إبراهيم العلوش
لا يزال أهالي درعا يردّون على الهجوم الإيراني- الأسدي، مفشلين خطة التنكيل بأهالي درعا البلد و”تعفيشها” خلال الأسبوع الماضي، رغم أن الرئيس الإيراني الجديد بحاجة إلى انتصار يقدّمه، ولو كان انتصارًا على المدنيين في مدينة سورية.
وصل وزير الدفاع، علي أيوب، في 2 من آب الحالي، إلى درعا متهجمًا على اللجان الأهلية المفاوضة قائلًا “إما الاستسلام وإما الحرب!”، وهذا الوزير المستأسد هو نفسه الذي جلس مقرفصًا على كرسي صغير أمام الوفد الروسي الذي تداولت وسائل التواصل الاجتماعي صوره مطلع عام 2020.
أما رئيس “اللجنة الأمنية”، اللواء حسام لوقا، وهو أحد رجالات إيران المخلصين، فقال إنه سيجعل من أهالي درعا البلد عبرة لكل سكان محافظة درعا، ولكن قواته سرعان ما انسحبت من بعض حواجزها متراجعة أمام ضغط الأهالي.
لا يزال أهالي درعا لا يريدون الحرب، ولكنهم يريدون التزام النظام بالاتفاق الذي أُبرم مع الروس في العام 2018، ويريدون منه الكف عن التبجح بالانتصارات الأمنية، والكف عن الزج بالقوات الإيرانية في مدنهم وقراهم، خاصة أن “الحرس الثوري” يرغب بانتصار ما، يدشّن فيه الرئيس الجديد ولايته، وهو من الجناح المتطرف في القيادة الإيرانية، ومن مناصري “الحرس الثوري” السيئ السمعة.
ولكن إيران بدأت ولاية الرئيس الجديد، في 5 من آب الحالي، مصحوبة بعدد من المشاغبات الإرهابية في الخليج، وذلك باعتدائها على أربع سفن تجارية، ومحاولة اختطاف واحدة، وضرب أخرى بالطائرات المسيّرة، وقتل اثنين من بحارتها، وأطلقت عدة صواريخ من جنوبي لبنان بالإضافة إلى تحريضها ماهر الأسد، الذي يقود “الفرقة الرابعة” على اجتياح درعا البلد وتحويلها إلى لقمة سائغة للقتل و”التعفيش”.
يلعب حكام إيران بمصير شعبهم، وبمصير المنطقة، وبمصير أهالي درعا، حيث أرسلوا القوات من شرقي سوريا لإعادة احتلال درعا وجعلها مرتكزًا لنفوذهم بحجة “ممانعة الاحتلال الإسرائيلي والقوى الغربية “، ولكن في الحقيقة هم يريدون جعل درعا مركزًا لهم (مثل جنوبي لبنان) ومصدرًا لإرهاب الدول المجاورة، ومعبرًا لـ”الكبتاجون” والمخدرات التي تموّل عملياتها.
حتى الآن فشلت إيران في تأسيس حزب تنتدبه لاستمرار احتلالها لسوريا مستقبلًا، مثلما فعلت بـ”حزب الله” في لبنان، ولم تجد غير “الفرقة الرابعة”، كجيش انكشاري، مندوبًا لها يعبر عن أخلاق حكامها الذين أذاقوا الشعب السوري ويلات الدمار والتهجير والتشليح بشكل سافر ويثير فخر دولة الملالي.
الروس أعادوا فتح جبهة قديمة في الشمال السوري بعد صمت طويل، وصاروا يتسلّون بقصف المدنيين هناك وترحيلهم من مخيم إلى آخر، من أجل تبرير تقاعسهم عن تنفيذ تعهداتهم بدرعا في العام 2018، خاصة أن الضابط الروسي “أسد الله” هدد أهالي درعا بعد رفضهم إعادة انتخاب الأسد، وقبل أن ينتحل صفة ملاك السلام والمفاوض الوسيط، وهو يعلم أن تهديداته وتهديدات النظام قد لا تكون قابلة للتنفيذ بعد الاهتمام العالمي الواسع بأهالي درعا، وبعد هبّتهم بوجه قوات الأسد والقوات الإيرانية بشكل جماعي وحازم لم يكن متوقعًا من قبل النظام.
ولكن ماذا تريد إيران وهي لا تزال مستمرة في عدوانها على السوريين، وتشارك النظام اليوم في درعا من أجل إعادة المذابح و”التعفيش” منذ مذابح القصير، وحي بابا عمرو الحمصي، ومذابح القصور والجورة في دير الزور، وجرائم حلب، والغوطة، وغيرها، ناسية أن الطائرات الغربية والإسرائيلية تقصف قواتها كل يوم، وأن “حرسها الثوري” يحاول يائسًا تثبيت نفوذه في وسط معادٍ له، فالسوريون جميعًا لا يرون مستقبلهم مع عقيدة “الحرس الثوري” التي تبشر بزواج القاصرات، وبتحكم رجال الدين بحياة الناس وترويجهم للأوهام والانتقامات التاريخية التي صارت تثير الشفقة.
لقد بدأت إيران بروباغندا الممانعة مع “حزب الله” الذي قدمت له ببعض الدعايات والانتصارات الشعبية، ولكنها في سوريا تريد أن يكون نظام الأسد هو رمز الممانعة، وهو المعبر عن صورتها في أثناء بحثها عن انتصار، أي انتصار، ولو كان خطًّا فوق الرمال!