إبراهيم العلوش
سيطرة ثوار درعا على نصف حواجز النظام بشكل مباغت خلال الأيام الماضية، فتح ثغرة في بالون الانتصار الزائف لقوات الأسد، فهجوم “الفرقة الرابعة” (الإيرانية) على درعا البلد تسبب بانهيار حواجز النظام في درعا وريفها، وبيّن أن غياب القصف الجوي الروسي جعل من قوات الأسد مجرد خردة بلا روح وبلا مستقبل.
رفع ثوار درعا رايات السلام، وقالوا إنهم لا يريدون الحرب، ولا يريدون أن يموتوا، ولا أن يموت أحد، وطالبوا بالالتزام بالاتفاقات التي أُبرمت في العام 2018 عن طريق الروس، الذين تعهدوا بصيانة هذه الاتفاقات، ولكنهم كانوا كاذبين في التزاماتهم، تمامًا كما كذبوا في الشمال السوري، وبدّدوا فرص السلام وفرص إعادة الحياة إلى العملية السياسية، فالروس استعملوا كل جبروتهم وكل مراوغاتهم الدبلوماسية من أجل سحق التمرد السوري ضد الديكتاتورية والظلم الأسدي.
تأخر الروس حتى الآن في أعمال مساندة النظام رغم تحريضهم على أهالي درعا، وكتب رامي الشاعر الدبلوماسي العربي- الروسي في صحيفة “زافترا” الروسية عن استياء القيادة الروسية من قيام بعض أنصار الأسد بإزاحة بعض الشعارات الروسية واستبدال شعارات صينية بها، على إثر زيارة وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، إلى دمشق، في 17 من تموز الماضي، للمباركة بإعادة تطويب الأسد ضد إرادة السوريين.
وقد أرسل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، فور انتهاء زيارة الوزير الصيني، وفدًا روسيًا يتألف من 230 خبيرًا ومسؤولًا إلى دمشق في تظاهرة غير مسبوقة، ربما منذ بعثة الخبراء الفرنسيين في حملة “نابليون” إلى مصر في مطلع القرن الـ19 ، والفرق بين الوفدين الضخمين هو أن خبراء نابليون استكشفوا آثار مصر وأدخلوا المطبعة إليها، بينما الوفد الروسي انتشر كالجراد يبحث عن مواطئ معاهدات واتفاقات يتم فرضها على السوريين خلال نصف قرن مقبل أو أكثر، فالروس ربما استشعروا خطر الوصول الصيني إلى ملعبهم الذي تمت تسويته بالصواريخ وبالطائرات خلال السنوات الست الماضية.
أما الإيرانيون الذين أرسلوا رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، في نفس وقت وصول الوفد الروسي، لعقد المزيد من المعاهدات الشاملة، فقد دعموا هجوم “الفرقة الرابعة” التي يقودها ماهر الأسد، وأرسلوا قوات من “الحرس الثوري الإيراني” في البوكمال والميادين إلى درعا، والمكان يعتبر استراتيجيًا في مشروع “الهلال الشيعي” الذي لا تزال إيران تدير خططه بكل حماسة وصبر، رغم رفض السوريين، ورغم معاداة المجتمع الدولي للانتشار الإيراني في سوريا، خاصة وأن درعا تقع بالقرب من حدود الأردن المؤدية إلى الخليج، وبالقرب من الجولان الذي تحلم إيران بتحويله إلى ما يشبه جنوبي لبنان الذي استعمرته بشكل شبه تام على يد “حزب الله”، الذي يدين بالولاء وبالتمويل لإيران وبشكل علني ويخرق سيادة الدولة اللبنانية.
ثوار درعا الذين فجروا ثورة 2011، هزّوا اليوم انتصار النظام المزعوم، وحطموا تماسك قواته وحواجزه، وقد استولوا على كثير من المواقع التي تتبع للنظام بشكل مباغت لتخفيف الضغط على أبناء درعا البلد المحاصرين بتوافق روسي- أسدي- إيراني. وقد أعاد دفاعهم عن أنفسهم وعن بيوتهم في درعا، الشعور بالفخر من قبل كل السوريين، وليس فقط من قبل سكان درعا البلد المحاصرين، فقد صارت درعا رمزًا للوطن السوري الصابر.
تشير الأحداث الجديدة إلى أن الاستقرار لن يعود إلى سوريا إلا بحل سياسي عادل، يحترم إرادة السوريين، ويلتزم بالقرار الدولي “2254” حول الانتقال السياسي من أجل بناء دولة القانون والمواطنة، وقد قال رامي الشاعر في مقاله، إن الحل الدولي لا بد منه، وإن استمرار تجاهل إرادة السوريين غير المؤيدين للأسد لن يجدي نفعًا ولن يعيد وحدة الأراضي السورية. ولكن النظام، كما يقول الدبلوماسي السابق، يماطل بالتسوية، وحوّل المحادثات في جنيف إلى عبث لن يجلب إلا المزيد من عدم الاستقرار.
في الوقت الذي يجري فيه الهجوم في درعا، اكتفت روسيا بتدريب قواتها على القصف في الشمال السوري، وعلى إعادة تهجير المزيد من السوريين في جبل الزاوية، وتعامت عن كفالتها للاتفاق مع ثوار درعا، وتعامت، مؤقتًا على الأقل، عن دعم قوات الأسد بالطائرات والصواريخ أو بمدّ السجادة الروسية الحمراء فوق المدنيين وفوق مدنهم وقراهم، رغم أن قوات الثوار في درعا تمكنت من السيطرة على الطريق الدولي المؤدي إلى الأردن والذي افتتحه النظام للتصدير عبر معبر “نصيب- جابر” قبل يومين فقط!
وهذا جعل تصريحات الملك الأردني في واشنطن الأسبوع الماضي، حول ضرورة التعامل مع الأسد والتسليم بنصره على الشعب السوري، مجرد رأي يهمّ الأردن كمصلحة تجارية، ولكنه لا يهم السوريين كمستقبل، وربما لا يهمّ المجتمع الدولي الذي يصرّ على اعتبار نظام الأسد مجرد نظام مافيوي غير جدير بالثقة، وغير قادر على الفعل السياسي ولا على صناعة الاستقرار.
الوفد الروسي الذي اعتبرته إحدى الصحفيات الروسيات أنه إنزال مظلي روسي في دمشق، كما ذكر بسام المقداد في صحيفة “المدن”، كان عنوان زيارته هو “عودة اللاجئين”، وهو عنوان سوريالي مثير للسخرية في ظل جرائم النظام المستمرة، وفي ظل رفضه القبول بصناعة السلام مع السوريين جميعًا وبعيدًا عن التلاعب بمصير البلاد ورهنها للأطراف الدولية المتصارعة.
فـ”الفرقة الرابعة” (الإيرانية) تصرّ على تصعيد التوتر وانتهاك الاتفاقات، وحواجز “المخابرات العسكرية” و”المخابرات الجوية” لن تصنع بلدًا يقبل السوريون العيش فيه ويوقفون هجرتهم، ولن يقبل اللاجئون العودة إليه مهما عقدت روسيا وإيران من مؤتمرات ومن تظاهرات دبلوماسية خادعة.