دون ضبط أمني.. تهريب البضائع ينشط على ضفتي “الفرات”
عنب بلدي- ريف دير الزور
في بلدة الشحيل بريف دير الزور الشرقي، لا يستثني المهربون شيئًا من البضائع والمواد الغذائية والمشتقات النفطية دون أن يدخلوه في عملية التهريب إلى مناطق سيطرة النظام السوري على الضفة المقابلة، حيث يحتاج سكانها إلى أغلب المواد الأساسية. هكذا قال عطوان محمد، البالغ من العمر 30 عامًا، وهو يصف لعنب بلدي حالات تهريب البضائع بين ضفتي نهر “الفرات”.
تدريجيًا وبعد إعلان “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) السيطرة على الريف الشرقي لمدينة دير الزور بداية عام 2019، تحولت بلدة الشحيل إلى نقطة تهريب للبضائع والمشتقات النفطية، وفق ما قاله عطوان محمد، الذي يعمل سائقًا لنقل الركاب في المنطقة.
وأضاف عطوان أن البلدة اكتسبت تسمية “ميناء الشحيل” كناية عن تحولها إلى نقطة عبور وتهريب البضائع، وصارت عمليات تهريب البضائع بين ضفتي النهر مصدر رزق أساسيًا لسكان بلدة الشحيل، الذين تتلاصق منازلهم بشكل مباشر مع ضفة نهر “الفرات” الشرقية.
سهولة في التهريب
وجود المنازل على الضفة الشرقية للنهر ومساحتها الكبيرة سمح لأصحابها بتحويلها إلى نقاط تسلّم وتسليم للمواد المهربة من وإلى مناطق سيطرة “قسد”.
وتقع بلدة الشحيل في ريف دير الزور الشرقي عند التقاء نهر “الفرات” برافده “الخابور”، وتتبع إداريًا لمدينة البصيرة، ويتجاوز تعداد سكانها عشرة آلاف نسمة.
وتتقاسم “قسد”، المدعومة من قبل “التحالف الدولي” لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، السيطرة على محافظة دير الزور مع قوات النظام السوري، المدعومة بالميليشيات الإيرانية، ويعد نهر “الفرات” الخط الفاصل بين منطقتي النفوذ لهذه القوى.
وتسيطر “قسد” على الريف الشرقي للمدينة، بينما تسيطر قوات النظام السوري على المناطق الواقعة غرب “الفرات”.
والمهربون هم من سكان المنطقة ذاتها، وفق ما قاله زيد النجرس، البالغ من العمر 40 عامًا، لعنب بلدي، وغالبًا ما يكون الاتفاق بين أولاد العمومة بين ضفتي النهر.
وأشار زيد، وهو من سكان ريف دير الزور الشرقي، إلى أن أغلبية المواد التي تهرب من مناطق سيطرة “قسد” هي النفط، بينما يتم جلب بعض المواد الغذائية من مناطق سيطرة النظام وبعض الصناعات المحلية مثل الأثاث، والأدوات المنزلية، وقضبان حديد البناء والأسمنت.
وبحسب شهادات لسكان محليين استطلعت عنب بلدي آراءهم، فإن المهربين استطاعوا في كثير من الأحيان مدّ أنابيب تصل بين ضفتي النهر لضخ المشتقات النفطية من مناطق سيطرة “قسد” إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام.
يد “قسد” في التهريب رغم حملات المداهمة
يدير “مجلس دير الزور العسكري” أجزاء من المحافظة، وهو هيكلية تنظيمية عسكرية تتبع بشكل مباشر لـ”قسد”، وأُسّس بعد سيطرة قواتها على المنطقة عقب معارك ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” عام 2018.
تنظم “قسد” حملات مداهمة بشكل متكرر من حين لآخر، بموجب تعليمات من القيادة العامة لـ”قسد”، ويشارك فيها مقاتلون من خارج مناطق دير الزور.
وينشر المركز الإعلامي التابع لـ“مجلس دير الزور العسكري” عبر معرفاته في مواقع التواصل مشاهد لتفجير عبّارات النفط واعتقال أشخاص يعملون في مجال التهريب.
رغم تصدير “المجلس” لمثل هذه العمليات التي تهدف إلى الحد من عمليات التهريب في بلدة الشحيل، فإن ذلك لم يمنع من وجود “شراكات شبه علنية بين المهربين وقيادات محلية من مجلس دير الزور العسكري”، وفق ما قاله أحد عناصر “قسد” من أبناء دير الزور لعنب بلدي.
وأضاف المقاتل، الذي يعمل في أحد المراكز العسكرية ضمن ناحية البصيرة بدير الزور، أن هناك “فائدة مالية عالية يجنيها قادة القوات العسكرية من عوائد التهريب”.
وتعتبر المشتقات النفطية أبرز المواد المصدّرة من مناطق سيطرة “قسد” إلى المناطق الواقعة ضمن سيطرة قوات النظام، التي تعاني من شح في المحروقات مع ارتفاع ثمنها.
في 2020، أظهرت صور أقمار صناعية ملتقَطة بريف دير الزور الشرقي، عددًا كبيرًا من الشاحنات المحملة بالنفط التي يدخلها مهربون من المعابر النهرية.
وأوضحت الصور وقوف حوالي 60 شاحنة كبيرة عند معبر “بقرص”، الخاضع لسيطرة النظام، والذي يقابله في الطرف الآخر معبر الشحيل.
ولم تفلح “قسد” حتى الآن في إيجاد ضبط أمني لوقف عمليات التهريب بين طرفي النهر، رغم إعلانها السيطرة العسكرية على دير الزور بعد معركة “الباغوز” في آذار عام 2019، التي كانت آخر معاقل تنظيم “الدولة الإسلامية” في دير الزور.
معبر “الشحيل- بقرص” ليس الوحيد
ليس معبر “الشحيل- بقرص” هو الوحيد لتهريب البضائع والمشتقات النفطية، بل ترتبط مناطق سيطرة “قسد” في دير الزور بحوالي عشرة معابر نهرية مع مناطق قوات النظام، وتعتبر هذه المعابر بمثابة الأوردة التي ينعش منها النظام أسواقه في المحافظة، وخاصة تلك المتعلقة بالمحروقات.
وبدأ العمل بجميع هذه المعابر منذ سيطرة “قسد” والنظام على محافظة دير الزور.
وتختلف أهمية ووظيفة هذه المعابر، فبعضها متخصص بنقل المدنيين بين ضفتي النهر، بزوارق صغيرة، يحمل كل واحد منها بضعة أشخاص، وبعضها يضم عبّارات كبيرة تحمل سيارات على ظهرها، وهذه تستخدم في نقل البضائع والمحروقات بين الضفتين.
وعلى الرغم من اتهامات بضلوع “قسد” كجهة مسيطرة على مناطق دير الزور الشرقية، فإن هناك جهات أخرى يرتبط اسمها بعمليات التهريب بين ضفتي نهر “الفرات”، أبرزها شركة “القاطرجي” التي تزوّد النظام بالنفط الخام.
وبرز اسم عائلة القاطرجي خلال النزاع المسلح في سوريا كوسيط بين تنظيم “الدولة الإسلامية” (في أثناء سيطرته على الآبار) و”قسد” من جهة، والنظام السوري من جهة أخرى لنقل المحروقات من المنطقة الشرقية، وفق تقرير نشرته “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”.
وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على شركة “القاطرجي” النفطية في سوريا، خلال أيلول عام 2018، بسبب تسهيلها نقل شحنات نفطية بين “الدولة الإسلامية” والنظام، بالإضافة إلى تزويد النظام بالفيول وشحنات أسلحة وتقديم الدعم المالي.
ومع خسارة النظام معظم مصادره النفطية في سوريا، تشكّل المنطقة الشرقية لسوريا أملًا كبيرًا له من أجل سد الحاجات النفطية عبر استئناف التوريد.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :