“أحدنا غادر الصورة”.. الجناة يطلبون اللجوء

  • 2021/08/08
  • 10:55 ص

من الأعلان التشويقي لفيلم "أحدنا غارد الصورة" (الأخوين ملص "يوتيوب")

نبيل محمد

عندما يسأل الأخ الذي ترك سوريا منذ سنين وأقام في فرنسا، أخاه الذي للتو جاء إلى فرنسا، “ليش تركت البلد؟”، تنتظر أنت كمشاهد نوعًا من الدراما المستهلَكة، أو جملًا شعريّة ما، لغة مكرورة تتوقعها تسكن تفاصيل أغلبية الأعمال السورية الفنية التي يجرّب من خلالها القائمون عليها طرح قضيتهم في المهرجانات التي يحضرونها، وأمام الجمهور الذي لا يعرف الكثير عن القضية السورية، لكن تفاصيل فيلم “أحدنا غادر الصورة” تختلف نسبيًا، حتى عن أعمال الأخوين ملص السابقة، فيلم بطول 16 دقيقة أتاحه مخرجاه للعرض مؤخرًا.

بيت صغير وثلاث شخصيات يتنقّلون بين مطبخه وصالونه، وكاميرا لا متسعَ لها لأكثر من “كلوزات” على وجوه الممثلين ولقطات للنافذة التي يمر من أمامها “ترام واي”، مكان ضيق لا يناسب مشكلة بهذا الحجم، مشكلة يجب لأحد أطرافها أن يعبّر عنها سريعًا، ويخوض بمكاشفة تؤدي إلى أن يغادر الطرف الآخر الذي ما كان يجب أن يأتي أصلًا، وهنا يبدو أن أهم سؤال وأوضح ما يمكن أن تواجه فيه أي قاتل أو مشارك في قمع الحراك السوري واعتقال ناشطيه وتعذيب سجنائه هو “لماذا تركت سوريا؟”.

يفتح الشاب السوري الذي يسكن مع زوجته الفرنسية باب بيتهما ليفاجئا بأخيه القادم حديثًا من سوريا، والذي يبدو أن قدومه ليس محطّ راحة للأخ، بل إن مشكلة غامضة تبدو بينهما، على الأقل أمام أعين الفتاة الفرنسية التي تحاول العناية بذلك اللاجئ القادم من بلاد الحرب والقتل. مشكلة تصل ذروتها إلى عراك بالأيدي بين الأخين، عندما يرفض القادم الجديد الإجابة عن سؤال أخيه عن سبب ضربه طفلًا شارك بمظاهرة، وهنا تبدأ المكاشفة البسيطة بلغة عادية لا تحمل رمزيات كثيرة، وتختلف بتفاصيلها عن اللغة العامة للفيلم التي تطغى عليها أجواء مسرحية. مشهد العراك ذاك يفتح العمل ككل على مضمونه ورسالته الأساسية ببساطة ودون تعقيد.

هناك قتلة وجنود شاركوا بالظلم والقمع باتوا يطلبون اللجوء في دول أوروبا، تقود بعض الوشايات عنهم أو الفيديوهات أو الوثائق إلى حرمانهم من اللجوء على الأقل أو سَوقهم إلى المحاكم، لكنّ كثيرًا منهم سيعيشون كأي لاجئ آخر، أو كأي ضحية من ضحاياهم نالت اللجوء في الغرب.

يقدّم الفيلم نظرة سريعة ومباشرة على قضية غاية بالأهمية، وتنال اليوم الكثير من الأخذ والرد، قضية لم تعد تفاصلها بسيطة كهذا الفيلم، هي ليست مجرد قاتل يتم الإمساك به وتعريضه للمحاكمة في دول تحترم القانون وتطبّقه، إنما باتت معتركًا تضيع فيه التفاصيل الحقيقية، ويصبح من الصعب اتخاذ موقف تجاهها، بين متهم لم تثبت إدانته، وشهود قد لا يكونون جميعًا صادقين. لكن هذا لا يلغي حقيقة أن الضحية السورية التي تمشي في شوارع ألمانيا أو فرنسا أو غيرهما اليوم، قد تلمح قاتلها، ولن يكون سهلًا عليها أن تثبت ضلوعه فيما فعل.

يبسّط الفيلم القضية تلك إلى مفرداتها الأساسية، وهو أهم ما يميزه، حيث تتكشف القضية بشكل أوضح عندما يعرض الأخ الفيديو الذي يثبت ضلوع أخيه أمام زوجته، فتطلب الزوجة من أخ زوجها أن يغادر البيت، وأنها لا تريد أن تلمحه نهائيًا في حياتها، طلب يبدو أفضل ما يمكن أن تنتهي به هذه القصة القصيرة، يشي بمغزى أن هذا القاتل الذي يصرّ حتى اليوم على موقفه ضد الحراك المدني، ويحمّل المظاهرات مسؤولية كل ما حدث في سوريا، قد يحصل على اللجوء في فرنسا، لكنه على الأقل لن يحصل عليه في بيت أخيه، وسيجد من يشغّل الفيديو الذي يدينه على شاشة كبيرة واضحة، هي اليوم في بيت أخيه، وغدًا قد تكون في المحكمة.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي