مسلسل “جورج وسوف”

  • 2021/08/01
  • 11:07 ص

المطرب جورج وسوف

نبيل محمد

يبدو أن الأوساط الإعلامية، وحتى السياسية، السورية كانت بحالة بحث مستمر خلال السنوات الأخيرة عن أيقونة غنائية سورية، متناسبة مع الراهن العام، أيقونة تتسم بالولاء للسلطة بالدرجة الأولى، وبالشهرة والنجومية بالدرجة الثانية، إضافة إلى التجربة الفنية الطويلة ذات المعالم السورية، وهي صفات ليست سهلة التوفر مجتمعة خاصة في السنوات الأخيرة، ويبدو أن جورج وسوف لم يكن مناسبًا في السابق ليحل في هذا الموقع، إذ كانت طبيعة شخصيته وسلوكياته وتصريحاته مفاجئة وجدلية أحيانًا وغير متزنة  نسبيًا، لذا كان من الصعب طرحه كأيقونة، إلا أن شيئًا ما تغير مؤخرًا بدءًا من لقاء رئيس النظام، بشار الأسد، مع الفنان في 2019، وما تبعه من تكريس حضور وسوف بشكل مختلف نسبيًا عن السابق، وكأنه الفنان القدير العتيق، حامل الموروث الفني الأصيل، وبالتأكيد هو الذي لم يغادر البلاد، وبقي ملاصقًا بمواقفه وتوجهاته للنظام.

يحضر وسوف في حفل باللاذقية بمناسبة “انتصار الأسد” على منافسيه في الانتخابات التي انتخب فيها المنافسون الأسد بلا شك، فتدمع عيناه تارة فيبكي الجمهور، يغني أغنية للقائد فتهبّ الجموع، يكون في مقدمة الفنانين المدعوين إلى حضور خطاب القسم مؤخرًا، تلاحقه الكاميرات وكأنه بُعِثَ من جديد، وصار مطلوبًا تكريسه، فتشيع الأخبار عن سوء حالته الصحية، وأن بلاده بدأت بالالتفات إليه في مراحله الأخيرة، ثم يأتي خبر بدء العمل في مسلسل عن حياته من قبل جهة خليجية (منصة شاهد) ليتمم المشهد، بأن وسوف وبشكل مفاجئ صار الفنان الأيقوني التاريخي، الذي من المتوقع أن يؤدي شخصيته عابد فهد ويتولى المخرج اللبناني دافيد أوريان دفة إنتاج العمل عنه.

أمام هذا الاهتمام المفاجئ، والتكريس المبالَغ به، تغيب تفاصيل جورج وسوف المعتادة، يصبح هادئًا مطواعًا، متزنًا يحسب حساب الكلمة والحركة والتصريح، يختلف عن المعتدّ بشخصيته، يلبس الثوب الذي تم تجهيزه له فيحاول ألا يبدو فضفاضًا عليه، تزول تفاصيله القديمة بكونه فنانًا كانت تصنَّفُ ذائقة الجيل الشاب السوري بناء على موقفها منه، فجمهور الفنان، كان يحمل صورة نمطية مفادها أنه جمهور لا يملك أذنًا فنية قادرة على تمييز الأصوات الجميلة من الرديئة، خصوصًا مع التردي المتسارع في صوت الفنان بدءًا من عقد التسعينيات نتيجة مشكلاته الصحية، ونمطية مقابلة مفادها أن غير المعجبين به أو كارهيه هم أصحاب الذائقة القيّمة، وأبناء الطرب الأصيل.

لطالما كان جورج وسوف في موقع حاد في التقييم، بين من يلغي عنه قيمته الفنية تمامًا ومن يعطيه إياها بكامل مكوناتها، خلاف آباء مع أبنائهم، وسائقي سيارات أجرة مع ركابهم، وأصدقاء وأحبة… وبالتأكيد كان تأييده الصارخ للأسد منذ 2011، وهو ما كان متوقعًا منه بكل تأكيد، هو آخر ما يجعله أصلًا مثارًا للنقاش والجدل الفني عند فئة كبيرة من الشعب السوري، وغيابه المتقطّع عن الساحة الفنية جعله سهل النسيان حتى عند جمهوره، ليثبت بذلك أنه كان ظاهرة، يمكن أن يغيب أثرها بغياب صاحبها بسرعة. ولم ينقصه بالفعل إلا أن يلتفت النظام له هذه الالتفاتة، ويقبل منه رضوخه الكامل وتبعيته المطلقة بدءًا من ركوعه أمام رامي مخلوف ابن خال الأسد المغضوب عليه حاليًا، وصولًا إلى محاولاته اللاهثة للفت نظر الدولة إليه في ظل أزمة صحية ومادية تعصف به بعد غيابه عن المسارح، وتكرار جملة “بشار الأسد تاج راسي” في أكثر من مكان، ليلتفت الأسد إليه بالفعل، ويجد إمكانية إعادة إنتاج جورج وسوف على هيئة فنان سوري أصيل وطني، خاصة أن ظرف وسوف لم يعد يتيح له أن يكون ذلك الفنان الذي كانه، الفنان لا يعطي قيمة لأي شيء ولأي أحد. صار على وسوف أن يلتزم هذا الكرسي المدولب الذي يجره له النظام أنّى شاء واعدًا إياه بالمزيد من التكريم والتخليد وفتح المسارح له إن كان قادرًا على اعتلائها.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي