منصور العمري
الحيادية من أهم أصول التعليق الرياضي، لكنها لا يجب أن تعني عدم تشجيع طرف ضد الآخر فحسب، بل ينبغي أن تمتد لتشمل عدم الانحياز الجنسي.
تروّج “بي إن سبورت” في موقعها الإلكتروني لأسباب الاشتراك: “إننا الأفضل، لأن لدينا أفضل الخبراء، لأننا نقدم أعلى جودة”، إلا أن ما بثته قناة “بي إن سبورت 2 بريميوم”، مساء 25 من يونيو/ حزيران، يخالف ما تروّج له، إذ عرضت القناة جولات من الجمباز الأرضي للسيدات، بتعليق المعلّق الرياضي عثمان القريني، وكان مستوى المفردات والتعابير التي استخدمها القريني صادمًا. شملت تعابير القريني خلال تعليقه على أداء اللاعبات:
“الأحمر على الشقار ما شالله، اللون الأحمر بيعطي تركيز آآه والله، اللون الأحمر بيعطي تركيييز، بجمالها بعيونها بنظراتها ما شالله عليكِ، والله حرام تحملي الشنتة تقيلة عليكِ، تقيلة عليكِ الشنتة، الشنتة ماخدة جزء من جمالها…”.
عن لاعبة أخرى: “جمال تركيب صيني على أمريكي، أجمل أنواع الجمال الجمال المركب، تخيل تركب مشمش على كرز، ما شالله”
عن لاعبة تشرب الماء: “يسعد هالابتسامة، تعيد الكمامة لكن العيون تبقى موجودة، صحة وعافية محل ما يسري يمري”.
عن لاعبة أخرى: “السمرة الحلوة، السمار الجميل، السمار النحاسي، السمار حلو، السمار حلوووو. عطينا الابتسامة دخليك، عطينا الابتسامة، شوفو على هالعيون، عيون المها، عيون المها يا ماهاا”.
لم تصدمني هذه التعليقات بقدر ما صدمني أنها صادرة عن قناة “بي إن سبورت”، أهم القنوات الرياضية العربية والعالمية، التي يتابعها ملايين العرب بمن فيهم الأطفال.
بداية، تتعارض هذه التعابير مع الإرشادات العامة للجنة الأولمبية في “التمثيل المتكافئ والعادل والشامل بين الجنسين في الرياضة”، التي تنص على “تجنب الإدلاء بتعليقات تقييمية على مظهر الفرد”.
هذه التعابير واللغة المستخدمة مسيئة للمرأة وللمجتمع ككل. فحتى في أبعد لحظات المرأة عن شكلها وألوان ثيابها ومعايير الجمال الذكورية، يصر القريني على استحضار هذه النظرة الذكورية في الوقت الذي تقدم فيه الرياضية خلاصة جهدها وتدريبها وتعبها لسنوات طويلة.
إحدى الرياضيات اللاتي استهزأ بهن القريني، هي لاعبة الجمباز الفني الأمريكية جيد كاري، بطلة أمريكا لعام 2018، والبطلة الوطنية للولايات المتحدة لعام 2017، والحائزة على الميدالية الذهبية في بطولة العالم 2019 وبطولة عموم أمريكا 2018. بدأت كاري التدرب منذ طفولتها، وقضت سنين في التمرين على واحدة من أصعب الألعاب الرياضية، ليأتي القريني ويضرب بعرض الحائط كل هذه الجهود بالحديث عن “شقار شعرها على الأحمر”!
بعض المفردات والتعابير التي استخدمها القريني قد يكون مكانها الغزل بين العشاق أو في مسابقات جمال الأجساد أو عروض الأزياء الجدلية، أو في سياقات أخرى، لكن لا يمكن استخدامها في التعليق على أداء رياضي. بينما التعابير الأخرى التي استخدمها القريني والتي تنم عن انحياز جنسي يجب عدم استخدامها في أي سياق، ومنها: “ولله حرام تحملي الشنتة تقيلة عليكِ، تقيلة عليكِ الشنتة”، تعبر هذه اللغة عن استضعاف للأنثى. في الواقع هذه اللاعبة التي استخف بها القريني قضت سنوات في التدريب الجسدي، وأكاد أجزم أنها قادرة على حمله ورميه بعيدًا عن شاشة التلفاز.
كمثال على مدى الانحياز الجنسي المجتمعي ضد المرأة، بعد انتهاء القريني بدأت معلقة رياضية بالتعليق على مسابقة السباحة، بالطبع التزمت المعلّقة بأصول التعليق وأخلاقياته، لكن تخيلوا معي لو استخدمت المعلّقة هذه التعابير:
“الشورت الأحمر على الشعر الأشقر، ما يبلى الأحمر على الأشقر. آآآه الأحمر بيعطي تركيز. بجماله بعيونه بنظراته، ما شالله عليه. ولله حرام ينزل في المي الباردة. المي باردة كثير عليك. جمالك لاتيني على أمريكي، تخيل تركب التين على المشمش، ما شالله. الأسمر الحلو، الأسمر البرونز، السمار الحلووو. عطينا الابتسامة دخيلك، شوفوا العيووون”.
لو تجرأت أي معلّقة رياضية على استخدام هذه التعابير، لقامت الدنيا ولم تقعد، وربما فُصلت من عملها، ولحقها العار في عملها ومجتمعها وبيتها. في كلتا الحالتين، خلال التعليق على أحداث رياضية، يجب الابتعاد عن هذه التعليقات والتعابير القائمة على الشكل والثياب وغيرها بما لا يرتبط بجوهر التعليق على الحدث. بالمقابل، التعليق الرياضي في “بي إن سبورت” على الجمباز الأرضي للرجال لا يضم مفردات مشابهة، ويشمل الحديث عما يقوم به الرياضي وليس عن شكله أو عيونه أو ثيابه.
ندرة الصحفيات الرياضيات
رغم قلة عدد الصحفيات والمعلّقات الرياضيات مقارنة بالمعلّقين، فإن هذه الندرة ليست السبب الرئيس الوحيد للمشكلة. تعود أصول تعليقات القريني إلى الثقافة المجتمعية في منطقتنا المتخمة بالانحياز ضد المرأة وبالتحرش الجنسي.
لكن إفساح المجال وتشجيع مزيد من الصحفيات والمعلّقات الرياضيات، يوفر جزءًا من الحل لهذه الآفة، لأنهن سيلعبن دورًا في إضافة مزيد من التنوع إلى هذا المجال الصحفي.
لا يجب الاستخفاف بما ارتكبه القريني، ولا بهذا الأسلوب غير المهني أو الاحترافي في التعليق الرياضي الذي لا ينحصر به، بل يمارسه كثير من المعلّقين الرياضيين الآخرين. يجب أن تراعي “بي إن سبورت” أن مشاهديها من كل الأعمار، وبينهم الأطفال والشباب، وأنه لا رقابة على هذه القنوات لأن الأهالي يعتبرونها ترفيهية ومناسبة للأطفال. حين يستمع الأطفال إلى هذا النوع من التعليقات، يعتقدون أنها طبيعية ومقبولة. بالسماح بهذا النوع والمستوى من التعليقات، تسهم “بي إن سبورت” بتنشئة جيل منحاز جنسيًا، يستمرئ التحرش ويمارسه وكأنه أمر مقبول.
لا ينقص مؤسسة مثل “بي إن سبورت” أي شيء لتكون قادرة على توعية معلّقيها الرياضيين وتثقيفهم، وإخضاعهم لدورات التعرف إلى التحرش والانحياز الجنسي وضرورة تحاشيه.
القنوات الواسعة الانتشار تلعب دروًا كبيرًا في تربية أعداد كبيرة من أطفالنا، فإن سمحت بهذا المستوى الأخلاقي المتدني تقوّض جهودًا كبيرة تبذلها المؤسسات الوطنية والمدارس والمنظمات والناشطات والناشطين الذين يحاولون مواجهة ثقافة التحرش والانحياز الجنسي المدمرة، وتغييرها في مجتمعاتنا العربية.
بعد أن أنهى القريني تعليقه “الرياضي” على مسامع الأطفال العرب، وحرف التركيز عن الأداء الرياضي إلى الأحمر والأشقر، ختم تعليقه: “مع تحيات عثمان القريني، إلى اللقاء”، وكأن التحرش حق مكفول للذكر العربي.