ملاذ الزعبي
كان أدولف يذرع الغرفة جيئة وذهابًا وتوتر واضح يستغرق محيّاه، ما إن تمضي دقيقة حتى يعيد طرح السؤال ذاته على سكرتيرة الحاج أمين: «ما خلص؟». السكرتيرة التي تعاطفت بداية مع هذا الضيف غريب الأطوار ذي الشاربين الشبيهين بشاربي شارلي شابلن سرعان ما عافت حالها من إلحاحه، وبعد أجوبة متفهمة وراجية للانتظار انتقلت إلى جُمل مقتضبة وغاضبة ثم إلى تطنيش وتجاهل مطلقين.
استأنف أدولف مشيته النزقة دون كلل أو ملل، كرسي انتظار الضيوف بقي خاويًا منذ دخوله، والدقائق التسعون التي لطعه بها الحاج أمين مرت بسرعة مباراة كرة قدم مثيرة. أتى الفرج أخيرًا، وأذن للضيف بالدخول. كان الحاج أمين يجلس على كرسي وثير خلف مكتبه في صدر الغرفة الفسيحة فيما تجلس ريم تركماني على كنبة سوداء جلدية على الجهة اليمنى، تفصلها طربيزة عن كنبة مماثلة على يسار المكتب، على الطربيزة كأس زهورات شبه فارغ.
تفاجأ الزعيم الألماني بوجود ريم، ارتبك ولم يعرف كيف يبدأ نقاشه في الموضوع الشائك الذي أتى بصدد بحثه. وفر عليه الحاج أمين مشقة الحرج وأشار له أن يدخل في الموضوع مباشرة. شرح أدولف القصد من زيارته، فموضوع يهود ألمانيا أصبح يؤرقه وهو لا يعرف تمامًا كيف يمكن التعامل معهم. بادره مفتي القدس: «هات ما عندك، بماذا تفكر؟» أجاب هتلر: « تعرف يا حاج أنني لا أطيق اليهود، والمشكلة هناك الكثيرون منهم في ألمانيا، إنهم أكثر حتى من معجبي فراس طلاس».
هنا دخلت ريم تركماني على الخط، عدلت وضعية نظارتها الطبية، مسكت رزمة من الأبحاث كانت في حضنها واقترحت بثقة: لماذا لا تنظم لهم برنامجين للسلم الأهلي والعدالة الانتقالية بطول البلاد وعرضها؟
وكأنّ أدولف هو الشخص الآخر الوحيد في الغرفة، وجه أمين الحسيني كلامه إلى هتلر: ما هو الحل الذي تفكر فيه أنت؟، رد الأخير: كنت أفكر بطردهم من أوروبا. صرخ الحاج فورًا: تطردهم إلى أين يا روح والدتك؟ إذا بدك تطردهم اطردهم لبيت أبوك ولا تطردهم لعندي؟ استكان زعيم الرايخ الثالث بعد صراخ القيادي الفلسطيني فيه أمام سيدة غريبة.
عادت ريم تركماني للتدخل بعد أن أدركت حراجة الموقف: ما رأيك بتنظيم هدن ومصالحات في عدد من الأحياء والبلدات الألمانية؟
وكي يقطع الحاج أمين الطريق على هذا الحل العبقري، سارع لتوجيه نصح بدا أشبه بأمر لا رجعة فيه: احرقهم عن بكرة أبيهم. أطرق أدولف رأسه بالأرض، وعندما همّ بالاعتراض والكلام أرعدته نظرة المفتي القاسية فتراجع وشكر الحاج على وقته الثمين، وغادر المكتب مستهلًا واحدةً من أشنع جرائم التاريخ.