عنب بلدي – أمل رنتيسي
ازداد سعي “الإدارة الذاتية” في الأسابيع الأخيرة للحصول على اعتراف بها كسلطة لمنطقة شمال شرقي سوريا، وذلك من خلال تكثيف الاتصالات الدولية للبحث عن حلفاء، وزيارات دولية وحملات على مواقع التواصل الاجتماعي ودعوات شعبية محلية.
وتوجه وفد من ممثلي “الإدارة الذاتية”، في 19 من تموز الماضي، بناء على دعوة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى قصر “الإليزيه” في باريس، لتصدر الرئاسة الفرنسية بيانًا بعد الاجتماع تؤكد فيه “ضرورة مواصلة العمل من أجل إرساء استقرار سياسي في شمال شرقي سوريا وحوكمة شاملة”، حسبما نقلت وكالة “فرانس برس“.
وصرّحت المسؤولة في “الإدارة”، بيريفان خالد، التي شاركت في الاجتماع للوكالة، أن النقاش ركّز بشكل خاص على “دعم فرنسا لاعتراف المجتمع الدولي بالإدارة الذاتية الكردية”.
وسبق هذه الزيارة إطلاق ناشطين كرد على مواقع التواصل الاجتماعي، في 18 من تموز الماضي، حملة دعوا فيها إلى الاعتراف الدولي بـ”الإدارة الذاتية”، بدأها قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، عبر نشر وسم (هاشتاغ) “#Status4NorthAndEastSyria“، بحسب ما نشرته وكالة أنباء “هاوار“، المقربة من “الإدارة”.
الحملة الإلكترونية أُطلقت في الأساس من قبل “مجلس الإعلام الافتراضي في كردستان”، الذي أُسّس حديثًا، ويتألف من ناشطين وحقوقيين وصحفيين كرد، ويسلّط الضوء على قضايا تخص الكرد.
الخلافات الكردية- الكردية تضعف التمثيل الدبلوماسي
الباحث المختص بشؤون شرق الفرات في سوريا بدر ملا رشيد، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن الدول الغربية تحاول إبقاء علاقاتها مع “الإدارة الذاتية” ضمن الأُطر الأمنية والعسكرية.
أما الطرف الفرنسي فيرغب بإضفاء نوع من “العلاقة السياسية” مع “الإدارة”، لكنها أيضًا ضمن الحدود المسموح بها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وسياستها في الملف السوري، حسب الباحث.
وأضاف أن الزيارة الأخيرة كان من الممكن أن تتحول إلى خطوة متقدمة من الاعتراف بسلطة “الإدارة” المحلية عبر دعوة “المجلس الوطني الكردي” أيضًا وشخصيات عربية من المنطقة من التشكيلات السياسية النشطة فيها.
وأوضح ملا رشيد أن الجانب الفرنسي حصر تمثيل المجلس ضمن الوفد بشخص واحد، لمصلحة أكثر من ثلاثة أشخاص من طرف أحزاب “الإدارة الذاتية” بالإضافة إلى شخص أو اثنين من الممثلين العرب والمسيحيين، وهو ما لم يوافق عليه “المجلس الوطني الكردي”، واعتذر عن عدم تلبية دعوة قصر “الإليزيه”.
وتتنافس الأحزاب الكردية في سوريا، إذ توجد خلافات بين “المجلس الوطني الكردي”، المقرب من أنقرة وكردستان العراق، والمنضوي في هيئات المعارضة السورية، وبين حزب “الاتحاد الديمقراطي”، وهو نواة “الإدارة الذاتية”، والمدعوم أمريكيًا.
وكانت فرنسا أرسلت وفدًا لزيارة مناطق شمال شرقي سوريا، في 25 من أيار الماضي، بحث ملفات متعلقة بالعملية السياسية، والوضع الاقتصادي، ومصير عائلات تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وأطلقت فرنسا سابقًا جهودًا لمحاولة تحسين العلاقة بين “المجلس الوطني الكردي” و”الاتحاد الديمقراطي”، إضافة إلى جهود من الولايات المتحدة لاستئناف الحوار الكردي- الكردي التي تنتظر المبعوث الأمريكي الموجود حاليًا في واشنطن.
وجُمّدت المحادثات الكردية- الكردية منذ تشرين الأول 2020، بسبب الانتخابات الأمريكية التي انتهت بفوز جو بايدن، ورحيل المستشار الأمريكي للتحالف الدولي في شمالي وشرقي سوريا، والفريق الأمريكي الدبلوماسي إلى الولايات المتحدة.
حملات إعلانية هدفها الترويج
أشار الباحث بدر ملا رشيد إلى أن قائد “قسد”، مظلوم عبدي، حاول عبر دعوته أنصار “الإدارة الذاتية” بإطلاق “هاشتاغ” الاعتراف بسلطة “الإدارة” الربط بين الزيارة إلى فرنسا تزامنًا مع إطلاق الدعوات.
إضافة إلى وجود حاجة ضمن “الإدارة” لتقوية جبهتها الداخلية والتغطية على أحداث أدت وتؤدي لتوجيه انتقادات شديدة لها من الداخل، مثل حادثة مقتل الشاب أمين عيسى تحت التعذيب، بالإضافة إلى وصول الأوضاع المعيشية في المنطقة إلى حالة سيئة جدًا.
وبرأي الباحث، فإن الحملة الإعلامية نجحت في التغطية بعض الشيء على الواقع المعيشي الداخلي أكثر من هدفها الرئيس المعلَن وهو الاعتراف الخارجي بها.
من جهته، اعتبر الباحث في مركز “جسور للدراسات” أنس شواخ، أن الحملة التي أطلقتها “الإدارة الذاتية” لا يمكن وضعها إلا في خانة الترويج الإعلامي فـ”الاعتراف الدولي لا يتم الحصول عليه بهذه الطريقة”.
وأضاف شواخ، في حديث إلى عنب بلدي، أن زيارة الوفد إلى باريس جاءت نتيجة لطلبات متكررة من قبل “الإدارة” عبر ممثليها في باريس ومجموعات الضغط التابعة لها لعقد هذا اللقاء، لكن الجانب الفرنسي لم يقدم أكثر من تأكيده استمرار الدعم الاقتصادي والعسكري، دون الحديث عن موضوع الاعتراف، علمًا أن الدعم الفرنسي للإدارة ولـ”قسد” ليس جديدًا، خاصة أن فرنسا من أهم شركاء الولايات المتحدة في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “الدولة”، الذي يعتبر الداعم الأبرز لـ”الإدارة الذاتية” و”قسد” منذ تأسيسهما.
النظام السوري يندد بالزيارة..
علاقة معقدة الملامح بين الطرفين
أصدرت وزارة الخارجية والمغتربين في حكومة النظام السوري عقب الزيارة بيانًا اعتبرت فيه أن “الإدارة الذاتية” تقوم بجولات على بعض الدول الغربية “للترويج لمشاريعها الانفصالية”، وأن “قوات الاحتلال الأمريكي وغيرها من الدول الاستعمارية تدعم تلك الإدارة”.
وردت “الإدارة الذاتية” على بيان النظام السوري، ووصفت النظام بأنه يستخدم “لغة بعيدة عن المنطق والواقع، ويتمسك بشكل واضح بذهنية الإقصاء والإنكار”.
وعلى الرغم من التصريحات المتبادلة، أبدت “الإدارة” مسبقًا رغبتها بالحوار مع دمشق بعدما تحدث وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، عن تسهيل بلاده الحوار بينها وبين حكومة النظام السوري، في 3 من تموز الماضي.
ولفهم طبيعة العلاقة بين “الإدارة الذاتية” والنظام السوري، يجب العودة إلى نقطة البداية عام 2012، حسب الباحث في شؤون شرق الفرات بدر ملا رشيد، الذي أشار إلى انسحاب النظام من المنطقة حينها لمصلحة حزب “الاتحاد الديمقراطي”، ضمن اتفاق وصفه بأنه “يمكن تتبُع جوانبه دون الوصول إلى بنوده المباشرة”، وهو الاتفاق الذي حكم العلاقة بين الطرفين وصولًا إلى دخول قوات التحالف الدولي إلى سوريا، وتشكيلها “قسد” نهاية عام 2015، واستمرار التحالف بدعمها إلى الآن، وهو ما غيّر من طبيعة حزب “الاتحاد الديمقراطي” والمنظومات المرتبطة به، ليتحول إلى منافس محلي للسلطة المركزية في دمشق، ما يفسر التوتر في العلاقة بين الطرفين (النظام والحزب).
واعتبر الباحث أنه رغم اتفاق النظام السوري و”الإدارة الذاتية” على نقاط كثيرة، منح الدعم الذي حصل عليه حزب “الاتحاد الديمقراطي” سلطة وسيطرة لا يرغب الحزب اليوم بالتنازل عنها، كما لا يرغب النظام السوري بالدخول ضمن أي اتفاق يؤكد سيطرة الحزب بالشكل الحالي، المتمثل بذراع عسكرية قوية ومنظمة هي “قسد”، بالإضافة إلى سيطرة على الموارد الطبيعية.
وأشار ملا رشيد إلى أن هذين الملفين أساسيان في معادلة منافسة الأطراف المحلية للسلطة المركزية، بالإضافة إلى ميزات أخرى حصل عليها حزب “الاتحاد” عبر علاقته بالتحالف، ومحاربته لتنظيم “الدولة الإسلامية”، ومنها إمكانية الوصول إلى العواصم الأوروبية، والتمتع بصورة ذهنية في مخيلة العالم عبر كونه الطرف الذي حارب التنظيم، وهي أدوات يرغب النظام باحتكارها ونزعها من “الإدارة الذاتية” خلال عمليات التفاوض الحاصلة بين الطرفين.
تركيا والمعارضة أدانتا لقاء الرئيس الفرنسي بالوفد
صدر بيان من وزارة الخارجية التركية عبر موقعها الرسمي بعد لقاء الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بوفد “الإدارة الذاتية” قالت فيه على لسان المتحدث باسمها، تانجو بيلجيتش، إنه على الرغم من الدعوات التركية، فإن علاقة باريس بهذه “المنظمة الإرهابية والدموية” وفروعها تضر بأمن تركيا القومي، وبالجهود المبذولة لحماية وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية، وضمان الاستقرار في المنقطة.
وتعتبر أنقرة “الإدارة الذاتية” الامتداد السوري لحزب “العمال الكردستاني”، الذي تضعه تركيا على لوائح الإرهاب لديها.
كما نشر “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” بيانًا يندد فيه باستقبال ماكرون للوفد، قائلًا، “المطالبة بالاعتراف بهذه الميليشيات التي تفرض نفسها على الشعب السوري بالحديد والنار يمثل انتهاكًا لوحدة التراب السوري، وتهديدًا لوحدة وسلامة سوريا وشعبها، وسيسهم الإصرار على هذه الخطوة في تعقيد القضية السورية وإبعادها عن مسار الحل”.
ولا يعتقد الباحث أنس شواخ أن لدى “الإدارة الذاتية” أي قدرة على مواجهة أو إقناع الأطراف والدول الرافضة لمشروعها، وذلك لعدم امتلاكها المقومات القانونية والدستورية الموجبة لهذا الاعتراف.
واعتبر الباحث شواخ أن “الإدارة” تقف أمام الكثير من التحديات الداخلية والخارجية الواجب تجاوزها قبل الحديث عن أي مستوى من مستويات الاعتراف، كمسألة علاقتها بحزب “العمال الكردستاني” المصنف كمنظمة إرهابية، وعدم وضوح علاقتها بالنظام السوري، وحقيقة تمثيلها لجميع مكونات المنطقة، وعلاقتها ببقية أجسام وهيئات المعارضة السورية.
وأُسست “الإدارة الذاتية في إقليم الجزيرة” في 21 من كانون الثاني عام 2014، لتتبعها “إدارات ذاتية ومدنية”، توحدت في 6 من أيلول عام 2018، تحت اسم “الإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سوريا”، حسبما أعلن “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، الذارع السياسية لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
وسيطرت “قسد” على مدينة الرقة، في 17 من تشرين الأول عام 2017، بعد معارك دامت 166 يومًا ضد التنظيم، بدعم من “التحالف الدولي” الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، والذي كان يوفر الغطاء الجوي والدعم اللوجستي للقوات المقاتلة على الأرض.
وبعد تمكن “قسد” من إبعاد قوات التنظيم عن المنطقة، أُعلن قيام “الإدارة”، التي ذكر “مسد” أن الهدف منها هو “تشكيل هيكل إداري ينسق الخدمات بين المناطق، ولملء الفراغ الإداري والأمني”.
وتتضمن هيكلية “الإدارة” مجلسًا تنفيذيًا مشرفًا على عمل “إدارات مدنية ديمقراطية”، تتكون من “مجالس عامة وتشريعية” في المناطق الخاضعة لسيطرة “قسد”، بينما تعتبر “المجالس المدنية” للمنطقة بمثابة حكومات تدير الشؤون المحلية.