سوريا.. المخاض الصعب
عبد الرزاق الحسين
ليس من غرابة الموقف أن يظهر هذا اللغز “فاروق الشرع” الساكن والمنسي في طي الصمت العميق، والمدروس ظهوره وبعناية فجأة، ومن تراكمات آلة القتل والإجرام معلنًا أن “لا أحد يستطيع الحسم العسكري لا النظام ولا الثوار”، ليبث ضوءً وحلًا سياسيًا في نهاية نفق مظلم بعدت بدايته 21 شهرًا من الحراك الثوري السلمي ولاحقًا العسكري، حيث فرض كل منهما معادلة على الساحة المحلية والدولية وإن كان الغرب يهمه المعادلة العسكرية، في حين تبقى السلمية ورقة مقايضة ولعب في الساحة السياسية ويذهب ضحيتها الشرفاء والأغبياء الشرفاء ولكن، ويبدو جليًا قد قاربت نهايته المحتومة كنظام شمولي، ولكنها في نفس الوقت ما زالت غامضة ومجهولة.
ما لهذا التصريح ولهذه الرؤى من مغزى، فهل يسعى النظام لـ “نهاية سعيدة” لفيلمه الإجرامي الحقيقي وتقفل الستارة على مسرح الجريمة؟
أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟
يبدو أن بؤس النظام وتحطم قوته على صلابة وصلادة شباب الثورة، إرادة وسلاحًا وقوة، وبدأ اليأس ينخر عظمه ويستنزف ماله، ويحطم جبهة حلفائه، ها هم (الغرب والعرب) يراهنون على طروادة وحصانه الخشبي الهزيل (الشرع)، والمسوق عالميًا وعربيًا يظهر ملوحًا وكأنه “الجوكر” بفتات ووهم من الحوار والتسوية السياسية (على الطريقة اليمنية أو التونسية)، وقبْل نَفَسه الأخير، غايته الإجهاز على ثورة ليس غايتها إلا نيل الكرامة والعزة.
ونسي أن الجيش الذي قد لا ينتصر على شعبه «يخسر». ويبدو أن إحياء الشرع من سباته في ألفاظه الدبلوماسية تشير إلى سماحية بـ “طعن قوة النظام” لفتح ثغرة لحوار وتفاهم نسبي تتحقق له بعض النتائج المرجوة والمطلوبة دوليًا في “تدويل الصراع”، وبالتالي اعتراف بوجود معارضة “ثوار” في وجه “نظام”، وبهذا يظهر فشل المشروع الإيراني والروسي اللذان يلتقيان نتيجة مع فكرة إيجاد دولة “فاشلة”، ولكن بقوة عسكرية جزئية ولدور وظيفي في المنطقة، فمجرد فكرة التدويل تؤكد عدم إمكانية النظام في حماية “الدولة الرسمية”، علاوة على هدف آخر وبعيد هو تضافر “المحبين والجوار” في حصار الشعب وخذلانه وإيقاف المعونات وتأخيرها، مع تجفيف منابع وإمداد “الحر”، وأقصد الحر عن القبضات العربية والأجنبية، لوضعه في أن يقبل بما يحاك ويرتب لهذا الوطن البائس، وقد نسيت معارضتنا أن عليها أن لا تتحالف مع الشيطان ولكن أن تجبر الشيطان أن يتحالف معها”.
ويبدو أن خطوات السلحفاة لمعارضتنا ليست للحكمة والحصافة بقدر ما هي ضعف وقلة خبرة وتوازنات داخلية، وكل ما استغرب فيها هي محجها إلى فرنسا والبيت الأبيض، بدل أن يكون للشعب والداخل تضع همومه وآماله قوة خلفها، في التفاوض وانتزاع الحقوق.
وقد بدا جليًا انفراط في المنظومة الداعمة لبشار، وأدوار أفرادها، فها هم الروس بدأوا يفشلون بتسويق مبادرات ترتكز على الجزرة وهي تلوح بعصا الدعم، ويبدو أيضًا أن إسرائيل ضاقت ذرعًا بانفلات الشمال وغياب قبضة الممانعة، بعد نشاط “الحر” في القنيطرة، وقد أشارت بعض التقارير إلى مشاركتها بشار في “طرد” الجيش الحر، فبعد أن استهلك الأمريكان الروس ضمن هزلية الفيتو، ونوعية المعارضة ووحدتها، أجهزوا في الطريق على فعاليتها وحولوا المعارضة بيادق بيدهم في حالة استاتيكية (مستقرة) تقف عند لفظ «كش مات» ولكن لا تلفظه، في صمت عربي مقيت يفكر بحفلات رأس السنة وفي أي النوادي يقضونها (في لاس فيغاس أو كازينوهات كان)، في حين السوريون مشردون في بلد لم يعرف التاريخ له يومًا إلا أنه كان ملاذًا للمهجرين، من عرب ومسلمين وغيرهم.
كيف وكل هذه التشابكات، وفي ظل هذه المعادلات التي تدعم وتثبت النظام، أن تولد ثورة من رحم الكرامة والعزة، التي آمل أن لا تثني هذا الشعب الثائر عن مطالبه، فهو ينظر إلى عصا النظام التي يتكئ عليها، وقد آلت للسقوط، فهي ليست بحاجة إلا إلى زفرة يبثها في الهواء ومع “ما النا غيرك يا الله” فلن تبقى عندها من قوته شيئًا. قبل أن يحضر المحبين ويحضرون المخاض ويهدوننا خديجًا أو نصف ثوره إن لم يكن مسخًا أعد بعناية جمال المنظر وسوء الروح.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :