حلب – صابر الحلبي
أتمّ مازن مراسم دفن والده بعد وفاته نتيجة إلغاء جلسات غسيل الكلى المجانية في المستشفيات الحكومية بمدينة حلب، وقد حاول تأمين الدعم المالي من أجل إجراء الجلسات لكنه لم يتمكن من ذلك.
حاول مازن إجراء جلسة غسيل كلى لوالده في مستشفى “الجامعة”، لكنه لم يستطع ذلك، فتوفي نتيجة مضاعفات المرض ومرور الكلى بحالة سيئة.
على غرار والد مازن، تسجل حلب عشرات حالات الوفاة نتيجة إلغاء جلسات غسيل الكلى المجانية، لمصابي الفشل الكلوي، أو بسبب عدم القدرة على الخضوع لهذه الجلسات في المستشفيات الخاصة، وتجري إجراءات الدفن بشكل عادي، بحسب ما قاله مازن (39 عامًا)، من سكان حي صلاح الدين في مدينة حلب، لعنب بلدي.
“ليس هناك أي تجاوب أو رحمة أو شفقة، وتُلغى جلسات غسيل الكلى بحجة عدم وجود دعم أو تمويل لهذه الجلسات، مع العلم أن المستشفيات التابعة لحكومة النظام السوري كانت تجري الجلسات بشكل شبه مجاني”.
ولكن بسبب التدهور الاقتصادي الذي تعيشه مناطق سيطرة النظام، أُلغيت المجانية عن هذه الخدمة الطبية حتى في المستشفيات الحكومية، وتكلّف جلسات غسيل الكلى في المستشفيات الخاصة نحو 275 إلى 350 ألف ليرة سورية، بحسب ما أضافه مازن.
دعم الوزارة غائب
يغيب الدعم والتمويل عن أجهزة غسيل الكلى في مستشفيات حلب، كما يوجد عدد كبير منها خارج الخدمة، ولم تخضع للصيانة بسبب الإهمال في القطاع الطبي، خاصة فيما يتعلق بطبابة المدنيين.
كما أن العسكريين العاملين في قوات النظام يفضلون الذهاب إلى المستشفيات الخاصة بسبب سوء الخدمة في مستشفيات النظام، بحسب ما أوضحه طبيب عامل في أحد مستشفيات حلب (تحفظت عنب بلدي على ذكر اسمه لسلامته الأمنية).
وقال الطبيب لعنب بلدي، إن القسم المالي في المستشفى الذي يعمل فيه يريد إجراء صيانة وعمليات إصلاح للأجهزة المعطلة، لكن لا موافقة تأتي من وزارة الصحة في حكومة النظام عند الطلب.
وترجع الوزارة السبب، بحسب الطبيب، لعدم توفر ميزانية أو لنيتها إتلاف تلك الأجهزة.
تكلفة مرتفعة في المستشفيات الخاصة
هند (52 عامًا)، من سكان مدينة حلب، توقفت عن الخضوع لجلسات غسيل الكلى في مستشفى “السلوم” الخاص بالمدينة، بعد ثلاث جلسات، لارتفاع تكلفة الجلسة التي بلغت نحو 350 ألف ليرة سورية.
وقال شقيقها لعنب بلدي، إن توقف الجلسات تسبب بتدهور حالتها الصحية، إذ تحتاج إلى ثلاث جلسات أسبوعيًا كانت تجريها سابقًا في مستشفى “الجامعة”.
وقبل ارتيادها مستشفى “السلوم”، أُلغيت جلستان لهند في مستشفى “الجامعة”، وبعد ذلك أُلغيت الجلسات بشكل نهائي، ما دفع عائلتها للتوجه إلى المستشفى الخاص، ولكن الجلسات أُوقفت فيه بطلب منها، بسبب عدم القدرة على تحمل التكلفة المادية.
تسبب إيقاف جلسات الكلى بوفاة هند منذ حوالي شهر ونصف، بحسب ما أضافه شقيقها.
لا تأمين صحيًا.. لا جلسات
ترفض المستشفيات الخاصة في حلب استقبال المرضى الذين لا يمتلكون تأمينًا صحيًا أو ليست لديهم القدرة المالية على تغطية التكاليف، لإجراء جلسات غسيل الكلى.
ويُطلَب منهم دفع تكلفة الجلسات الأسبوعية عند كل أول جلسة تبدأ أسبوعيًا، بحسب ما قالته طبيبة عاملة في مستشفى “النايف” التخصصي في حي سيف الدولة بحلب، لعنب بلدي.
وأضافت الطبيبة أنه جرى الحجز على عدد من المرضى الذين أوقفت جلسات غسيل الكلى الخاصة بهم، إلى أن دفعوا الفواتير المترتبة عليهم.
ومع أن حالتهم الصحية كانت تسوء بعد إيقاف الجلسات، وعلى الرغم من بقائهم في المستشفى، فإنه لا تجرى لهم جلسات الغسيل، ويتم إخراجهم بعد دفع الفواتير المتراكمة عليهم، بحسب الطبيبة.
لا استجابة من محافظ حلب
إلغاء جلسات غسيل الكلى في المدينة بدأ مع بداية شهر رمضان الماضي بشكل تدريجي حتى أصبح الإلغاء بشكل كامل، ما دفع مدنيين للمطالبة بمعرفة السبب وراء ذلك، لكنهم لم يتلقوا أي رد من مكتب محافظ حلب، على الرغم من ذهابهم إليه.
أيمن (اسم مستعار للضرورة الأمنية) (42 عامًا)، توجه عدة مرات إلى مكتب المحافظ لتقديم شكوى بعد إلغاء جلسات والدته لكنه لم يتلقَّ ردًا، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
وأضاف أن الجواب من المكتب يكون بأن المحافظ، في أغلب الأحيان، موجود في مستشفى “الجامعة” أو “الرازي” أو “الشرطة”، بالإضافة إلى عبارة “دبروا حالكم الجلسات التغت هون (في إشارة إلى المستشفى)”.
وبرأي طبيب الداخلية والجراحة محمد، العامل في حلب، فإن من الأفضل مراجعة مديرية الصحة في المدينة وتقديم شكوى حول إلغاء الجلسات، ومن ثم مراجعة مكتب الوزير في حال عدم التجاوب.
وقال الطبيب لعنب بلدي، إن عدم الرد على الإطلاق يدل على أن إلغاء الجلسات متعمد ومقصود.
وأضاف أن إلغاءها تسبب في ارتفاع حالات الوفاة في المدينة خاصة خلال فصل الصيف، لأن الجسم ومرضى الكلى بحاجة إلى شرب السوائل، وقلتها تؤثر سلبًا على الحالة الصحية للمرضى وخاصة خلال ارتفاع درجات الحرارة.
يقوم بعض تجار محافظة حلب بتقديم المساعدات بشكل سري للعائلات المحتاجة، وتشمل تقديم مساعدات لمرضى الأمراض المزمنة، التي تتطلب العلاج الدوري أو المستمر، مثل حال مرضى الكلى، الذين يتكفل البعض بجلساتهم، بحسب ما رصدته عنب بلدي في وقت سابق.
وتشمل جلسات غسيل الكلى إزالة الفضلات والسوائل التي لم تعد الكلى قادرة على تفريغها أو طردها بعد ترسبها فيها، ويهدف غسيل الكلى أيضًا للحفاظ على توازن الجسم عن طريق تصحيح مستويات المواد السامة المختلفة فيه.