الشمال السوري.. غياب الوعي بقيمة القروش التركية يضر المستهلك

  • 2021/08/01
  • 10:12 ص

عملات نقدية تركية (عنب بلدي/زينب مصري)

عنب بلدي- جنى العيسى

يعدّ عدم تداول الفئات الصغيرة من العملة التركية كالقطع المعدنية من فئات “5، و10، و25، و50 قرشًا” أبرز السلبيات التي تواجه الاقتصاد منذ بدء تداول العملة التركية في شمال غربي سوريا.

ونتيجة لضعف القدرة الشرائية لبعض سكان تلك المناطق، وعدم معرفة بعض منهم بقيمة تلك القروش نظرًا إلى تعاملهم بالعملة التركية لأول مرة، انقسمت الآراء حول استخدامهم لها.

أسعار السلع ترتفع بحسب المتوفر

يلجأ محمد الهويان، وهو سائق سيارة أجرة مقيم في مدينة إدلب، إلى تعبئة كمية البنزين التي يحتاج إليها لسيارته بحسب العملة المتوفرة في المنطقة.

بفضل وجود الآليات الحديثة في محطات الوقود، يتمكن محمد من الهرب من أزمة عدم توفر القروش، فمثلًا إذا كان سعر ليتر البنزين سبع ليرات و20 قرشًا، يستطيع أن يملأ خزان سيارته بكمية يبلغ سعرها سبع ليرات (أقل من الليتر الواحد) أو سبع ليرات ونصفًا (أكثر من الليتر).

ويرى محمد الهويان أن عدم استخدام القروش بكثرة، يؤدي إلى ارتفاع سعر السلعة، التي يُفترض أن ترتفع قروشًا قليلة، بقيمة نصف ليرة أو ليرة على الأقل، أي ليس بحسب سعرها الحقيقي، وإنما بحسب العملة المتوفرة في الأسواق.

ولا يستخدم محمد الهويان القروش التركية بتعاملاته مع زبائنه في أثناء عمله على سيارة الأجرة، بسبب قلة توفرها، على حد قوله.

يلجأ معظم البائعين في المنطقة إلى جبر القروش إلى نصف الليرة أو الليرة لمصلحتهم في معظم الأحيان، على حد تعبير محمد الهويان.

محمد الأحمد مزارع في مدينة إدلب، يعتقد أن عدم توفر القروش يجعل بعض التجار يستغل هذه الظروف لكسب مرابح أكبر.

وأوضح المزارع لعنب بلدي أن توفرها بكثرة سيساعد المستهلك أكثر، ويوفر عليه المزيد من الليرات عند جمع تلك القروش.

وفي المجال الزراعي، أضاف محمد الأحمد أن مصدر السلعة والتاجر هما المستفيدان من جبر سعر القروش، على عكس المستهلك الذي يجبر السعر على حسابه.

ومنذ بدء ضخ الليرة التركية قبل حوالي سنة، أدى التعامل بها إلى خلق أمان ومرونة أكبر بالتعاملات التجارية، كما أسهم في الحفاظ على أموال الأهالي نوعًا ما، بالإضافة إلى استقرار نسبي بالأسعار، بحسب حديث عنب بلدي إلى تجار في المنطقة في وقت سابق.

بينما يرى تجار آخرون، أن الليرة التركية لم تحل مشكلة الغلاء، وعلى العكس تسببت بارتفاع مستمر للأسعار، بسبب تقلب قيمتها أمام الدولار الأمريكي، ما أدى إلى فتح المجال أمام التجار للتلاعب بتسعير المنتجات والبضائع، موضحين أنه على الرغم من ذلك، فإن مستوى أسعار السلع استقر نسبيًا مقارنة بالمستوى الذي كانت عليه في أثناء التعامل بالليرة السورية.

التعامل بالقروش محرج

مصطفى زغلول صاحب مطعم في مدينة إدلب، قال لعنب بلدي، إن التعامل بالقروش التركية في المنطقة أمر يسبب له الارتباك والإحراج أمام الزبائن، وحتى الآن لم يجد طريقة جيدة تخرجه من مشكلته.

وأضاف مصطفى زغلول أن معظم سكان المنطقة لا يقبلون التعامل بالقروش، ما يضع التاجر أمام خيارين: إما المراعاة وغض النظر عن سعر السلعة بالقروش وتحمل الخسائر التي ستنتج عن هذا الخيار، وإما جبر السعر على حساب التاجر، وهو ما يفضله أغلب المستهلكين بسبب عدم الاقتناع بقيمة القروش.

ويرى مصطفى أن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم تقبل الناس في المنطقة التعامل بالقروش بسبب عدم درايتهم بقيمتها، مضيفًا أن التعامل بها ووجودها بكثرة من الممكن أن يحل أزمة كبيرة في الأسواق.

الناس يشبّهونها بالقروش السورية

مسؤول العلاقات العامة في وزارة الاقتصاد والموارد بحكومة “الإنقاذ”، محمد دعبول، أكد دخول القروش إلى الشمال السوري منذ بدء اعتماد الليرة التركية فيه، مشيرًا إلى أن جلب المزيد منها من تركيا ليس أمرًا صعبًا أيضًا.

وأضاف دعبول، في حديث إلى عنب بلدي، أن كمية القروش الموجودة لدى محال الصرافة في المنطقة “لا بأس بها”، موضحًا أن السبب الرئيس وراء قلة تداولها يعود إلى عدم معرفة الناس بقيمة القروش، واستخفافهم بها وتشبيهها بالقروش السورية، بالإضافة إلى قيام التجار بتقريب أسعار السلع إلى الليرة وليس إلى أجزاء منها.

وبحسب دعبول، فقد تحسنت نسبة التعامل بالقروش منذ بداية العام الحالي، أي بعد حوالي ستة أشهر من اعتماد العملة، كنتيجة للتنافس بين بعض التجار على الأسعار، بالإضافة إلى زيادة الرقابة من قبل “فرق حماية المستهلك” على التسعير بأجزاء الليرة.

وبحسب دراسة لمركز “جسور للدراسات”، أعدها الباحث الاقتصادي خالد التركاوي، في حزيران 2020، بعنوان “اعتماد الليرة التركية في الشمال السوري”، فقد كان من المتوقع أن يواجه الناس مشكلات تتعلق بوجود القروش التركية.

وأوضحت الدراسة أن تطبيق أسعار القروش يعني أن المنطقة ستحتاج إلى أعداد كبيرة من القطع المعدنية الصغيرة، بالإضاقة إلى مشكلة تعديلات الأسعار حتى بأدنى قطعة نقدية موجودة وهي الخمسة قروش، التي قد يراها السكان بأنها مشكلة كبيرة.

وجاء استبدال العملة التركية بالسورية في الشمال السوري بعد وصول سعر صرف الليرة السورية إلى حدود 3500 ليرة للدولار الواحد في حزيران 2020، وسط مطالبات من سوريين بأن يكون الاستبدال حلًا مؤقتًا لحين الوصول إلى حل سياسي.

وشهدت الليرة التركية تدهورًا، وانخفضت قيمتها إلى مستويات قياسية غير مسبوقة خلال الأشهر الماضية، ووصل سعر صرف الدولار إلى 8.77 ليرة تركية، كأعلى سعر في تاريخ الليرة، في حزيران الماضي.


شارك في إعداد هذا التقرير مراسل عنب بلدي في مدينة إدلب أنس الخولي

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية