حلب، وخاصة الشرقية منها فجر 30 من تموز الماضي، حيث تمركز عدد كبير من عناصر النظام بالقرب من الجوامع، تخوفًا من خروج مظاهرات لنصرة درعا، وللتنديد بالوضع الأمني والمعيشي المتردي.

وفرضت قوات النظام على خُطباء الجوامع في حلب، وصف الأحداث الجارية في مدينة درعا على أنها “مؤامرة جديدة بعد الاستحقاق الرئاسي”، وأن “أعداء سوريا يريدون عودة القتل والدمار بعد الاستقرار”، بحسب ما علمه مراسل عنب بلدي من أحد خطباء المساجد في منطقة هنانو بحلب.

الأمر الذي تكرر في محافظة حمص، إذ كلفت قوات النظام عناصرها الأمنيين بتكثيف الدوريات الليلية في الريف الشمالي من المدينة، الذي شمله اتفاق “التسوية” الروسي، خوفًا من أي نشاط مناوئ للنظام السوري أو متضامن مع درعا البلد.

وفي حديث إلى عنب بلدي، قال الباحث والمحلل السياسي نصر اليوسف، إن خوف النظام من التعامل مع مناطق “التسويات” ظهر جليًّا من خلال التعامل مع هذه المدن والقرى في أثناء الانتخابات الرئاسية في أيار الماضي.

وأضاف أن التشديد الأمني الذي اتبعه النظام في هذه المناطق خلال فترة التصعيد العسكري في درعا، يعكس قناعة النظام بأنه في حال تمكنت درعا من الخروج بالمطلق عن سيطرته، فإن الدور سيكون على مدن ثانية لا محالة، والتي ستتحرر ولو جزئيًّا من قبضته الأمنية.

نازحون سوريون من مدينة درعا هربًا من النزاع في المحافظة- 27 من تموز 2018 (AFP\ محمد أبازيد)

روسيا “ضامن” أم “متحكم”

ما مستقبل الجنوب السوري بعد التصعيد الأخير

أتت المطالبات الأولية لأهالي درعا بتسليم أسلحتهم من الجنرال الروسي “أسد الله”، بُعيد رفضهم المشاركة في الانتخابات الرئاسية، لتغيب موسكو وقواتها العسكرية وطائراتها الحربية لاحقًا عن صورة المجريات بعد تطورها وتحولها إلى صدام عسكري.

لكن الدور الروسي ظهر إلى الواجهة مرة أخرى بعد أنباء عن اجتماع وفد روسي يضم الجنرال “أسد الله” مع وزير الدفاع في حكومة النظام، العماد علي أيوب، برفقة ضباط من “اللجنة الأمنية” في حي المطار بمدينة درعا، لبحث عملية وقف إطلاق النار في درعا البلد، بالتزامن مع دخول قوة عسكرية روسية إلى الحي الذي شهد الاجتماع.

وعلى اعتبار أنها كانت طرفًا ضامنًا لـ“التسوية” بين النظام وأهالي درعا عام 2018، دعا أهالي المدينة روسيا إلى احترام التزاماتها المتعلقة بمهمتها هذه، إلى جانب مطالباتهم ممثلي المعارضة السورية بالانسحاب من المفاوضات الدولية مع الأطراف الفاعلة في القضية السورية حتى وقف الحصار المفروض على المنطقة منذ ما يقارب شهرين.

واعتبر بيان صادر عن الأهالي، في 4 من آب الحالي، أن النظام يحاول إنهاء هذه “التسوية”، ما يعني ضربة لجهود روسيا كطرف ضامن لـ”التسويات” في سوريا.

ويطرح تفاعل موسكو مع مجريات الأحداث في درعا والدور الذي تلعبه في المفاوضات الجارية تساؤلات حول ما إذا كان هذا الدور يقتصر على كونها “طرفًا ضامنًا” أم “متحكمًا” في الأحداث جنوبي سوريا.

ويرى الباحث والمحلل السياسي نصر اليوسف، أن روسيا طرف ضامن للاتفاقيات ومتحكم أساسي ورئيس بمجريات الأحداث في نفس الوقت.

وقال إن روسيا قادرة على فعل أي شيء تريده في سوريا، وليس ذلك من منطلق القوة، لأن قوتها لا تقارن بقوة إيران أو قوة النظام، والنظام صمد واستعاد هذه المكاسب اعتبارًا من نهاية 2015 وحتى الآن فقط بفضل روسيا.

ولكن روسيا تدعي أنها لا تستطيع، لأن هذا الادعاء مناسب لها في المجتمع الدولي، عندما تُطلب منها أمور معيّنة لا تريدها، تقول إنها لا تستطيع فرضها على الأسد أو التدخل بالشؤون الداخلية في سوريا.

وتساءل الباحث، هل يمكن لدولة تدخلت بتشكيل وحدات جديدة في جيش دولة أخرى ألا تتدخل بالشؤون الداخلية لتلك الدولة.

وامتناع روسيا عن التدخل في سوريا “كذب”، بحسب الباحث، إذ إنها تصر على التظاهر بالديمقراطية بعدم التدخل بشؤون النظام الداخلية.

ولا تعمل روسيا على تأديب النظام وإيران من خلال التصعيد في الجنوب السوري، بحسب ما قاله المحلل السياسي وائل علوان لعنب بلدي، كما لم يكن لديها تصور عن حجم الاستنزاف الكبير الذي سيحدث بـ“الفرقة الرابعة”.

ويرى الباحث أن روسيا مهتمة بتأديب المنطقة الجنوبية بالضغط عليها، والتهديد العسكري من قبل إيران والميليشيات التابعة لها و”الفرقة الرابعة”.

والضغط على “اللواء الثامن” كان أحد المكتسبات التي استفادت منها روسيا، وبشكل عام جرت الأمور بحسب المصالح الروسية، وفقًا للباحث، حتى إن الاستنزاف الكبير بـ“الفرقة الرابعة” جرى لمصلحة روسيا، دون أن يكون لها دور فيه.

وكانت روسيا تدفع بالتصعيد العسكري في المنطقة من أجل حصول هذه الصدمة وهذه الخسائر في قوات النظام.

وتحدث المحلل عن السيناريوهات المقبلة المتوقعة في درعا، واحتمالية الاتجاه نحو التصعيد العسكري أو التهدئة.

ويرى علوان أن الوضع في درعا البلد يتجه نحو التهدئة، وإقامة “تسوية” جديدة يلعب خلالها “اللواء الثامن” دورًا كبيرًا، وهو مرشح أكثر من أي وقت مضى للقيام بذلك.

وأشار إلى أن كل ما يحصل في درعا مرتبط بالاستياء العام لدى محافظات الجنوب (درعا والسويداء والقنيطرة) من الوجود الإيراني ووجود “حزب الله” جنوبي سوريا، إذ إن وجود هذه القوى يشكل مصدر قلق وتأهب لأبناء هذه المحافظات، وحتى على المستوى الإقليمي والدولي.

وأكد وجود استياء روسي من الفوضى التي تزامنت مع انتخابات الرئاسة في سوريا، بالإضافة إلى امتناع “اللواء الثامن” عن الخروج للقتال في البادية السورية.

وتحدثت وسائل إعلام عربية، في نيسان الماضي، عن رفض “اللواء الثامن” التابع لـ”الفيلق الخامس” المدعوم من روسيا، الالتحاق بمعارك البادية السورية لقتال خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية”، حيث تواجه قوات النظام والميليشيات الرديفة فشل التقدم في المنطقة، وفق ما نشرته مواقع روسية في حزيران الماضي.

وقال علوان، إن روسيا تسعى لإعادة رسم “التسوية” من جديد مع درعا، ولكن بشروطها هي لا بشروط “اللواء الثامن”، وهذا يتطلب بعض المخاطر الموجودة حاليًا في درعا، ويحاول الروس استثمارها لمصالحهم.

وخلال التصعيد العسكري الذي شنه النظام على درعا البلد وحصارها، لم يبدِ الروس موقفًا واضحًا مما يجري هناك، في الوقت الذي اعترفت فيه وسائل الإعلام الروسية بخسارة النظام بعض حواجزه العسكرية على يد أبناء درعا.

كما تضغط روسيا في الوقت نفسه في سبيل عدم توسع دائرة الاشتباكات بشكل يفوق إمكانية السيطرة ويؤدي إلى مخاطر أمنية عالية ضمن مناطق سيطرة النظام.

وحول مصير المنطقة وإمكانية التوجه نحو الحكم الذاتي، وتحول جنوبي سوريا إلى ما يشبه الوضع في شمال شرقي سوريا، لفت علوان إلى أن الحكم الذاتي مطلب تدعمه الجهات الإقليمية والدولية، وجرى الحديث عنه صراحة بين وجهاء السويداء ودرعا في وقت سابق، لكن النظام يخشى من طرح الموضوع بشكل رسمي، كما يخشى أيضًا من موافقة روسيا على ذلك.

ويعلل علوان احتمالية الموافقة الروسية على طرح الحكم الذاتي باعتبار أن الروس يحتاجون إلى مسارات تفاوضية في سيبل إيجاد خرق للقطيعة السياسية والحصار المفروض من قبل حلفاء الولايات المتحدة على النظام السوري، بمعنى أن روسيا مستعدة لتقبل الحكم الذاتي مقابل مكاسب سياسية تحتاج إليها من حلفاء الولايات المتحدة.

تفاوض الجيش الروسي على وقف إطلاق النار مع قادة فصائل المعارضة في درعا جنوبي سوريا- 14 من تموز 2018 (AFP)

“اللواء الثامن” فصيل مُعارض للنظام ومدعوم من روسيا

شُكّل “اللواء الثامن” من فصيل “شباب السنة” بقيادة أحمد العودة، وهو فصيل عمل على إدارة الأمور الخدمية والعسكرية لمدينة بصرى في أثناء سيطرة الفصيل المعارض على المنطقة بين عامي 2013 و2018.

ورفض العودة وجود مقرات لـ”حركة المثنى الإسلامية” و”جبهة النصرة” بعد مشاركتها في معارك تحرير مدينة بصرى في عام 2015، واستفرد الفصيل بإدارة شؤون المدينة دون منافس، الأمر الذي أعطاه قوة وقدرة على الإدارة المطلقة.

وأصبح فصيل العودة على قائمة الدعم المقدم من الغرفة العسكرية الخارجية (موك) التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، ومقرها الأردن.

وفي عام 2016، حدث انقلاب داخل فصيل العودة، وتمت السيطرة حينها على مستودعات الذخيرة والسلاح الثقيل التابعين للعودة، وهرب على إثرها العودة إلى خارج بصرى، ولكن بدعم من فصائل “الجبهة الجنوبية” استطاع اقتحام بصرى وإعادة سيطرته على المدينة مجددًا.

وفي عام 2017، حدثت اشتباكات بينه وبين فصيل “اليرموك”، الذي كان يعتبر الفصيل المنافس لـ”شباب السنة” في المنطقة الشرقية، إذ سقط خلالها قتلى من الطرفين وانتهت بصلح بينهما.

وفي تموز 2018، سلّم أحمد العودة السلاح الثقيل بموجب اتفاق “التسوية” مع روسيا، بينما احتفظ بسلاحه المتوسط والخفيف وهيكلية عناصره، ليتحول من فصيل “شباب السنة” إلى ما صار يعرف الآن بـ”اللواء الثامن” التابع لـ”الفيلق الخامس” المدعوم روسيًا.

توزع القوى العسكرية المتصارعة في درعا

مقالات متعلقة

تحقيقات

المزيد من تحقيقات