الحسكة – مجد السالم
لم يكن حسين العلي، البالغ من العمر 39 عامًا، مع فكرة الهجرة إلى أوروبا قبل هذه الفترة، وكان من أشد المعارضين للجوء أخيه الأصغر مؤخرًا إلى النمسا بعد رحلة استمرت شهرًا، كلّفتهم حوالي 12 ألف دولار، وليالي من القلق على سلامته حتى وصل إلى وجهته واستقر.
يراجع حسين نفسه، وهو من سكان القامشلي شمال شرقي سوريا، ويتراجع عن موقفه القديم برفض فكرة “الهروب إلى الخارج (خارج سوريا)”، وفق ما قاله لعنب بلدي، كون “الوضع من سيئ إلى أسوأ، والوضع الاقتصادي متردٍّ والخدمات دون المستوى”.
ورصدت عنب بلدي مجموعة من الحالات لسوريين دخلوا إلى تركيا من محافظة الحسكة، ويحاولون التوجه إلى دول الاتحاد الأوروبي عبر طرق مختلفة، أملًا في تأمين “مستقبل أفضل”.
ارتفاع حالات محاولة الهروب
هناك ارتفاع “غير مسبوق” خلال الشهرين الماضيين في حالات التهريب عبر الحدود السورية- التركية، وفق ما قاله أحد المحامين العاملين في محاكم “الإدارة الذاتية” في حديث إلى عنب بلدي.
المحامي، الذي تحفظ على نشر اسمه لأسباب أمنية، استند في كلامه عن ارتفاع نسبة الشباب الذين يحاولون الهروب إلى تركيا إلى ارتفاع عدد المعتقلين بتهمة “محاولة الخروج من البلاد بطرق غير رسمية” من قبل “النيابة العامة في الإدارة الذاتية”.
وأضاف المحامي أنه خلال آب الحالي، اعتقل حوالي 100 شخص على طول الحدود السورية- التركية من بلدة الدرباسية غربًا وحتى المالكية شرقًا، علمًا أن الحدود الممتدة من مدينة القامشلي وحتى المالكية لم تكن من المناطق التي يعبر منها المهربون باتجاه تركيا سابقًا، لكن الوضع تغير حاليًا وصار المهربون يسلكون طرقًا جديدة.
وأوضح المحامي أن العقوبة الحالية لمن يحاول الخروج من سوريا بطرق غير رسمية هي غرامة بمبلغ 30 ألف ليرة سورية (حوالي 12 دولارًا)، بعد أن كانت سابقًا غرامة مالية مع حبس لمدة شهر على الأقل، لكن عقوبة الحبس أُلغيت نتيجة كثرة الموقوفين في هذا النوع القضايا، وبسبب ضيق أماكن الاحتجاز.
تكاليف ومخاطر مرتفعة
في اتصال هاتفي أجرته عنب بلدي مع أحد الذين يعملون على تهريب الأشخاص عبر الحدود السورية- التركية من مناطق الحسكة ويلقب بـ“أبو ياسر”، قال إن ما يتقاضاه المهربون من الراغبين في اللجوء عبر التهريب، يتراوح بين عشرة آلاف و15 ألف دولار، يأخذها المهرب على دفعات.
وأوضح المهرب أن اللاجئ يدفع عند وصوله إلى تركيا 1000 دولار، ثم يدفع 1500 دولار بعد عبوره إلى اليونان، وهكذا يتم تقسيط بقية المبلغ إلى أن يصل اللاجئ إلى وجهته. وأضاف “أبو ياسر”، كلما قلّت أخطار طرق التهريب كلما زادت التكلفة على المهاجر، فالطرق البحرية مثلًا أرخص لأنها أكثر خطورة من البرية.
وذكر المهرب أن أغلب الراغبين بالهجرة هم من الشباب، تتراوح أعمارهم بين 18 عامًا و25 عامًا، ويفضلون الدخول إلى تركيا عبر قرى الحسكة الحدودية على أن يذهبوا بعيدًا إلى حلب أو إدلب، وذلك بعد توقيف الكثير منهم هناك، والخطورة الكبيرة على حياتهم.
وليس جميع من يريد الهجرة هم من الذين لا يملكون فرص عمل أو من العوائل الفقيرة، “هناك عوائل ميسورة الحال تريد إخراج أبنائها من سوريا، حيث يبدو المستقبل لهم هنا مجهولًا وقاتمًا”، وفق تعبير المهرب “أبو ياسر”.
بيع الممتلكات بداعي الهجرة
رصدت عنب بلدي عدة طرق يتبعها أهالي الحسكة لتأمين تكاليف هجرة أبنائهم المرتفعة، فبعضهم يلجؤون إلى الاستدانة من سكان ميسورين أو من مهاجرين مستقرين في بلدان أوروبية، لكن بعضهم الآخر يبيعون عقارات وأراضي زراعية يملكونها، مثل مالك الحجي (25 عامًا) الذي قال لعنب بلدي، إن والده باع قسمًا من أرضهم في بلدة القحطانية بمبلغ 25 ألف دولار، لتأمين مصاريف هجرته هو وأخيه، موضحًا أن أباه “غير نادم” على بيع الأرض مقابل تأمين حياة أفضل لأولاده بعيدًا عن التجنيد الإجباري الذي تفرضه “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المسيطرة على المنطقة، وبعيدًا عن الوضع المعيشي المتردي، حيث لا يوجد أي فرص للعمل أو أمل في تحسن الأمور.
وبحسب ما قاله أصحاب بعض المكاتب العقارية في مدينة الحسكة والقامشلي لعنب بلدي، فإن هناك زيادة في عروض البيع على المنازل حوالي 30% عما كانت عليه في العام 2020.
وبحسب قولهم، فإن الدافع وراء عمليات بيع العقارات هو تأمين تكاليف الهجرة إلى خارج سوريا عن طريق التهريب، وذلك أثّر فعليًا على أسعار العقارات التي انخفضت قليلًا نتيجة زيادة العرض.
انعدام الأمن الغذائي، تردي الوضع الاقتصادي، غياب فرص العمل، والخوف من التجنيد الإجباري، كل هذه الأسباب جعلت قسمًا من الشبان في محافظة الحسكة يرون في عبور الحدود السورية- التركية باتجاه أوروبا خيارًا مفضلًا رغم خطورته الأمنية وتكاليفه العالية، آملين بواقع أفضل، وهاربين من مستقبل “مجهول”.