فريق التحقيقات في عنب بلدي
قبل عام 2011 كانت سوريا على موعد مع تحقيق أكبر اكتشاف نفطي في تاريخها على سواحل البحر المتوسط وضمن المياه الإقليمية، وكانت تقديرات الشركات التي أجرت المسح المبدئي من أجل الاستكشاف والمباشرة بأعمال الحفر والتنقيب تقدر بحوالي 2.5 مليار برميل بمعدل 377 ألف برميل يوميًا، ما يمثل 0.2% من إجمالي الاحتياطيات العالمية، أي ما يعادل احتياطيات المملكة المتحدة، وفق تحليل نشره موقع الاقتصادي المتخصص بتاريخ 29 أيار 2014.
أما احتياطيات سوريا من الغاز فكانت تقدر بحوالي 0.3 مليار متر مكعب نهاية 2010، والذي يمثل 0.1% من إجمالي الاحتياطي العالمي.
كان الدافع وراء البحث عن مكامن نفط جديدة هو التنبؤات بنضوب آبار النفط الموجودة آنذاك بحلول العام 2025، ما لم تحصل استكشافات جديدة في القطاع الذي يعمل فيه حوالي 16 ألف عامل، وفق تقديرات وزارة النفط في حكومة النظام.
نحاول في هذا التحقيق الإجابة عن تساؤلات مرتبطة بأهم ثروة طبيعية يملكها الشعب السوري (النفط والغاز)، تتركز حول مصير هذه الثروة في ظل استمرار الأعمال العسكرية، وماذا سيكون مصيرها فيما لو سقط النظام أو انتهى وجود التنظيم، كونه يسيطر على 80% من النفط السوري، وهل لدى الحكومة السورية المؤقتة الخطط اللازمة لإنعاش هذه الحقول واستئناف العمل بها من حيث الإنتاج وبدء التصدير؟
عسكريًا، هل تملك قوات الجيش الحر وبقية الفصائل العسكرية الداعمة للثورة منهجية واضحة لحماية هذه المكامن؟
ويسلط التحقيق الضوء على رؤية المواطن السوري لقطاع النفط والغاز خلال عهد النظام وخلال ما مر من عمر الثورة مع صعوبات تأمين المحروقات بسبب غلاء الأسعار، وكيف يقيّم أداء الفصائل العسكرية التي تسيطر على أهم الحقول والإمدادات؟
نستعرض أيضًا تجربة دول شهدت تحولًا يشابه ما يحصل في سوريا، وكيف كان للعسكريين دور كبير في التحكم بموارد الطبيعة وثرواتها، في محاولة للاستفادة من هذه التجربة.
إلى جانب آراء عدد من الخبراء والمختصين الذي شرحوا الحالة وعاينوها بموجب ما قدمناه لهم من معطيات وخرجوا بجملة توصيات.
يبلغ إنتاج سوريا من النفط وفق تقرير شركة «BP» البريطانية 385 ألف برميل يوميًا، ويقدر الإنتاج السوري من الغاز 28 مليون متر مكعب يوميًا.
وكان الإنتاج يشكل نحو 24% من الناتج الإجمالي لسوريا، البالغ 60 مليار دولار في العام 2010 و25% من عائدات الموازنة و40% من عائدات التصدير.
لكن إنتاج النفط بدأ يتراجع منذ العام 2006، فانخفض من نحو 400 ألف برميل يوميًا ليستقر عند 380 ألف بحلول العام 2011، على عكس الغاز الذي بدأ يشهد ارتفاعات في معدلات الإنتاج لتلبية الطلب المتزايد، وخاصة بعد افتتاح معمل غاز المنطقة الوسطى، في حمص.
بداية الثورة، في آذار 2011، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على النظام حظرت عليه استيراد النفط الخام، وبالتالي توقفت واردات حكومته من القطع الأجنبي، بعد أن كانت ألمانيا وإيطاليا أكبر سوقين لتوريد الخام السوري في العالم، بمعدل استهلاك 23% و31% على التوالي.
أهداف القوى المتصارعة
مع مواجهة الثورة بالعنف من قبل النظام وانتقالها إلى العمل المسلح وتراجع مستويات الأمان في مختلف أنحاء سوريا، وخاصة في المناطق الشرقية (دير الزور، الحسكة) باتجاه الحدود مع العراق، تراجع إنتاج النفط إلى مستويات غير مسبوقة، إضافة إلى انسحاب الشركات العالمية العاملة وسيطرة قوات المعارضة على حقول النفط والآبار ثم الاستيلاء عليها من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية».
هنا، تراجع إنتاج سوريا من 380 ألف برميل يوميًا عام 2010 إلى 9 آلاف برميل في العام 2015، وفق تقديرات وزارة النفط التابعة للنظام.
كانت حقول النفط والغاز ومجمل الثروات الباطنية في سوريا خلال الأعوام الخمسة الماضية من عمر الثورة محط أنظار القوات المتصارعة على الأرض، وهدفًا للكثير من المعارك من أجل السيطرة عليها؛ فالموارد من أهم أساسيات البقاء والتحكم والسيطرة لمختلف الفصائل وللنظام في آن معًا.
لذلك كانت هذه الفصائل باختلاف انتماءاتها وولاءاتها تستميت في السيطرة على النفط والغاز لهدفين رئيسيين، الأول: الحصول على الموارد المالية لتأمين نفقات القتال، والثاني: خلق فرص عمل للسكان المحليين عبر العمل بالتكرير والتسويق والتوزيع.
وخلق ذلك سوقًا جديدة للنفط في حراقات ومصاف بدائية على امتداد شرق وشمال سوريا، ما أدى إلى أضرار خطيرة على المواطنين والبيئة معًا، ولعل هذا ما دفع وزير الطاقة والثروة المعدنية السابق في الحكومة المؤقتة إلياس وردة في 24 آذار 2014 لتوجيه دعوة للمواطنين للتوقف عن استخراج النفط ومشتقاته بهذه الطرق، «نظرًا للتلوث المريع جدًا بصحة المواطنين في تلك المناطق، وآثاره على الزراعة والمياه».
دعوة الوزير ترافقت مع تمني الوزارة بإتاحة الفرصة لها للإشراف على هذه الحقول، وبالتالي رفع الإنتاج إلى 400 ألف برميل يوميًا، وتوفير دخل للأسر المقيمة في تلك المناطق والإشراف على حماية الآبار من قبل الأهالي لكن باسم السلطة الوطنية السورية؛ إلا أن سيطرة تنظيم «الدولة» على هذه الحقول بددت أماني الوزير والوزارة.
أمام هذا الواقع السوداوي لقطاع النفط والغاز والفوسفات، كان لا بد من إيجاد هيكلية تنظيمية تشرف على إدارة الحقول والآبار وتضمن وصول مشتقات النفط إلى المواطنين حيثما كانوا، بأسعار تتوازى مع مستويات الدخل المعدومة في ظل انتشار الفقر والبطالة وبلوغهما معدلات قياسية العام 2015.
لكن وبغض النظر عن الصراعات التي كانت تنشب بين الفصائل العسكرية إثر الخلافات على إدارة حقل أو بئر، سواء من أجل السيطرة أو اقتسام العائدات، بقي النفط السوري يصل إلى كل المحافظات سواء من مناطق تنظيم «الدولة» إلى فصائل المعارضة، أو إلى مناطق النظام وفق عقود منفعة متبادلة مهدت لاستقرار السوق خلال السنتين الماضيتين على الأقل.
هذه الإدارات الوليدة كانت بدائل عن الأجسام الإدارية التي أوجدها النظام السوري قبل العام 2011 سواء عبر شركاته الوطنية (الفرات للنفط، المؤسسة العامة السورية للنفط، شركة دير الزور للنفط، المؤسسة العامة لتوليد الغاز)، أو عبر الشركات الأجنبية العاملة في سوريا، والتي انسحبت أو جمّدت أعمالها عشية الثورة مثل شل وتوتال وسينوبيك وبتروكندا.
أجسام إدارية وهيكلية جديدة ولدت خلال الثورة وتتبع لفصائل المعارضة، أخذت شكل هيئات شرعية أو مجالس عسكرية مهمتها حماية هذه الثروات، لكن المثال الأوضح على نجاح هذه الإدارات تلك التي أوجدها تنظيم «الدولة الإسلامية» ممثلًا بديوان الركاز (مصطلح عربي قديم يدل على مختلف الثروات المدفونة بالأرض)، ومن بعده الوحدات الكردية ونجاحها في تشغيل حقل الرميلان في الحسكة والسعي لتصدير النفط هناك.
النظام السوري وآخر أوراقه النفطية
بعد خسارته الجزء الأكبر من الحقول والآبار يتجه النظام للحفاظ على ما تبقى له من الآبار في وسط سوريا بالقرب من تدمر، حيث حقل “جزل” النفطي الاستراتيجي الذي ينتج وسطيًا بين 2500 و3000 برميل يوميًا، وبعض الحقول شرقي حمص وإنتاجها بحدود 10 آلاف برميل يوميًا.
ويتميز حقل جزل بغناه بنفط خام سهل التكرير، وذلك للإبقاء على شريان توليد الطاقة الكهربائية مستمرًا في المناطق التي لا تزال تحت سيطرته، إذ يعتبر النظام جزل خطًا أحمر، باعتباره من أكبر الحقول النفطية في سوريا، والذي يساهم بشكل كبير جدًا في تأمين الغاز والكهرباء للمنطقة الوسطى بشكل مباشر، ما يعني فقدانه كارثة خدماتية على السكان.
شرقي حمص تتوضع مناجم فوسفات “خنيفيس” الغنية، وبسيطرة التنظيم عليها في أيار من العام الحالي يكون النظام قد خسر آخر مصادر دخله وآخر صادراته من الثروات الباطنية خلال الثورة.
ويعد الفوسفات مصدر دخل مهم للنظام، ففي الربع الأول من هذا العام تم تصدير 345 ألف طن منه بقيمة 35.3 مليون دولار أمريكي، أي بزيادة نسبية تزيد عن 18.2 مليون دولار في الفترة ذاتها من العام الماضي، وفق تقارير غربية، (فاينانشال تايمز).
هذه الخسائر المتتالية للنظام، والتي كان سببها المعارك التي يخوضها في أكثر من جبهة على امتداد المدن والمحافظات السورية، أوجدت معها معاناة للمواطنين الذين يعيشون في ظل سيطرته بسبب فقدان المحروقات بعد رفعه أسعارها بحجة رفع الدعم، ولتأمين نفقات حملته العسكرية على الأرض.
وهو ما اضطر النظام لإبرام صفقات مع حليفة التقليدي إيران، فتح من خلالها خطوطًا ائتمانية لمده بالمشتقات النفطية والسلع قيمتها 3.5 مليارات دولار، وقد أبرمت بين بنك صادرات الإيراني والتجاري السوري عام 2013.
أمام هذا لم يجد المواطنون بدًا من البحث عن بدائل في ظل استشراء الفساد في معظم المؤسسات والهياكل الإدارية المكلفة بإدارة أزمة النفط ومشتقاته والغاز، وكذلك غياب أي رؤية مستقبلية قد تحسن من الواقع الحالي.
تقول أم خالد، موظفة في القطاع الخاص تعيش في ريف دمشق، لعنب بلدي، إنها لا تعتمد كثيرًا على المحروقات في الاستخدام اليومي، بل تركز على الكهرباء لأن الحصول على البنزين أو المازوت أمرٌ صعبٌ بسبب ندرته أحيانًا وارتفاع أسعاره، ويقتصر استخدامها وعائلتها على كميات مازوت كانت مخزنة قبل الثورة وتستخدم الآن للضرورة القصوى، وتوضح «بات الحصول على البنزين والمازوت من بعض كازيات النظام في قلب دمشق وحلب يحتاج لواسطة»، وهذا عبء إضافي جديد.
تبدي أم خالد نظرة أقل تفاؤلًا حيال مستقبل النفط والغاز في سوريا فيما لو انتهى الصراع، وتقول «حتى لو انتهت الأزمة لن تكون السيطرة على الحقول كما كانت عليه من قبل سيكون هناك تقاسمات ومحاصصات من جديد، وستبقى الحقول أهدافًا للسيطرة».
وحول تعاطي حكومة النظام مع ملف المحروقات وعمله على توفيرها بسعر مناسب للمواطنين رغم رفعه الأسعار بشكل متتال، تضيف «الحكومة لم تنجح في إدارة هذا الملف، رفعت الأسعار دون أدنى تفكير بالدخل اليومي والشهري للمواطنين… هناك تهريب للمواد، والدعم يذهب لغير مستحقيه، فضلًا عن التلاعب اليومي بالأسعار والغش والاحتكار».
أحمد ح، طالب جامعة في حمص، يبدي قلقًا على مستقبل النفط في سوريا، ويعتقد أنه يجب توزيع عائدات التصدير والبيع على كل السوريين وتوظيفها في التنمية، اقتداءً بتجارب دول مرت بما مر به الشعب السوري.
وفي حزيران الماضي، رفعت حكومة النظام سعر البنزين بمقدار 10 ليرات لليتر، ليصبح 150 ليرة بدل 140، وسعر زيت الكاز ارتفع من 130 إلى 140 ليرة، وسعر الفيول من 105 آلاف ليرة للطن إلى 112 ألف ليرة. (الدولار يقابل 340 ليرة وفق تسعيرة السوق السوداء).
معاناة العسكريين والمدنيين “واحدة“
يشارك العسكريون المواطنين معاناتهم في تأمين المحروقات والحصول عليها، يضاف إلى ذلك أعباء تأمين القوافل من المصدر حتى المستودعات وأماكن التفريغ في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
النقيب علي أبو أحمد، القائد الميداني في ألوية سيف الشام (قطاع جنوب درعا)، يقول إن تأمين المحروقات بأنواعها يتم من خلال تجار الوقود الذين يقومون بتأمينه من مناطق سيطرة النظام أو من الشمال السوري عبر مناطق سيطرة تنظيم الدولة، ويدخلونه إلى المناطق المحررة بطرق خاصة، وبحسب أبو أحمد تشهد عمليات إدخال المحروقات لمناطق المعارضة صعوبات كبيرة، بسبب انقطاع الطرقات أو احتكار البعض للوقود، لكنه يستدرك «سرعان ما نجد حلولًا لتلك الصعوبات».
وعن دور الجبهة الجنوبية في حماية القوافل أو المنشآت العامة والخاصة التي تهتم بتوفير المحروقات والنفط لمنطقة درعا وريفها، يقول النقيب «إننا نحمي قوافل الوقود عند دخولها إلى مناطق سيطرتنا مباشرةً، كما نقوم بتأمين القوافل خلال سيرها حتى وصولها إلى مناطق التفريغ والمستودعات، ونؤمن الطرق العامة والفرعية ضد تسلل أي جهة يمكن لها زرع الألغام على تلك الطرقات.
يشير أبو أحمد إلى أنّ «الجبهة الجنوبية لديها مجموعة خاصة مهمتها حماية وتأمين مستودعات الوقود والتي تكون محصنة ضد قذائف النظام والبراميل المتفجرة، كما جهزت مستودعات سرّية مؤمنة يتم من خلالها تزويد القوات وباقي فصائل الجبهة الجنوبية حسب حاجة الأعمال العسكرية الثورية واستطاعة تلك المستودعات»، وفق قوله.
المحروقات … واقع عقيم في مناطق المعارضة
تعد الحكومة السورية المؤقتة، ممثلة بوزارة الطاقة، إحدى الواجهات السياسية التي من المفترض أن تدير هذا القطاع في سوريا خلال الفترة الحالية والمقبلة، لكن عدم قدرتها على السيطرة على الأرض نظرًا لغياب قوات تمثلها، جعلها مشلولة وبعيدة عن مناخات السيطرة والتحكم بقطاعي النفط والغاز، واكتفى دورها بالمراقبة عن بعد.
اليوم، لا يوجد حقول نفط وغاز وفوسفات بيد فصائل الجيش الحر المتعاونة مع الحكومة، وهي تستورد النفط الخام وتكرره بأساليب بدائية في مناطق سيطرتها، كما تستجر المازوت والكاز والبنزين من مناطق سيطرة «الدولة الإسلامية”، وفق عقود واتفاقات متبادلة بين الطرفين، وكذلك من مناطق سيطرة النظام عبر تمرير الصهاريج على الجواجز للمناطق الخارجة عن سيطرته أو المحاصرة بعد دفع أموال للعناصر على الحواجز.
يقول أبو محمد، تاجر محروقات من بلدة الغارية في ريف درعا، لعنب بلدي، «يبلغ سعر ليتر البنزين في ريف درعا الخاضع لسيطرة المعارضة 375 ليرة، وسعر ليتر المازوت 400 ليرة، وهناك نوعان للمازوت: أخضر سعر الليتر 450 ليرة، وأحمر 400 ليرة».
وحول مصدر المحروقات التي تباع للمواطنين يؤكد أبو محمد أن «المحروقات تباع على البسطات وأصبحت مصدر رزق لكثير من العائلات، تأتي من المناطق الشرقية بدرعا، وبعضها من كازيات النظام وتصل إلينا بعد معاناة كبيرة بسبب المعارك وقيام النظام بإغلاق الطرقات بسبب الأعمال العسكرية».
بينما يرتفع سعر الليتر في المناطق المحاصرة كالغوطة الشرقية لدمشق، وداريا، إلى أكثر من 1000 ليرة، بسبب منع الحواجز المحيطة من دخول المواد إليها.
فارق الأسعار
وبالمقارنة مع أسعار المحروقات في مناطق النظام نلاحظ ارتفاع الأسعار بمقدار الضعف على الأقل، ما يفرض عبئًا اقتصاديًا كبيرًا على المواطنين في مناطق المعارضة، والذين يعانون أساسًا من البطالة وويلات القصف اليومي.
يشير أحد المواطنين داخل درعا المدينة، رفض كشف اسمه، إلى أن مناطق سيطرة النظام في درعا تشهد شحًا في المحروقات ويعاني المواطنون من احتكار التجار للمواد ما يؤدي إلى رفع أسعارها. ووفق قوله فإن «حاجة الناس لهذه المواد يدفعها للشراء بأسعار مرتفعة في ظل انعدام المراقبة والمحاسبة».
وفي نفس السياق تبدي خولة محمد، المقيمة في المدينة دون عمل، تخوفها من الشتاء المقبل ومن عدم القدرة على توفير المحروقات لزوم التدفئة، وهو ما سيضطرها للبحث عن بدائل ربما يكون من الصعب توفيرها حاليًا كالكهرباء والحطب
تجارب بدائية في المناطق المحررة
ويعمد أهالي المناطق المحررة إلى تكرير النفط من آباره بمعداتٍ بسيطةٍ وانقطاع إمدادات النظام، بينما يعمل بعض المدنيين في مدينة داريا على صناعته من مادة البلاستيك متبعين أساليب بدائيةٍ، إلا أن المواد الناتجة تسبب مشاكل صحية للعاملين على استخراجها.
وفي حديثه لعنب بلدي يوضح أبو النور، وهو أحد العاملين في هذا المجال، طريقة استخراج المازوت من البلاستيك، «بعد إذابة البلاستيك في البرميل فوق درجات حرارة مرتفعة، يمر بخاره عبر أنبوب مغمور بالمياه الباردة، ليتحول إثرها البخار إلى سائل»، وتسمى هذه الطريقة علميًا بـ «التقطير».
في الغوطة الشرقية، ينقل السيد أبو محمد، من المكتب الإغاثي الموحد، أن وحدة تنسيق الدعم (التابعة للمعارضة) مولت جزأين من مشروع الزراعة المتكامل صيف 2014، أحدهما مشروع إنتاج الوقود الحيوي (غاز الميتان) بحفر 100 حفرة فنية لتوليد الغاز واستبداله بالوقود لتشغيل مضخات الري، معتبرًا أن الإنتاج كان جيدًا قياسًا بالمتوقع.
إلا أن هذه الطرق، إلى جانب تكرير النفط الخام القادم من مناطق سيطرة «الدولة»، تسبب حالات احتراق والتهاب قصبات وضيق في التنفس، كما تنتشر إشاعات حول تشوهات في الأجنة المولودة حديثًا بسبب التلوث، لكنها لم تؤكد بعد.
وتعتبر جودة المادة الناتجة سيئة، وكثيرًا ما ينتج استخدامها أضرارًا في المحركات والمولدات، ولا يعوّل الخبراء على استدامة هذه الطرق على اعتبارها «حلولًا مؤقتة لا ترقى للمشاريع الوطنية».
خبير نفطي: شركات النفط العامة التابعة للنظام «ملاجئ توظيف»
مصدر مسؤول في وزارة الطاقة في الحكومة السورية المؤقتة، رأى أن الحكومة مستعدة للإشراف على قطاع النفط السوري فيما لو انتهت المعارك وعاد عامل الأمان إلى مناطق تواجد الحقول والمنشآت النفطية، مشيرًا إلى أن الكوادر البشرية الحالية مؤهلة لذلك، وعددها يغطي جميع الحقول والآبار، وتضم عمالًا وفنيين ومهندسين وغيرهم.
وقدّر المصدر خسائر قطاع النفط السوري بنحو 4 مليارات دولار، كما أن القصف الروسي زاد من الخسائر نظرًا لشدته.
الحكومة بالشكل الحالي غير قادرة على العمل، نظرًا للظروف والمتغيرات على الأرض بسبب المعارك، وفق الصالح، مشيرًا إلى حاجتها للمال من أجل تشغيل العمال بالحد الأدنى.
وحول رأيه بعمليات الإصلاح للمنشآت المتضررة، قال إنه «من الممكن البدء بإصلاح الحقول والمنشآت ومحطات الضخ وخطوط النقل فور استقرار الأوضاع، ويمكن تمويل ذلك من مبيعات النفط المستخرج”.
ومن الخطأ، بحسب المصدر، فيما لو استقرت الأوضاع، العودة إلى الآلية أو المنهجية التي كان يدير بها النظام السوري قطاع النفط، لجهة قانون الاستثمار وعقود الصيانة وغيرها، إذ كانت تسود المحسوبيات والفساد وهدر الملايين من الدولارات، مبينًا ضرورة استصدار قوانين وتشريعات واضحة تضمن حقوق كل الأطراف بشفافية عالية وعلى العلن.
واعتبر المصدر أن الشركات الحكومية السابقة كانت عبارة عن «ملاجئ توظيف»، نظرًا للكم الكبير من العمال الذين يعيّنون دون الحاجة إليهم، فالمنشأة التي تحتاج 3 آلاف عامل كان يفرز عليها 10 آلاف عامل.
وحول إمكانية عودة الشركات الأجنبية للاستثمار، قال المصدر «علقت الشركات الأجنبية العمل في سوريا ولم توقفه، وذلك بسبب العقوبات، ففي 13 تشرين الثاني 2011 قررت هذه الشركات التوقف عن العمل مع المؤسسة العامة للنفط وبالتالي توقف الدعم المالي والفني»، معتبرًا أن «الشركات هي من يطلب وينادي للاستثمار في سوريا، وبالتالي لا بد لهم من العودة إلى سوريا لاسترداد أموالهم واستثماراتهم».
تنظيم «الدولة الإسلامية» الرابح الأكبر
يسيطر تنظيم «الدولة الإسلامية» على الحقول في مناطق الشدادي والجبسة والهول وبالقرب من مركدة وتشرين كبيبة في ريف الحسكة الجنوبي، وهي تشكل حوالي 10% فقط من آبار الحسكة.
بعد خسارة النظام لغالبية الحقول النفطية، وأبرزها مجموعة حقول دير الزور الأكثر غزارة والتي سيطر عليها تنظيم «الدولة» صيف 2014، أصبح النفط سلاح التنظيم الذي يدر عليه نحو مليوني دولار يوميًا وفق إحصائيات جمعتها مجلة «عين المدينة» المحلية، والتي أفردت دراسة موسعة عن القضية في عددها الخاص شهر آب 2015.
ويتراوح سعر البرميل الخام المستخرج من حقلي العمر والتنك بين 20 و45 دولارًا.
ضربات التحالف تعيق استخراج النفط
ما إن أعلن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية عن بدء تنفيذ طلعات جوية ضد التنظيم في أيلول 2014، حتى تباطأ استخراج النفط من الحقول التي يسيطر عليها التنظيم، وتوقفت عمليات الاستخراج في كل حقول دير الزور، باستثناء حقل كونيكو المستخدم لاستخراج الغاز، الذي يغذي 6 محافظات، لكن عمليات الاستخراج عادت لتستأنف من جديد وهي لا تزال مستمرة حتى الآن.
خلال أيار الماضي فتحت سيطرة التنظيم على حقول خنيفيس للفوسفات شرق تدمر الباب أمام عوائد جديدة يمكن الاستفادة منها، لكن الخبراء قللوا من أهمية السيطرة معتبرين المنفعة المتأتية معنوية فقط، نظرًا لصعوبة استثمار أو بيع هذه المادة، إذ يجب أولًا تحويلها إلى حمض فوسفوري ثم ثنائي فوسفات الأمونيوم الذي يدخل في تركيبة الأسمدة الزراعية.
النفط مقابل الغذاء
خلال حزيران 2015 توترت العلاقة بين التنظيم وأطراف من المعارضة المسلحة على امتداد سوريا في حلب وإدلب وحماة، ليقطع التنظيم إمدادات النفط عن المواطنين في تلك المناطق ما خلق واقعًا مأساويًا، وهدد الوضع الكارثي عشرات المشافي الميدانية والأفران والمعامل بالإغلاق وخلق حالة شلل في تلك المناطق، ما حدا بالمعارضة إلى طلب النفط من تركيا وبالأسعار العالمية.
لكن سرعان ما أعلنت فصائل المعارضة عن فتح الخطوط والسماح بنقل النفط ومشتقاته إلى مناطق سيطرة المعارضة، شمالي سوريا، مقابل السماح لشاحنات المواد الغذائية والتموينية بالمرور إلى مناطق سيطرة التنظيم.
النظام و “الدولة الإسلامية”.. زواج مصلحة
قيل الكثير عن العلاقة بين النظام السوري والتنظيم، فالطرفان يتقاسمان السيطرة على 90% من موارد سوريا من النفط والغاز، ويتقاسمان المنفعة بطبيعة الحال.
بداية عام 2014 نقلت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية عن مصادر استخباراتية أن نظام الأسد أنعش التنظيم والجماعات المتطرفة بشراء النفط منها مقابل مبالغ مالية كبيرة، وباتت العلاقة بين الطرفين أشبه بذلك الوضع الذي شهدته شيكاغو في العشرينيات من القرن الماضي، عندما أجرت الحكومة الأمريكية اتصالات مع عصابات المافيا، مقابل تبادل المنفعة عبر السيطرة على الموارد، وفق تعبير مصدر في إحدى شركات الطاقة السورية.
لكن خلال العام الحالي استمرت العلاقة بالنمو وتوطدت، وتقول الصحيفة، في 19 تشرين الأول الجاري، إن نظام الأسد والتنظيم يعملان سويًا ويتعاونان، ويدفع النظام الأموال مقابل الحصول على الطاقة، كما يدفع بالموظفين للعمل في منشآت لتوليد الكهرباء خاضعة لسيطرة تنظيم «الدولة»؛ لكن وزارة النفط السورية قالت إنه «لا تعاون مع الجماعات الإرهابية بهذا الخصوص».
وتقول التقارير إن الحكومة السورية تقوم بتشغيل الشركات التي تضم موظفين مدربين ومؤهلين يعملون على تشغيل منشآت الطاقة ومحطات توليد الكهرباء، وإن تنظيم الدولة يسيطر على الكثير من منشآت الطاقة، بما يجعل التعامل بين الجانبين أمرًا ضروريًا من أجل الاستفادة من البنية التحتية للبلاد.
يقيم نظام الأسد وتنظيم «الدولة» علاقات تعاون في حقل توينان للغاز، وهو واحد من أهم مصادر الطاقة في سوريا، فيما يخضع الحقل لسيطرة التنظيم حاليًا، وفق ديلي تلغراف.
رغم العلاقة الوطيدة بين «الدولة» والنظام، إلا أن التنظيم يلجأ بين فترة وأخرى لاستصدار قرارارت توصل صورة للعلاقة بين الطرفين على أنها ليست بأفضل أحوالها، إذ اشترط في تشرين الأول الحالي دفع ثمن النفط بالدولار الأمريكي حصرًا، علمًا أنه كان سابقًا يقبل الدفع بالليرة السورية، وحدد سعر البرميل بـ 40 دولارًا أي ما يعادل 13000 ليرة سورية.
يأتي ذلك، تزامنًا مع إصدار التنظيم قرارًا بمنع تداول العملة السورية الجديدة فئة 1000 و500 ليرة، بحجة إضعاف اقتصاد النظام السوري.
ليس في حقل توينان للغاز فقط يتعاون النظام مع التنظيم، وهنا تنقل مجلة عين المدينة أن علاقة تعاون توطدت بين الطرفين في حقل العمر ومعمل كونكو للغاز، حيث تزود محطة توليد الكهرباء داخل حقل العمر معمل كونكو بالطاقة الكهربائية ويقوم المعمل بدوره بتزويد محطة توليد العمر للكهرباء بالغاز اللازم لتشغيلها، وبالتالي لا تستغني المنشأتان عن بعضهما، وهذا ماكان معمولًا به قبل أن ينجح التنظيم في فصل الغاز المرافق للنفط.
إضافة إلى ما تقدم؛ تعد شركة أنيسكو واحدة من الشركات الخاصة التي تقدم خدماتها في مجالات الصيانة للحقول والآبار، والعاملة في المنطقة الشرقية. بعد الثورة استمرت الشركة بالعمل بل وتكيفت مع الوقائع الجديدة ولم تتبدل بتبدل القوى المسيطرة في دير الزور، بل عادت ورشاتها الفنية لتتنقل بين مشاريع تنظيم الدولة ومشاريع النظام السوري وفق مجلة عين المدينة، وكنتيجة لهذا التعاون بين الطرفين فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على مالك الشركة جورج حسواني في آذار 2015.
وقال الاتحاد الأوروبي إن «رجل الأعمال حسواني عمل كوسيط في عقود نفط بين سوريا والتنظيم، الذي استولى على مساحات شاسعة من الأراضي في العراق وسوريا، وأضاف الاتحاد اسمه لقائمة العقوبات التي يفرضها على أنصار الرئيس السوري بشار الأسد”.
إدارة الأكراد الذاتية تبدأ التصدير
يسيطر مقاتلو حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) على معظم مدينة الحسكة منذ صيف 2012 بعد انسحاب القوات النظامية من المنطقة، وتعد الحسكة وريفها إلى جانب دير الزور الخزان النفطي لسوريا، كونها تضم أكبر الحقول النفطية في البلاد، وأهمها حقلا السويدية والرميلان.
تسيطر الوحدات الكردية على كامل حقول الرميلان وعلى مصفاة الرميلان، وعلى حقول كراتشوك وحمزة وعليان ومعشوق وليلاك، ويبلغ عدد الآبار النفطية التابعة للحقل 1322 بئرًا، وهناك 25 بئرًا للغاز المسال في حقل السويدية بالقرب من حقل الرميلان النفطي.
يقول الناشط الإعلامي في الحسكة، سالار الكردي، لصحيفة الشرق الأوسط في 2 تشرين الثاني 2013، “إن قوات الحماية الشعبية الكردية تحكم السيطرة على رميلان الذي يعد الآن بعهدة حزب PYD، وهي المدينة النفطية الأولى على مستوى سوريا».
وتعود أهمية هذا الحقل الاستراتيجية إلى أنه الحقل الوحيد الذي يغذي مصافي النفط في حمص وبانياس، اللتين تقعان في نطاق سيطرة النظام على الساحل، وهو المصدر الوحيد لنفطه في سوريا.
ويشير الكردي إلى أن النظام السوري أمر صيف 2012 بتسليم الحقل إلى قوات PYD، قبل عودة القوات النظامية لمساندة القوات الكردية في القتال للاحتفاظ بالحقل.
وكانت قوات النظام والجيش الحر وجبهة النصرة وأحرار الشام تسيطر على حقول الريف الجنوبي للحسكة، وأهمها حقول منطقة الشدادي، قبل أن تسيطر «الدولة الإسلامية» عليها في صيف 2013.
بدء إنتاج النفط في مناطق الإدارة الذاتية
مع إعلان قوات النظام خروجها من مناطق الحسكة لتحل مكانها القوات الكردية، توقف العمل في حقول نفط المنطقة وخاصة حقل الرميلان، الذي ينتج حاليًا 15 ألف برميل يوميًا (كان الإنتاج قبل العام 2011 نحو 165 ألف برميل).
فالانسحاب رافقه خروج الشركات العاملة، وقبلها فرض العقوبات الدولية على قطاع النفط السوري، لكن القائمين على ملف الطاقة في الإدارة الذاتية الكردية باشروا العمل في هذه الحقول، والتي تتولى وحدات حماية الشعب حمايتها، وكانت المرة الأولى التي يتم فيها إنتاج نفطي في تلك المناطق بعيدًا عن سلطة النظام السوري في دمشق خلال العام 2015.
ويقول رئيس هيئة الطاقة في الإدارة الذاتية الكردية، المهندس سليمان خلف، لوكالة فرانس برس، إنها «المرة الأولى التي نقوم فيها بإنتاج النفط وتكريره وتوزيعه».
لكن عملية التوزيع هذه أعاقها عدم وجود مصاف للتكرير في منطقة الجزيرة وخاصة في الحسكة وريفها، حالها كبقية القطاعات الاقتصادية، بسبب غياب ما يعرف بمفهوم «العناقيد الصناعية» اللازمة لإنتاج وتسويق القطن والقمح وغيرها من المحاصيل الاستراتيجية.
يرى خلف أن أنابيب النقل الواصلة بين حقول الجزيرة في المنطقة الشرقية ومصافي التكرير في مدينتي حمص وبانياس تعرضت لعمليات تخريب وسرقة، فتوقف 1300 بئر نفطي (في حقل رميلان) عن العمل بشكل كامل، وأعيد تشغيل 150 منها منتصف العام 2014.
لكن مصدرًا في وزارة الطاقة في الحكومة المؤقتة أكد لعنب بلدي أن الإدارة الذاتية باشرت بتصدير النفط إلى كردستان العراق، ومنه إلى الأسواق العالمية، بحجم إنتاج 60 إلى 70 ألف برميل يوميًا، من حقول الرميلان.
التجربة العراقية.. هل تفيد؟
لعل الحالة التي تمر بها سوريا والمحاصصات المفضية إلى تقسيم سوريا إلى كانتونات صغيرة أشبه بدول داخل دولة، تشبه إلى حد كبير ما مر به العراق إبان الغزو الأمريكي بعد العام 2003.
إن تجربة العراق بعد تقسيمه إلى مناطق وأقاليم ذات صبغة طائفية وقومية يشبه إلى حد ما الوضع السوري الراهن، فالاحتلال فكك البلاد إلى كانتونات وحلّ الجيش، وأخرج السلطة من يد الحكومة المركزية وعمل على تسييد الحكم اللامركزي، والذي عبره باتت السيطرة على النفط والغاز أهم خطوات حكام أو ممثلي هذه الأقاليم.
يقتصر الإنتاج في سوريا على الاستهلاك المحلي مع بعض محاولات الإدارة الذاتية الكردية في سوريا تصدير النفط عبر إقليم كردستان.
بالنسبة للاستثمارات خلال فترة الاحتلال في العراق وخلال الثورة في سوريا، نجد، وفق دراسة منشورة في جريدة الخليج للكاتب توفيق المديني، أنه «عشية الاحتلال الأمريكي للعراق استغلت الولايات المتحدة المرحلة وفراغ السلطة لخصخصة الصناعة النفطية العراقية لمصلحة الشركات الاحتكارية الأمريكية، الأمر الذي تخشاه البلدان المنتجة للنفط ومنظمة الأوبك، خاصة شركة بيكتيل للنفط ومجموعة شركات بارسون».
في الوضع السوري، المقاربة بعيدة التحقيق حاليًا لانعدام الأمن ولاستمرار الصراع عسكريًا، ولعل المستقبل يكشف مدى تحقق هذه الرؤيا بناء على مخرجات ونتائج الصراع بين الدول الإقليمية والعالمية في سوريا.
وعقب الانسحاب الأمريكي من العراق عام 2008 سلمت الولايات المتحدة أمور قطاع النفط للحكومة العراقية، وبقيت الشركات الأمريكية تعمل في السوق العراقية في مجالات التنقيب والاستخراج، وقد عزز التواجد الأمريكي الاقتصادي هناك الهدوء الأمني ووجود حكومة وقوات نظامية تتولى المسائل الأمنية، لكن في سوريا من المبكر الحديث عن هذا الجانب ما لم تستقر الأوضاع الأمنية وتتوقف المعارك بين الأطراف المتحاربة.
أين توظف عائدات النفط السوري؟
تتعدد توظيفات العوائد المتأتية من استخراج وبيع النفط والغاز السوريين بحسب القوات التي تسيطر على مكامن هذه الثروات، لكنها في المجمل تذهب لتدعيم المقاتلين للاستمرار لأطول فترة ممكنة في هذا الصراع.
وبالحديث عن «الدولة الإسلامية» والنظام السوري، كونهما يسيطران على النسبة الأكبر من نفط وغاز سوريا، فإن العائدات تذهب لشراء الأسلحة ولتأمين رواتب المقاتلين. وكون النظام محروم من التصدير بسبب العقوبات الدولية فإنه يسعى جاهدًا لسد حاجة السوق بالمشتقات وتخفيف فاتورة الاستيراد. ومن أجل ذلك طالبت الشبكة السورية لحقوق الإنسان المجتمع الدولي بمحاسبة كافة الشركات والأفراد المتعاملين مع نظام الأسد وتنظيم «الدولة» في مجال بيع وتصدير النفط، كون كل منهما يستخدمان عائدات النفط بشكل رئيس في شراء أسلحة وتمويل حملات عسكرية ثبت قيامها بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب بحق الشعب السوري.
استمرار النزيف مع غياب الحل السياسي
من المتوقع أن يستمر نزيف قطاع النفط والغاز في سوريا، ومعه ستستمر معاناة السوريين في تأمين موارد الطاقة والمحروقات في ظل استمرار المعارك وانعدام البيئة الاستثمارية الصحيحة التي تضمن الحقوق لجميع الأطراف، الحل المنظور الآن هو أن تعود بيئة الأمان لقطاع الأعمال في سوريا بينما يتوقف الصراع بشكل كامل، بعدها يمكن الحديث عن أولويات من أجل إعادة بناء هذا القطاع والإقلاع به مجددًا وسط شفافية ووضوح بشكل تام.
ويرى خبير طاقة في دمشق (رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية)، أنه «لا شك بأن الحكومة السورية المقبلة ستواجه تحدّيات مالية هائلة بعد انتهاء الحرب، حيث إن تدهور السمعة التي اكتسبتها في إدارتها لشؤونها يلحق أضرارًا شديدة بمستقبل قطاع الطاقة في البلاد».
وأضاف «بالنسبة لمستقبل قطاع النفط والغاز الذي سيصبح قطاعًا وليدًا ورافدًا جديدًا لميزانية الحكومة السورية، فسيعاني كثيرًا في الفترة المقبلة بسبب توقف العديد من الآبار والحقول عن العمل وحاجتها للصيانة، والتي بدورها ستحتاج إلى تكاليف وفترة زمنية لابأس بها، إلى جانب قضايا التحكيم التي ربما سترفعها شركات نفط وغاز دولية ضدّ النظام الذي يواجه خطر خسارة ما اكتسبه من سمعة ارتبطت بكونه يؤمّن مناخًا أكثر مواتاة للأعمال بالمقارنة مع جيرانه».
يعتقد الخبير أن استيلاء تنظيم «الدولة الإسلامية» على آبار النفط في المناطق الشرقية تسبب بعجز مالي كبير وفاقم المأساة جراء مغادرة المستثمرين الأجانب والشركات الدولية من سوريا، فتحوّلت سوريا نحو إيران والعراق لرأب النقص وسد احتياجات السوق.
النقطة الأهم في المرحلة الراهنة أنه لا يُتوقَّع الحصول على مزيد من العون من إيران، حيث زادت الحرب مع تنظيم الدولة الإسلامية والتراجع المستمر في أسعار النفط العالمية من وطأة الأعباء المالية للنظام.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :