لاجئون عالقون بين الترحيل من أوروبا وانتزاع حقوقهم العقارية في سوريا

  • 2021/08/01
  • 10:23 ص

سيدة نازحة من "مخيم اليرموك" وراءها أبنية مهدمة من المخيم جنوبي العاصمة دمشق بالإضافة إلى لافتة تحمل اسم "شارع اليرموك" إحدى شوارع المخيم- (تعديل عنب بلدي)

عنب بلدي – صالح ملص

“مضى من عمرنا 30 عامًا لبناء بيت نجمع فيه العائلة وتفاصيل ذاكرتها، أكلت الغربة وقتنا، تعبنا حتى شعرنا بالاستقرار، وبلحظة واحدة هُدم كل شيء، ورحلنا باتجاه تعب آخر، وهو اللجوء من بلدنا باحثين عن استقرار جديد”. تواظب رحاب قاسم، البالغة من العمر 65 عامًا، على ترتيب أحلامها بالاستقرار في مكان ما يحترم كرامتها، وفق ما قالته لعنب بلدي، وسط تعدد المسارات المأساوية وتأثيراتها المعنوية المدمرة.

خرجت رحاب قاسم من مخيم “اليرموك” جنوبي مدينة دمشق في كانون الأول عام 2012، بعد أن قصفت قوات النظام السوري بيت عائلتها، دون أن يغفل رجال الأمن عن ملاحقة أبنائها لاعتقالهم.

“ليست لنا علاقة بأي جهة، كنا فقط نسعف الناس الجرحى من القصف”، لكن على الرغم من ذلك، خاضت رحاب قاسم مع عائلتها تجربة اللجوء لأوروبا وصولًا إلى الدنمارك في تشرين الأول 2013، بعد أن اكتفت بإلقاء نظرة على جدران بيتها المهدم والتقاط بعض الصور التذكارية وسط الخراب.

محاولة جديدة للاستقرار مهددة بالزوال

في بداية عام 2014، حصلت رحاب قاسم على “الحماية الإنسانية”، ولكن لم يعد لمنزلها أي معالم بسبب تدميره بشكل كامل بمخيم “اليرموك” في حال رغبت بالعودة إليه.

حاولت السيدة الستينية التأقلم مع واقعها الجديد في الدنمارك والرضا به، لكن تلك النوايا قابلتها عدة عراقيل، أبرزها إصدار السلطات الدنماركية عام 2019 تقريرًا جاء فيه أن الوضع الأمني ببعض أجزاء سوريا “تحسن بشكل ملحوظ”.

واستُخدم التقرير كمبرر لبدء إعادة تقييم مئات تصاريح الإقامة الدنماركية الممنوحة للاجئين السوريين من العاصمة دمشق، والمنطقة المحيطة بها.

وفي تموز الماضي، تسلّمت رحاب قاسم قرار “دائرة الهجرة الدنماركية” بالترحيل النهائي من البلاد، على اعتبار أن “دمشق منطقة آمنة”.

“أخجل التحدث عن بيتي وهناك آلاف الناس الذين خسروا أرواح أحبائهم خلال الحرب، ولكن هل تتخيل أنني قادرة على استعادة بيتي؟”، لا تمتلك رحاب قاسم في تعبيرها عن بيتها أي يقين بالعودة إلى منطقة لم يبقَ في شوارعها سوى الدمار.

قوانين تنتزع حق العودة

في دمشق، أصدرت حكومة النظام خلال السنوات العشر الأخيرة عدة قوانين ومراسيم تشريعية وبعض القرارات الإدارية التي لها أثر سلبي على الحقوق المتعلقة بالملكية العقارية بالنسبة للسوريين عمومًا، ولفئات محددة منهم، خصوصًا اللاجئين، ووضعت التحديات أمامهم للوصول إلى هذه الحقوق.

من ضمن هذه القوانين، المرسوم التشريعي رقم “66” لعام 2012، الذي نص على إحداث منطقتين تنظيميتين في نطاق محافظة دمشق، وذلك لتطوير مناطق المخالفات والسكن العشوائي.

وتعتبر الأملاك الداخلة ضمن المنطقة التنظيمية ملكًا شائعًا مشتركًا بين أصحاب الحقوق فيها، وفق ما قاله المحامي السوري حسام سرحان في حديث إلى عنب بلدي، من خلال حصص تعادل القيمة المقدرة لملكية كل منهم أو الحق العيني الذي يملكه.

والمنطقة التنظيمية هي شخصية اعتبارية تحل محل جميع المالكين، وتمثلها محافظة دمشق ويمنع إجراء المعاملات العقارية (بيع أو شراء أو هبة) على البيوت الداخلة في المنطقتين، وفق ما أوضحه المحامي سرحان.

وهذا المرسوم التشريعي يشكّل خطرًا كبيرًا على أملاك اللاجئين الغائبين خارج سوريا، بحسب ما نوه إليه المحامي، بسبب المهل القصيرة التي حددها المرسوم للملاك للتصريح عن حقوقهم، وهي فترة 30 يومًا من تاريخ الإعلان للتقدم بطلب يعيّن فيه المختار محل إقامتهم ضمن مدينة دمشق مرفقًا بالوثائق والمستندات.

وبسبب تهجير أصحاب البيوت، منهم إلى خارج سوريا كحالة رحاب قاسم، وعدم مقدرتها على العودة بسبب المخاوف الأمنية من المراجعة، فإن الكثير من الحقوق مهددة بالزوال بسبب هذا المرسوم.

ولا يقدر المرسوم بشكل تفصيلي محتويات العقارات في منطقة التنظيم، وفق ما قاله المحامي، من بناء وأشجار ومزروعات، وبالتالي فإن ذلك سيؤثر على تقدير قيمة العقارات وثبوت الحقوق.

ولا يهتم المرسوم بمعظم الملكيات التي تقع ضمن مناطق المخالفات والسكن العشوائي، كمنطقة مخيم “اليرموك”، التي اعترفت السلطة في سوريا بها وقررت تقديم الخدمات الأساسية الضرورية لها.

ويحمّل المرسوم رقم “66” كامل المسؤولية لسكان العشوائيات باقتصار المخالفين الذين بنوا فوق أراضي أملاك الدولة العامة أو الخاصة على أخذ أنقاض أبنيتهم فقط، دون الاعتراف لهم بأي حق سوى ذلك.

وفي حزيران 2020، عقد مجلس محافظة دمشق جلسة استثنائية، وأعلن فيها الموافقة على إعلان المصوّر التنظيمي لمخيم “اليرموك”، قبل طرحه إلى العموم وبدء تلقي الاعتراضات عليه من قبل أصحاب الحقوق وأهالي المنطقة، التي وصل عددها إلى الآلاف.

وسبب الاعتراضات هو أن المخطط التنظيمي يلغي هوية المخيم الذي يعتبر رمزًا للعودة بالنسبة إلى اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، بالإضافة إلى تغيير تركيبته السكانية.

ومهّد المرسوم رقم “66” لظهور القانون رقم “10” لعام 2012، الذي أعطى مهلًا قصيرة لأصحاب الحقوق في المنطقة للتصريح بحقوقهم، وهي 30 يومًا قبل التعديل، وعام كامل بعد التعديل من تاريخ الإعلان عن المنطقة التنظيمية.

وفي عام 2015، أصدرت حكومة النظام القانون رقم “23” الخاص بتنفيذ التخطيط وعمران المدن، إلى إحداث مناطق تنظيمية تضم مجموعة من العقارات بدمجها واعتبارها شخصية اعتبارية جديدة.

ويصادر القانون رقم “23” إرادة صاحب الحق العقاري بإجباره على نقل ملكيته إلى المنطقة التنظيمية، وبعد أن كان مالكًا للعقار على وجه الاستقلال، يصبح صاحب أسهم شائعة ضمن مساحات شاسعة تتحول فيما بعد إلى مقسم أو جزء من مقسم وفق ما تقرره لجان توزيع العقارات.

وهناك عوامل تعقّد التحديات التي يواجهها اللاجئون السوريون في أوروبا بسياق عودتهم إلى مناطقهم الأصلية داخل سوريا، أبرزها غياب أي أدوات قانونية تضمن حقهم في التعويضات واسترداد الملكية، بحسب ما يراه المحامي حسام سرحان، وافتقار القضاء السوري إلى النزاهة أو الاستقلالية ومعايير المحاكمة العادلة الأخرى.

ويمتلك النظام سياسته الخاصة لإدارة المشكلة العقارية في سوريا لمصلحته، وتوظيفها بأشكال مختلفة للاستفادة منها عوضًا عن إيجاد حلول لها.

“كابوس في حياتنا”

بدأ قصف مخيم “اليرموك” من قبل قوات النظام السوري في 16 من كانون الأول 2012، فيما عُرف حينها بمجزرة “جامع عبد القادر الحسيني” و”مدرسة الفالوجة”، ما أدى إلى مقتل وجرح أكثر من 200 شخص.

أدى ذلك القصف إلى نزوح أكثر من 80% من سكان المخيم، منهم إلى مناطق أخرى داخل سوريا، ومنهم من لجأ إلى خارجها، أما من بقي منهم فقد عانى ما بين عامي 2013 و2018 من حصار فرضته قوات النظام، بمشاركة ميليشيات فلسطينية رديفة لها.

ويتوزع ملايين اللاجئين السوريين على أكثر من 120 دولة، بحسب تقرير “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، بالتزامن مع عدم وجود أي عوامل أمنية أو اقتصادية تشجع على العودة إلى سوريا.

“البيوت تموت إذا غاب سكانها”، كلمات نظمها الشاعر الفلسطيني محمود درويش تنطبق على حال منازل اللاجئين الذين غادروا سوريا دون أي نية لهم بالعودة إليها أو متابعة ما آلت إليه تلك المنازل.

تعيش رحاب قاسم في هذه الفترة “كابوسًا” في حياتها، على حد تعبيرها، إذ لم تنل حلمها بالاستقرار الذي دأبت على تحقيقه طول العقود السابقة من عمرها، محاولة رفع دعوى أمام المحاكم المحلية في الدنمارك كي تحمي إقامة عائلتها هناك من الزوال.

مقالات متعلقة

المساكن والأراضي والممتلكات

المزيد من المساكن والأراضي والممتلكات