زيارة السوريين إلى الشمال.. حق أم ذريعة للترحيل

  • 2021/07/25
  • 10:58 ص

سوريون في معبر باب الهوى خلال زيارة عيد الأضحى - 18 من تموز 2021 (معبر باب الهوى)

عنب بلدي – حسام المحمود

أعادت زيارات العيد التي يجريها لاجئون في تركيا إلى الشمال السوري، قضية حقهم بالبقاء في تركيا إلى الواجهة مجددًا، وسط دعوات في أوساط تركية لترحيل اللاجئين، أو إبقاء الزائرين في سوريا، طالما أنهم يستطيعون زيارة مناطق يعتبرونها “آمنة”.

فتحت تركيا ثلاثة معابر حدودية مع شمال غربي سوريا لزيارة عيد الأضحى، هي “باب السلامة”، و”باب الهوى”، ومعبر “جرابلس”، مع توقعات بأن يصل عدد الزائرين إلى 100 ألف شخص، خاصة بعد تدني مستوى الإصابات بفيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، الذي سمح بإعادة فتح المعابر، إثر إغلاقها العام الماضي بوجه الزيارات، خوفًا من تفشي الفيروس.

وفي الوقت الذي تنقسم فيه آراء فئات من المجتمع التركي حول مدى ضرورة هذه الزيارات، وجدوى اللجوء إذا كان اللاجئ قادرًا على زيارة الداخل السوري وقضاء الإجازات، يبرر بعض السوريين هذه الزيارات بدعوى أنها قانونية ومشرّعة من الحكومة التركية للقاء الأهل والأقارب، وأن العودة إلى تركيا تجري بموجب المواعيد التي تضعها تركيا.

ما الواقع في المناطق التي يزورها السوريون؟

رغم انخفاض وتيرة المعارك في الشمال السوري، لا تزال محاولات اللجوء من المنطقة إلى تركيا ومنها إلى أوروبا مستمرة، مع تغير أسباب الرغبة بمغادرة سوريا.

وكان اللجوء سابقًا بدافع الخوف على الحياة والحرص على البقاء، لكنّ أسبابًا جديدة ولّدتها ظروف ما بعد التهدئة (التي تُخرق من حين لآخر)، كالوضع الاقتصادي، وضآلة فرص العمل، والبحث عن الاستقرار، شكّلت محرضًا جديدًا لمغادرة سوريا، خاصة أن ملف المنطقة لا يزال محطّ مناوشات سياسية بين الأطراف الدولية، في ظل مواصلة النظام خروقاته العسكرية لاتفاق “وقف التصعيد”.

الوضع المادي يدفع للجوء

الشاب أحمد خالد الشرود من قرية تل سلمو التابعة لناحية أبو الظهور في محافظة إدلب، يزور حاليًا عائلته المقيمة في مخيم “الهجرة” بقرية حربنوش، غربي بلدة معرة مصرين، التي تبعد عن معبر “باب الهوى” نحو 30 كيلومترًا.

والد أحمد تحدث لعنب بلدي عن أسباب لجوء ابنه إلى تركيا، موضحًا أن الأسرة تتكون من ست فتيات بالإضافة إلى الشاب والأب والأم، دون وجود أي مصدر دخل يمكن الاعتماد عليه لتأمين احتياجات العائلة.

وأوضح أحمد الشرود أن ابنه أحمد البالغ من العمر 22 عامًا، يعمل في تركيا منذ عامين، وهذه إجازته الأولى جراء إغلاق المعابر الحدودية العام الماضي، خوفًا من تفشي فيروس “كورونا”.

وبحسب ما نشره “برنامج الأغذية العالمي” التابع للأمم المتحدة، في 1 من أيار الماضي، فإن 4.8 مليون شخص سوري يعتمدون على المساعدات الغذائية من البرنامج الأممي للبقاء على قيد الحياة، بالتزامن مع فقدان 84% من العائلات السورية مدخراتها بعد عقد من الصراع.

يقول الرجل، “نحن فقراء، ولولا عمل ابني في تركيا وتوليه الإنفاق على العائلة لكانت الظروف المعيشية أسوأ مما هي عليه بكثير”، في إشارة إلى غياب موارد العائلة مقابل ضآلة ما يصل من معونات إنسانية لا تكفي لإعالة أسرة مكونة من تسعة أشخاص.

وتتصدر سوريا قائمة الدول الأكثر فقرًا بالعالم، بنسبة بلغت 82.5%، بحسب بيانات موقع “World By Map” العالمي.

وأوضح برنامج الأغذية العالمي التابع للجمعية العامة للأمم المتحدة، في 5 من تموز الحالي، أن السوريين يلجؤون لتقنين كمية الطعام التي يتناولونها، وشراء كميات قليلة مما يحتاجون إليه، لافتًا إلى اتباع السوريين أسلوب الاستدانة، أي الاقتراض لشراء حاجاتهم الأساسية.

مخاوف أمنية تمنع البقاء

لا تعتبر زيارة المناطق الشمالية لسوريا عودة إلى مسقط رأس هؤلاء اللاجئين وأراضيهم وممتلكاتهم، بل فرصة للقاء أهلهم النازحين من مناطق أخرى تقع تحت سيطرة النظام السوري، مع وجود نحو مليوني نازح في شمال غربي سوريا.

أحمد، شاب سوري (27 عامًا) تقيم عائلته النازحة من بلدة جرجناز في مدرسة “عرشين” بريف إدلب الشمالي، تحدّث لعنب بلدي عن الأسباب التي تدفعه للجوء في تركيا.

وأكد الشاب أن العامل المادي من أبرز أسباب هذا اللجوء، فالشاب متزوج، ولديه طفلة صغيرة، بالإضافة إلى إسهامه في الإنفاق على عائلته المكونة من أكثر من عشرة أفراد.

يقول أحمد، “ذهبت إلى سوريا للقاء أمي التي لم أرها منذ عامين، ولقضاء العيد بين أفراد عائلتي، لكني سأعود إلى تركيا بعد انقضاء الأعياد”.

ولفت الشاب إلى أن الواقع الاقتصادي في الشمال السوري لا يشجع على البقاء، إذ تفتقر المنطقة برأي أحمد لفرص العمل والنشاط الاقتصادي.

بالإضافة إلى مخاوف الشاب الأمنية من تعرض الشمال السوري لخروقات النظام عبر القصف المدفعي المتكرر، الذي كان أبرزه مؤخرًا استهداف قوات النظام قرى ونواحي جنوبي إدلب بالمدفعية الموجهة بالليزر (كراسنبول)، ما أدى إلى مقتل وجرح أكثر من عشرة مدنيين من عائلة واحدة في قرية بيلون، جنوبي إدلب، في ثالث أيام عيد الأضحى، وفق ما نقله “الدفاع المدني السوري”.

ومنذ بداية عام 2021 حتى 5 من تموز الحالي، استجاب متطوعو “الدفاع المدني” لأكثر من 702 هجمة استهدفت منازل المدنيين والمنشآت الحيوية في شمال غربي سوريا، من قبل قوات النظام وروسيا والميليشيات الموالية لهما.

الزيارة تناقض قانونية اللجوء والحماية

رئيس “تجمع المحامين السوريين الأحرار”، غزوان قرنفل، قال لعنب بلدي، إن اللاجئ إذ كان خاضعًا لاتفاقية حقوق اللاجئين، وحاصلًا على حق اللجوء أو حق الحماية، لا يحق له العودة إلى البلد الذي فر منه ملتمسًا الحماية في دولة أخرى، لأن ذلك يعني أنه ليس في خطر، وليس بحاجة إلى تلك الحماية أو اللجوء، بدليل دخوله لبلده دون التعرض لاضطهاد.

وتقوم فكرة اللجوء على أن الإنسان معرض للاضطهاد والقتل وامتهان حقوقه وكرامته وإنسانيته، وأن بقاءه في بلاده أو المكان الذي يسعى لمغادرته يهدد سلامته الشخصية، فيطلب اللجوء أو الحماية في دولة أخرى.

والعودة إلى البلاد خلال اللجوء أو الحماية تعني أن الأساس الذي يبنى عليه اللجوء أو الحماية لم يعد موجودًا، أي أن اللجوء ليس ضرورة.

لكن بالحديث عن لجوء السوريين في تركيا، أكّد قرنفل أن السوريين ليسوا لاجئين بالمعنى القانوني، لأن تركيا حين وقعت اتفاقية حقوق اللاجئين كان لديها تحفظ جغرافي، يقضي بأنها تمنح اللجوء للقادم إليها من دول شمال تركيا وأوروبا تحديدًا.

وعند دخول السوريين إلى الأراضي التركية بغرض اللجوء، هربًا من القصف والموت، أصدرت السلطات التركية قانون الحماية، ووضعت السوريين تحت هذا القانون، وهي حماية مؤقتة تنتهي بانتهاء أسباب منحها.

ومغادرة السوريين في إجازات العيد إلى بلدهم، وقدرتهم على العيش في ظل سلطات الأمر الواقع، برأي قرنفل، يعني أنهم آمنون، وهذا ما يؤكده اصطحابهم لعائلاتهم وأطفالهم، وبالتالي فإن شرط منح اللجوء مفقود في هذه الحالة.

وحول الهدف من تشريع السلطات التركية زيارة العيد، أشار قرنفل إلى أنها تشجيع للسوريين على معاينة الأوضاع في بلدهم ضمن المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، لدراسة هذه الظروف في سبيل تشجيعهم على العودة.

ورغم قانونية الزيارة التي تمنحها السلطات التركية للسوريين، فهي تخالف قانون الحماية الذي وضعته تركيا نفسها للسوريين على أراضيها، كما أوضح قرنفل.

وانتقد قرنفل زيارات السوريين إلى الشمال، محذرًا في الوقت نفسه من استخدام القضية ذريعة للدعوة إلى ترحيلهم، ما لم يكن وراء هذه الخطوة اعتبارات حكومية قد تتكشف في وقت لاحق، خاصة في حال وصول المعارضة التركية إلى السلطة.

ولفت حينها إلى إمكانية إلغاء قانون الحماية في أي وقت، ما يعني حينها ترحيل السوريين، أو على الأقل ترحيل المستفيدين من الزيارات ممن غادروا وكانوا آمنين على أنفسهم ثم عادوا إلى تركيا.

هذه الحالة وصلت إلى أروقة السياسيين الأتراك، واستثمرها رئيس حزب “الشعب الجمهوري” المعارض، كمال قليشدار أوغلو، الذي صرح عبر حسابه في “تويتر” في 16 من تموز الحالي، أنه ينوي ترحيل اللاجئين بخطة مداها عامان في حال فوز حزبه بالانتخابات.

ورد عليه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مؤكدًا مواقفه السابقة بعدم ترحيلهم، قائلًا، “لن نلقي بعباد الله الذين لجؤوا إلينا في أحضان القتلة”.

وأضاف، “أقولها بوضوح، هؤلاء طرقوا أبوابنا، واحتموا بنا، ولا نستطيع أن نقول لهم عودوا من حيث أتيتم”.

وبحسب أرقام مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، يقيم في تركيا 3.6 مليون لاجئ سوري، معظمهم دخلوا بين عامي 2014 و2018، وقد ازداد الرقم بنحو 100 ألف شخص منذ مطلع عام 2020.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع