حمص – عروة المنذر
لم تستطع نادية، البالغة من العمر 31 عامًا، إقناع صاحب صهريج نقل المياه بالتوجه إلى منزلها، إذ أصر على بيع كامل المياه الموجودة لديه دفعة واحدة، وتقدر بخمسة أمتار وقيمتها 50 ألف ليرة سورية (15 دولارًا)، وذلك لأن منزلها يبعد عن المناطق السكنية في تلبيسة شمالي محافظة حمص، وسط سوريا.
في بعض الأوقات لا تحتاج نادية (تحفظت على نشر اسمها الكامل لأسباب أمنية) إلى هذا القدر من المياه، كما أن تكلفته المادية لا تتناسب مع قدرتها، وهي تريد كمية محددة، وفق ما قالته لعنب بلدي.
بدأت أزمة المياه تزداد تعقيدًا في مدينة حمص، بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة خلال تموز الماضي، ليس لعدم توفر الموارد المائية، بل كنتيجة لأزمة انقطاع الكهرباء المتكررة، فقد تحوّلت محطات ضخ المياه في ظل هذا الانقطاع إلى العمل على محركات الديزل التي تفتقد للوقود أيضًا.
محطات متضررة وضعف في الكوادر
تعاني مدن وبلدات ريف حمص الشمالي من أزمة مياه تتفاقم بشكل يومي، ما رفع سعر المتر المكعب من المياه إلى “أرقام قياسية”، بعد أن اقتصر بيعها على صهريج البلدية الوحيد الذي بقي في ميدان العمل، وفق ما رصدته عنب بلدي في المنطقة، بعد أن أوقفت البلديات عمل الصهاريج الأخرى لعدم امتلاكها تراخيص العمل المطلوبة.
وتعرضت معظم محطات ضخ المياه للعطب بسبب قصف البنية التحتية في ريف حمص لفترات طويلة، ما ألحق ضررًا بالغًا بمحطة الضخ الرئيسة في مدينة الرستن، بينما خرجت المضخة الثانوية جزئيًا عن الخدمة.
وتستمد المنطقة الوسطى في مدينة حمص المياه من خط “ساريكو“، الذي يسير بمحاذاة الطريق الدولي حمص- حماة أو ما يعرف بـ”M5″، والذي تتم تغذيته من نبع عين التنور الواقع غرب مدينة القصير بخمسة كيلومترات، بالإضافة إلى آبار في قرية الدحيرج قرب قرية الضبعة على طريق حمص- القصير، وعدة آبار أخرى موزعة بين أحياء مدينة حمص.
عبد المنعم، وهو موظف سابق في مؤسسة المياه بمدينة الرستن، قال لعنب بلدي، إن خزاني مياه من أصل ثلاثة خرجا عن الخدمة بشكل كلي، والخزان الثالث متضرر بنسبة بسيطة، فتحولت تغذية مدينة بأكملها من ثلاثة خزانات إلى خزان واحد، وانقطاع التيار الكهربائي بشكل مستمر أخرج الآبار عن الخدمة في ظل أزمة المازوت بالمدينة.
وتعاني مؤسسة المياه من ضعف في الكوادر عقب فصل حكومة النظام أغلب موظفي المؤسسة بعد عام 2012، بسبب الاعتقالات أو دراسة أوضاعهم الأمنية ونقل مركز عملهم إلى مناطق سيطرة النظام خلال سيطرة قوات المعارضة على المنطقة، وعلى الرغم من حاجة المؤسسة إلى العمال، فإنها لم تعدهم إلى وظائفهم، وبذلك خالفت المؤسسة بنود “التسوية” في المحافظة التي فرضها الجانب الروسي في أيلول 2018.
وعدد عمال مؤسسة المياه في مدينة الرستن لا يتجاوز عشرة موظفين، في حين كان عدد الموظفين قبل 2012 حوالي 75 موظفًا، ورغم حاجة المؤسسة إلى موظفين جدد، فإنها لم تتعاقد مع أي شخص، وفق ما قاله أحمد لعنب بلدي، وهو عامل داخل مؤسسة المياه في المدينة.
وترجع إدارة المؤسسة عدم توقيع عقود مع موظفين جدد إلى عدم توفر اعتماد مالي مناسب لهم، وفق ما أضافه أحمد (الذي تحفظ على ذكر اسمه الكامل لاعتبارات أمنية)، ما جعل أهالي المنطقة يعتمدون على الورشات الخاصة التي تقوم بإصلاح أي عطل بمحركات ضخ المياه.
توقيف الصهاريج لمصلحة صهريج البلدية
أوقفت البلدية في المنطقة سبعة صهاريج عن العمل في نقل المياه بحجة عدم وجود تراخيص وإذن لممارسة العمل، ليبقى صهريج البلدية الوحيد الذي يعمل على توصيل المياه لـ 60ألف نسمة يسكنون المدينة.
وقال إياد أبو جمال، صاحب أحد الصهاريج التي توقفت عن العمل بقرار من البلدية، لعنب بلدي، إن قرار البلدية أدى إلى رفع سعر متر المياه من خمسة إلى عشرة آلاف ليرة، وبالتالي لم يستفد الناس من هذه الخطوة.
وتحتاج رخصة العمل الخاصة بصهاريج نقل المياه إلى أكثر من ستة أشهر كي تتم الموافقة على صدورها، وهي بحاجة إلى موافقة وزارة الصحة وفحص وترسيم جرار الحراثة (التركتور) الذي يقود الصهريج، وفق ما أضافه صاحب الصهريج إياد أبو جمال، ويكلّف إصدار هذه الرخصة أكثر من 600 ألف ليرة (حوالي 185 دولارًا).
واستُثنيت العديد من المشاريع من تأمين المياه في المحافظة بسبب المشكلات المرتبطة بالتقنين الكهربائي، وفق ما قاله مدير التخطيط في وزارة الموارد المائية السورية، بسام أبو حرب، لإذاعة “شام إف إم” المحلية.
ويدرك الناس أن أزمة المياه مرتبطة بأزمة انقطاع الكهرباء، حسب التعليقات التي جاءت على منشور “شام إف إم” عبر “فيس بوك”، الأمر الذي لم يأتِ بجديد في تصريحات مدير التخطيط، كون توفر المياه يتطلب تشغيل مضخات المياه المنزلية لملء الخزانات لدى الأهالي.
وتشير التقارير الصادرة عن تقييم الاحتياجات الإنسانية (HNO) إلى أن 8.2 مليون شخص سوري بحاجة إلى المياه، بالتزامن مع مواجهة سوريا مشكلة سوء إدارة الموارد المائية.
وتعاملت حكومة النظام السوري على مر العقود الماضية مع الموارد المائية باعتبارها قضية أمن قومي، وفق دراسة تحليلية لواقع الموارد المائية في سوريا، نشرها الباحث في مركز “عمران للدراسات” محمد العبد الله عام 2015، إذ لم تكن البيانات الإحصائية الصادرة عن الدوائر الحكومية في سوريا بشأن الموارد المائية، منذ تسلّم حزب “البعث” للسلطة، إلا أداة يستخدمها النظام لنهب موارد الشعب.
ومع تراجع حصة الفرد من الموارد المائية المتاحة في سوريا، بسبب الدمار الكبير الذي لحق بتلك الموارد وببنيتها التحتية، صارت القدرة على توفير المياه من بين التحديات البارزة في حياة الناس داخل المجتمع السوري.
ويكمن التحدي بتوفير المياه النظيفة الصالحة للاستخدام، أو توفير المقدرة المادية للحصول عليها، مع الارتفاع المتواصل بمعدلات الفقر وقلة ذات اليد.