الأسد يحمل العسكر إلى مستقبل سوريا
عنب بلدي – أمل رنتيسي
لم يخلُ خطاب رئيس النظام السوري، بشار الأسد، الأخير من الرسائل السياسية، لكنه ركّز فيه على دور العسكر، ابتداء من حجم الحضور العسكري إلى مفردات الخطاب التي ركّزت على تمجيد الوجود العسكري وإصراره على ما يصفه بـ”تحرير بقية أراضي الوطن”.
خطب أمام الحاضرين خلال مراسم أداء “اليمين الدستورية”، في 17 من تموز الحالي، بـ”القصر الجمهوري”، حول “الإيمان بالجيش”، إذ قال، “إيماننا بجيشنا واحتضاننا له حقق الأمن، وهو الذي سيكمل التحرير ولو بعد حين”.
ولم يكن الوجود العسكري في مراسم أداء “اليمين الدستورية” أمرًا لافتًا خلال المرات السابقة، إلّا أن الخطاب شهد هذه المرة حضور حوالي ربع الموجودين في “قصر الشعب” بالزي العسكري.
قارنت عنب بلدي بين صورة الحضور هذه المرة وبين صور مراسم “أداء اليمين” في عام 2014، إذ لم يشكّل الوجود العسكري عددًا ملحوظًا آنذاك.
وصارت العادة بالنسبة للأسد أن يؤدي “قسمه الدستوري” في “القصر الجمهوري” بدلًا من مجلس الشعب، رغم أن الدستور ينص “على أن الرئيس المنتخب يؤدي قسمه في مجلس الشعب قبل أن يبدأ مهامه الرئاسية”.
بروتوكولات جديدة لأداء القسم أحدثها الأسد
يشير الدبلوماسي السوري السابق والباحث غير المقيم في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” داني البعاج، في حديث إلى عنب بلدي، إلى سوابق تاريخية في أداء القسم الدستوري، فالقسم يكون في مجلس الشعب وبحضور أعضاء المجلس، أما في الشرفات العُليا للمجلس فيحضر الضيوف، الذين يختارهم “القصر الجمهوري”.
وأوضح البعاج أنه منذ تعديل الدستور عام 2014، أراد وزير شؤون رئاسة الجمهورية، منصور عزام، وهو المعني بتنظيم بروتوكولات التنصيب، تغيير أسلوب خطاب القسم الذي أصبح في القصر الرئاسي، وذلك لحماية بشار الأسد أمنيًا، وصار يدعو الحضور إلى قصر “الشعب”.
ووفق الدبلوماسي السابق، فإن الأسد يستخدم الآن الأسلوب الاحتفالي للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وهو المشي بمفرده إلى القاعة وتأدية القسم، كما رافق الأسد في المراسم الأخيرة عنصران من “الحرس الجمهوري”.
وحول الحضور العسكري قال البعاج، إن للنظام رسائل سياسية تشير إلى هدوء الجبهات وانتهاء الأعمال العسكرية والأعمال الحربية القوية، وهو ترويج لفكرة “الانتصار”، وها هم العسكر صاروا موجودين أمامكم على الكراسي.
العسكر.. دعامة آل الأسد
من جهتها، ترى الدكتورة في العلوم السياسية والمحاضرة بجامعة “لانكستر” في بريطانيا رهف الدغلي، أن هناك مفارقتين لتفكيك ماذا يريد الأسد من زيادة أعداد العسكر في تلك المراسم.
الأولى هي أن نظام الأسد أتى بانقلاب عسكري، وكان جناحه العسكري الدعامة الأساسية لبسط نفوذه وسيطرته.
والمفارقة الثانية هي أن نظام “البعث”، تحت حكم حافظ الأسد، وتلاه ابنه بشار، كان قد اعتمد على تكريس أيديولوجية عسكرية تستخلص وتستأثر بمفهوم المواطنة والأحقية بالانتماء أو صفة “المواطن الشريف” مع مدى التأييد للجيش والرموز العسكرية.
الزيادة العسكرية هي مجرد إضفاء رمزي لما كان يروّج له النظام دومًا في خطاباته، وهي أن الآلة العسكرية هي من قامت بالانتصار، وأن إنقاذ الوطن جاء بإخلاص الجيش لرمز الأسد وبقائه، حسب الدغلي، التي عملت سابقًا على تحليل خطابات الأسد، ويُنتظر أن تصدر كتابها الأول حول الذكورية والوطنية في الخطابات الرسمية في سوريا.
ففي عام 2015، ومع بدء التدخل الروسي وازدياد وتيرة الأعمال العسكرية، عمل الأسد خلال خطاباته على تقليص وتقزيم الانتماء إلى سوريا بمدى القدرة على الدفاع والتضحية الجسدية، وهي إشارة إلى أن الأسد يعيد تشكيل الوطنية السورية على أساس عسكري، وبالتالي تطبيع “أيديولوجية العسكرة”.
وأضافت الدغلي أنه لا يمكن فصل رمزية زيادة عدد العسكريين في هذا الخطاب عن السياق العسكري الحالي والجيوسياسي الملم بسوريا.
وكان الأسد أشاد، خلال خطابه، في الحضور من عسكريّي القوات المسلحة، الذين وصفهم بـ”درع الوطن ومنبع البطولة الذين صمدوا ودافعوا عن الوطن”، مشددًا على “تحرير ما تبقى من الأرض من الإرهابيين، ومن رعاتهم الأتراك والأمريكيين”، بحسب تعبيره.
وبحسب الدغلي، فإن الأسد يذكّر المواطنين بأن المعركة ما زالت مستمرة، وأن بقاء الوطن هو معتمد أساسًا على مقدرة الجيش على السيطرة ما تبقى من سوريا، إذ قال حرفيًا، إن هناك أمرين سيواجههما: تحرير بقية الأراضي السورية، والأزمة الاقتصادية.
وتعتقد الدغلي أن إيلاء معركة التحرير أهمية على حساب الأزمة المعيشية التي يعيشها المواطن العادي ما هو إلّا إعادة تكريس لمفهوم أن الوطن هو بجيشه، وهي من سمات الدول المستبدة غير المعنية بكرامة وحرية مواطنيها.
العودة إلى الخلف
ركّز الأسد على العودة إلى الخلف في خطابه الأخير، وتثبيت روايته لما حدث خلال السنوات العشر السابقة، وقال، “نحن في خطاب قسم يفترض بأننا نتحدث عن مرحلة مقبلة، لماذا نعود عشر سنوات إلى الخلف؟”.
واعتبر رئيس النظام أن “التحليل” و”تعلم الدروس المستفادة” هما الخطوة الأولى للتحدث عن مرحلة مقبلة. وشدد على اعتبار كل من يخالفه الرأي “إرهابيًا”، وعلى تكريس مفهوم “الخيانة” للوطن، وأن الدولة “ليست من بادرت بالعنف”، على حد قوله.
وترى الدغلي أن من السمات الأساسية لكل خطابات بشار الأسد منذ عام 2011، التي أُلقيت بأوقات وأسباب مختلفة، هي سمة الاجترار والوصائية والتكرار.
فهو يكرر نفس الجمل ونفس المفاهيم، على الصعيد الخطابي، كما بدل آلياته بالاعتماد على المشيخة السنية والارتكاز أكثر على الدين وأحقية تمثيل ما يصفه بـ”الدين الصحيح”، وذلك بغرض تأمين حاضنة شعبية من السنة.
وهذا الاختلاف الوحيد في آلياته على المستوى الخطابي، وفق الدغلي، أما بالنسبة لما جاء بالخطاب فهو تكرار لرسم حدود صلبة تتسم بنبذ ورفض كل من يعارضه وشيطنة الآخر.
وكان النظام السوري أجرى انتخابات شكلية وُصفت بـ”المسرحية”، انتهت بإغلاق صناديق الاقتراع في 26 من أيار الماضي، بفوز بشار الأسد بنسبة 95.1% أمام مرشحَين مغمورَين.
وقوبلت الانتخابات برفض أممي ودولي، بينما دعمتها الدول الحليفة للنظام السوري، كروسيا وإيران والصين.
وألقى الأسد خطابًا بعد إعلان مجلس الشعب السوري فوزه، إذ تمسّك بنفس وتيرة خطاباته منذ ثورة 2011، محافظًا على اتهام كل من يعارضه بالخيانة والإرهاب، دون أي ملامح لإصلاحات يريد أن يتبناها في سوريا أو تغيير ما في سياساته المقبلة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :