عنب بلدي – ديانا رحيمة
تغيب روسيا عن تطورات التصعيد العسكري في محافظة درعا جنوبي سوريا، رغم أنها ضامنة اتفاق “التسوية” بين قوات النظام والمعارضة، الذي تخضع له المنطقة منذ تموز 2018.
وشهدت مدينة درعا البلد حصارًا، بدأ مطلع حزيران الماضي، قال النظام السوري إنه بهدف تسليم السكان الأسلحة الثقيلة، بينما قالت “اللجنة المركزية” المفاوضة له، إن السكان لا يملكون أسلحة ثقيلة ولديهم أسلحة فردية لا يشملها اتفاق “التسوية”.
تطورت الأحداث بعدها واشتد الحصار، وسط اتفاقيات “تسوية” جزئية لم يستكمل تنفيذها، أبرزها توصل إليها الطرفان في 25 من تموز الماضي، ليزداد بعدها التصعيد، وتقصف قوات النظام بالدبابات والمدفعية الثقيلة مدينة درعا البلد، في 29 من الشهر نفسه، حين قُتل ثمانية مدنيين، بينهم سيدة وأربعة أطفال، بحسب مركز “توثيق الشهداء في درعا“.
وفي ذات اليوم، سيطر مقاتلون من أبناء المحافظة على حواجز للنظام السوري في الريف الشرقي والغربي، كرد فعل على حصار وقصف درعا البلد.
الحلقة المفرغة بهجوم النظام هو غياب الوجود الروسي المعتاد إلى جانب قوات النظام السوري والميليشيات المدعومة من إيران، التي تقاتل جنبًا إلى جنب مع “الفرقة الرابعة”.
وتخضع المنطقة لاتفاق “تسوية” بين الفصائل العسكرية التابعة لـ”الجيش الحر” في درعا، برعاية وضمانة روسية، منذ تموز 2018، وكان من أبرز بنوده تسليم السلاح الثقيل والمتوسط إلى قوات النظام، و”تسوية” أوضاع المسلحين والمطلوبين من أبناء المحافظة، وإعطاء مهلة ستة أشهر للملتحقين بالخدمة الإلزامية، ووقف عمليات الاعتقال والإفراج عن المعتقلين.
وبعد هذا الاتفاق، فتحت روسيا باب الانضمام إلى “الفيلق الخامس” أمام عناصر المصالحات، مسلمة قيادة “اللواء الثامن” المنضوي في “الفيلق” إلى القيادي السابق في “الجيش الحر”، أحمد العودة.
وفضّل كثير من عناصر “التسويات”، الذين كانوا يتبعون لفصائل المعارضة، الانضمام إلى صفوف “الفيلق”، كخيار أفضل من الخيارات الموجودة أمامهم، وهي مغادرة المحافظة إلى الشمال السوري أو الانضمام إلى قوات النظام السوري وتشكيلاته العسكرية، وخاصة “الفرقة الرابعة”.
غياب روسي.. حضور إيراني
قال المحلل العسكري العميد ابراهيم جباوي، في حديث سابق إلى عنب بلدي، إن النظام نقض اتفاقيات درعا منفردًا، لعدم ظهور الضامن الروسي حتى الآن في المعارك على الأرض.
وباعتقاد العقيد جباوي، المنحدر من محافظة درعا وعضو “هيئة التفاوض السورية” (المعارضة)، فإن روسيا لا تزال تحاول عقد مؤتمرات متعلقة بعودة اللاجئين، ما قد يضعها في موقف ضعيف في حال مشاركتها في المعارك العسكرية بمحافظة درعا.
لكن جباوي لم يرجح أن يكون النظام بدأ العمل العسكري دون إذن من روسيا، وأشار إلى أن النظام لا يمكن أن يخطو باتجاه أي عمل عسكري دون ضوء أخضر روسي، بينما يعتبر حضور “الفرقة الرابعة” في الجيش حضورًا إيرانيًا قويًا، لأنها مدعومة من إيران بشكل مباشر.
ونشر ناشطون وشبكات محلية في مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات مصوّرة تظهر تعزيزات عسكرية ومقاتلين يهتفون باسم “الفرقة الرابعة” بعد استقدامهم إلى تخوم مدينة درعا.
محاولة لإرضاء إسرائيل
الباحث والمحلل السياسي السوري نصر اليوسف قال، في حديث إلى عنب بلدي، إن الروس ليسوا سعيدين بعدم التزام إيران وأتباعها، بما في ذلك “الفرقة الرابعة”، بالاتفاق الذي عقد عام 2018، والذي يقضي بإبعاد الميليشيات الإيرانية عن خط المواجهة مع إسرائيل، ومنذ ذلك الحين لم يطبق ذلك، بل يزداد الوجود الإيراني كثافة، ما يغضب روسيا، لأن ذلك لا يسر أصدقاءها الإسرائيليين.
يعكس الغياب الروسي عن ساحة المعركة الخلافات الداخلية ويجعلها قابلة للتنبؤ والفهم، بحسب اليوسف، الذي يستبعد أن تساعد روسيا هذا التحالف الطائفي بين كل من إيران و”حزب الله” والنظام، بإعادة المنطقة إلى عباءة الشرعية الدولية.
ويرى اليوسف، الخبير في الشأن الروسي، أن إيران تعتاش على الفتن وسفك الدماء، وأي اتفاق يؤدي إلى نوع من السلام والأمن والطمأنينة لا يصب في مصلحتها، وخاصة في هذه الظروف التي تخوض فيها مفاوضات شاقة مع الغرب بشأن إعادة تفعيل اتفاقية الملف النووي مع الغرب.
وفي أثناء تصاعد العمليات العسكرية في درعا، في تموز الماضي، تحدثت مصادر روسية عن تغيّر حيال الهجمات الإسرائيلية في سوريا، وأجرت القوات الروسية- السورية مناورات دفاع عسكرية جوية لأنظمة صواريخ “بانتسير” المضادة للطائرات والمقدمة من روسيا، في مؤشر ثانٍ على تحول متوقع ضد الضربات الإسرائيلية، بحسب ما نقله موقع “الربيع الروسي“، في 27 من تموز الماضي.
جاء ذلك بعدما نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن مصدر روسي أن موسكو “نفد صبرها” مع إسرائيل في سوريا، وتخطط لتغيير سياساتها تجاه الضربات الجوية الإسرائيلية على سوريا.
ويزوّد الروس النظام السوري بأنظمة أكثر تطورًا ضد الصواريخ الإسرائيلية التي تستهدف مواقع للنظام وأخرى تتبع لإيران و”حزب الله” على الأراضي السورية.
لكن اليوسف يفسر هذا الاستنفار الروسي بأنه محاولة لإقناع “محور المقاومة” بأن موسكو تدعمه، ولكنها تتلاعب به، وهذا لا يغير التوجه الاستراتيجي من سياسة روسيا تجاه إسرائيل.
أين تتوزع إيران في الجنوب؟
تتموضع 18 نقطة للميليشيات الإيرانية في أغلبية مدن وقرى محافظة درعا، وتضم عناصر من “حزب الله” اللبناني، ومراكز لـ”الحرس الثوري” وميليشيات محلية تتبع لإيران مباشرة وتتركز معظمها بريف درعا الشمالي، وأربع نقاط بالقرب وفي محيط مدينة درعا، بحسب موقع “إيران وير“، المتخصص بملاحقة النشاط الإيراني في سوريا.
وفي محافظة القنيطرة، ينتشر عناصر من “حزب الله” اللبناني وفنيون من “الحرس الثوري” و”ؤ” في عشر نقاط عسكرية، ومهمتهم الرصد والاستطلاع والتشويش.
أما في السويداء التي تحوي أربع نقاط، فتتمركز الميليشيات الإيرانية في مطار “خلخلة العسكري” شمال شرقي السويداء ومطار “الثعلة” غربي السويداء و”اللواء 127- قوات خاصة”.
وتأتي درعا في المرتبة الثانية بنسبة الانتشار الإيراني بعد دمشق وريفها، حيث تنتشر 19 نقطة.