جريدة عنب بلدي – العدد 44 – الاحد – 23 -12-2012
هكذا بدأ ناشط من مدينة السلمية حديثه عند سؤالنا عن موقفه من حرق وتدمير أماكن العبادة: «لم تكن المرة الأولى التي أشعر بهذا الإحساس فالخطاب العام لدى بعض المتطرفين سواء أكانوا مسلحين أم غير مسلحين عندما يشتمون الشيعة بقولهم الشيعي النصيري أو العلوي أو غير ذلك فإنني بالنهاية أنتمي لهذه الشجرة (شجرة الشيعة) كوني أنتمي للطائفة الإسماعيلية فهؤلاء عندما يشتمون العلوية على أساس أنهم شيعة فهم لا يميزون بينها فجميعها بالنسبة لهم مجموعة واحدة، عندها أشعر بالإقصاء والتهميش، وعند رؤيتي للمقطع الذي يصور إسلاميين يدخلون الحسينية بالتكبير والتهليل ويقومون بحرقها شعرت للحظة بالخوف بأنه سيأتي يوم ويحاربوننا، فمن معتقدهم أنهم يقومون بأحسن الأعمال إذ يوجد في منطقتي على سبيل المثال الكثير من المساجد الإسماعيلية فربما يأتي يوم ويقومون بحرقها لأنهم وحسب معتقداتهم يحاربون الكفر وينشرون الإسلام بهذا العمل ونحن بنظرهم كفار، وهم بذلك يشبهون فرق الأمن والشبيحة عندما تقوم بحرق العلم الأخضر عند مرورها أمام المجلس الإسلامي الإسماعيلي الشيعي الديني لسوريا. فهذه المجموعات خرجت لمحاربة النظام ورفع الظلم لنجد في نهاية المطاف أنها تمارس عمل قوات الأمن ولا تختلف عنه بأي شيء».
لكن أليس من الجائز أن هؤلاء لا يرفضون المعتقد وإنما يرفضون من قام بضربهم وقتلهم من الشيعة في صفوف النظام؟ يقول الناشط: «التعميم» مشكلة الجميع، لنأخذ مثالاً إذا قام أي سنيّ بضربي وقتلي فهذا لا يعني أن كل السّنّة مذنبين ويجب قتلهم ومحاربتهم فمشكلة التعميم خطأ فادح. هناك تطرف لدى كافة الأطراف سواءً أكانوا شيعة ممن يقتل السّني بحجة أخذ ثأر الحسين أو من السنة الذين يحاربون ويحرقون الحسينيات أو الأمن الذين يقومون بحرق المقدسات، فهؤلاء مجموعة مجرمين سواء كانوا من النظام أم من غيره ولا دين لهم ولا ذمة حتى لو كانوا ينتسبون إلى طائفة ما، فهم لا يهتمون لدينهم أو معتقداتهم، وهدفهم الأساسي خلق الطائفية وبثّ الفرقة والإهانة لجميع المقدسات والمعتقدات»، ثم يختم الناشط حديثه: «الطائفة التي تستخدم العنف ضد أي طائفة بوجه غير مشروع هي متطرفة وطائفية لأبعد الحدود، فكل غلو في المعتقد مهما كان معتقده فهو تطرف وهؤلاء يستغلون الحروب ليبرزوا بوجههم الأوضح فيشهروا سلاحهم ليسمع ويأخذ برأيهم».
ومن هنا ندرك أن هذه الأخطاء المنهجية في الموقف ضد المعتقدات الدينية المتعددة يقع فيها المتشددون قديمًا وحديثًا، من تصورهم أن الشدة وسوء المعاملة ستضطر هؤلاء لترك دينهم أو معتقدهم، وهو مدخل لا أخلاقي ولا ديني تترفع عنه كافة الأديان.
وفي وصية أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- لجيش أسامه نجده يقول له: «يا أيها الناس قفوا أوصيكم بعشر فأحفظوها عني: لا تخونوا، ولا تَغُلُّوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً أو شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نحلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له»
ولعل التاريخ سيبقى يذكر العهدة العمرية حين كتب الخليفة عمر بن الخطاب لأهل إيلياء (القدس) عندما فتحها المسلمون عام 638هـ كتابًا أمنهم فيه على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسقمها وبريئها وسائر ملتها.. أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينقص منها ولا من حيِّزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يضارّ أحد منهم، ولا يسكن معهم أحد من اليهود. وقد اعتبرت العهدة العمرية واحدة من أهم الوثائق في تاريخ فلسطين. وهذا تذكير لكل متشدد يرى هذا كلامًا منمقًا وأن كل كلمة تخالف رأيه مؤامرة على الإسلام ويرفض أي كلام لا يتوافق مع ما يريده ويصر على الهمجية من حيث لا يشعر مستندًا إلى أسانيد هشة يتخذها أقنعة يخفي بها أهدافه في الحرب ويلبس ثوب الطاغية دون أن يدرك خطر ذلك على بناء الأمة وإعادة إعمارها لعلّ الذكرى تنفع المؤمنين.