تدخلات عشائرية في دير الزور تعرقل محاسبة الفاسدين
عنب بلدي- دير الزور
جمع حسين النجم بالتعاون مع زملائه ما قال إنها أدلة تثبت ضلوع أحد مسؤولي “مجلس دير الزور المدني” بقضايا فساد واختلاس أموال مخصصة لإعادة تأهيل مرافق عامة في الريف الشرقي للمدينة.
يعمل حسين النجم في إحدى لجان “مجلس دير الزور المدني”، ويرفض تمدد هيمنة الموظفين داخل المجلس من أبناء بعض العشائر، واحتكارهم مناصب اتخاذ القرار والسلطة في المحافظة الشرقية لسوريا، خاصة حين يتغلغل “أشخاص فاسدون” ضمن منظومة تلك المؤسسات لارتباطهم بشخصيات عشائرية قادرة على منحهم حصانة من المحاسبة أو حتى الإقالة من وظائفهم.
“التحزب العشائري” هو السبب الرئيس في عرقلة مكافحة الفساد أو تحسين المستوى الخدمي والمعيشي في مناطق دير الزور، قال حسين لعنب بلدي.
ويتساءل الرجل الأربعيني عن قصص وروايات حول اختلاسات بآلاف الدولارات تتداول الصفحات المحلية أخبارها مع صور مختلسي تلك المبالغ، لكن يبقى المسؤول أو الموظف في مكانه، بينما تعجز تلك المؤسسات عن تأمين أبسط الخدمات للسكان.
لم يقدم حسين أدلة ملموسة على قضية محددة، لكن الحديث عن هذه القضايا يُتداول على نطاق واسع في دير الزور، ويتهم السكان أشخاصًا معروفين بأسمائهم، وقد دفعت الظاهرة مسؤولين للاستقالة احتجاجًا على عدم اتخاذ إجراءات ضد هذه الأسماء.
فساد متفشٍّ داخل المجلس
في أيلول عام 2020، استقال رئيس “لجنة الرقابة العامة” بمحافظة دير الزور، أحمد عايد الخلف، بسبب تفشي الفساد داخل أركان “مجلس دير الزور” التابع لـ”الإدارة الذاتية”، ذراع “قسد” المدنية في المنطقة.
وذكر بيان الاستقالة أن “لجنة الرقابة العامة” تتعرض لضغوط كبيرة للسكوت عن قضايا الفساد.
وقال الخلف في بيان استقالته، إنه رفع قضايا فساد للجهات المعنية في القضاء والمجلس العام للمراقبة والمجلس المدني، لكن دون اتخاذ أي إجراء من قبل هذه الجهات، ما دفعه للاستقالة.
وهو ما يتوافق مع ما أفاد به حسين النجم لعنب بلدي، الذي قال إنه رغم الأدلة التي جمعها والتي تثبت ضلوع أحد مسؤولي “مجلس دير الزور” بقضايا فساد، لم يتمكن جهاز الرقابة من محاسبته، وبقي على رأس عمله بعد تسوية القضية من خلال توسط وجهاء عشائر له، ما عرقل عملية المساءلة.
ويشرف “مجلس دير الزور” على إدارة أجزاء من المحافظة التي سيطرت عليها “قسد” خلال عام 2019، بعد معارك ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وتتقاسم “قسد” المدعومة من “التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وقوات النظام السوري السيطرة على محافظة دير الزور، حيث يعتبر نهر “الفرات” هو الخط الفاصل بين منطقتي النفوذ لكلتا القوتين.
السكان بحاجة إلى حلول
يتهم سكان في ريف دير الزور الشرقي الخاضع لسيطرة “قسد” شخصيات عشائرية أو مقربة من شيوخ العشائر العربية، بالإسهام بتردي الوضع المعيشي والخدمي والحرمان من أبسط الخدمات.
رصدت عنب بلدي آراء بعض سكان مناطق دير الزور التي تُشرف عليها “الإدارة الذاتية”، وسألتهم عن موقفهم من قضية الفساد داخل “مجلس دير الزور”.
وطالب معظم الأهالي بإيجاد حلول معقولة تُنهي انشغال المسؤولين عن الواقع الخدمي في المنطقة، والتوجه إلى تحسين الخدمات الأساسية للمنطقة.
إلا أن الأهالي تحفظوا خلال حديثهم على ذكر أسماء العشائر أو شخصيات بعينها تُسهم في التغطية على الفساد أو منح الحصانة للفاسدين، وذلك “لحساسية ذكر اسم عشيرة معيّنة”، وفق ما قاله معظم الأهالي.
وتتكون التركيبة العشائرية لسكان محافظة دير الزور من عدة عشائر، أكبرها قبيلتا “البكارى” و”العكيدات”، وعشيرة “الجبور” و”الدليم”.
“قسد” مسؤولة عن ضبط الوضع
يرى الشاب مسلط النجرس، البالغ من العمر 35 عامًا، من سكان بلدة ذيبان بريف دير الزور الشرقي، أن “قسد” مسؤولة عن ضبط الوضع الاجتماعي والخدمي في دير الزور، وعن إيجاد الحلول المناسبة لإنقاذ المنطقة الخاضعة لسيطرتها منذ أكثر من ثلاث سنوات.
واليوم، صارت حقوق السكان ضائعة بين “قسد” والعشائر، وفق ما يراه الشاب الثلاثيني.
ويشكو أهالي المناطق التي تسيطر عليها “قسد” ويديرها “مجلس دير الزور المدني” من أوضاع إنسانية قاسية وصعوبات كبيرة في تأمين الحاجات الأساسية.
ويغطي مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” في ريف محافظة دير الزور الغربي “ديوان عدالة اجتماعية” واحد، أُسس في عام 2018 ضمن ناحية الجزرة، قبل أن يُتخذ قرار بنقله في عام 2019 إلى ناحية الكسرة، ثم أُسست هيئة نيابية تتبع له في ناحية البصيرة جنوب شرقي دير الزور.
إلا أن هناك حالة من عدم الاعتراف الضمني للسكان المحليين بالمرجعية القانونية والجهاز القضائي التابعين لـ”الإدارة الذاتية”، وفق دراسة بحثية أعدها مركز “عمران للدراسات”.
ويكون الاعتماد في بعض القضايا على بدائل مختلفة، كاللجوء إلى القضاء العشائري الموجود سابقًا في المنطقة، والذي ازدادت فاعليته بشكل أكبر في ظل الفراغ القضائي والأمني.
إحراج أمام الداعمين
يركز “التحالف الدولي” في الاجتماعات التي يجريها مع قياديي “قسد” ووجهاء العشائر على ضرورة إيجاد صيغة عمل توقف ما يجري في محافظة دير الزور من إهمال خدمي لمرافق عامة تعتبر ضرورة وحاجة يومية للسكان، وفق ما قاله أحد شيوخ العشائر لعنب بلدي.
وأشار شيخ العشيرة (الذي تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية) إلى أن هناك أطرافًا “لا تريد الاستقرار لدير الزور تستفيد من الوضع الراهن سواء الأمني أو انتشار الفساد”، بحسب تعبيره.
ولا ترغب هذه “الأطراف” في إيجاد الحلول أو الإسهام في محاربة الفساد “الذي صار ينخر في جسد (الإدارة الذاتية) ومؤسساتها بما فيها (مجلس دير الزور)”، بحسب شيخ العشيرة.
ضرورة تقارب وجهات النظر
حين كانت منطقة دير الزور تحت سيطرة النظام السوري، عمدت سياسته إلى تهميش دور العشائر العربية في إدارة مؤسسات المحافظة المدنية، خاصة الخدمية منها.
وكان النظام العشائري شبه معدوم نتيجة لسياسة الإقصاء التي مارستها السلطة، وفق ما يراه الحقوقي خضر الفتّيح، في حديث إلى عنب بلدي.
وبعد سيطرة “الإدارة الذاتية” على أجزاء من المنطقة، برز دور العشائر بشكل أكبر في المجال السياسي والإداري والأمني للمدينة.
ظهور دور العشائر أمر يدفع بشكل إيجابي لخلق التشاركية في إدارة المنطقة، التي من دون دور العشائر لا تستطيع أي جهة تحقيق الأمن المجتمعي فيها.
لكن مشاركة العشائر العربية أخذت “منحًا سلبيًا” في المؤسسات المدنية والعسكرية داخل دير الزور، وفق ما يراه الحقوقي الفتّيح، فالتسويات العشائرية لمجموعة من القضايا كجرائم القتل والخصومات العقارية والمالية والزراعية والإدارية، صارت البديل الدائم عن المحاكم التي تفتقد إلى التأثير الفعلي.
إشراك العشائر العربية في إدارة المؤسسات المدنية هو مطلب ليس جديدًا لأهالي دير الزور، بحسب الحقوقي، إلا أن هذه التشاركية بحاجة إلى تقريب وجهات النظر بين النظام العشائري في تسويات القضايا والمحاكم التابعة لـ”الإدارة الذاتية”، من أجل تجنب الإفلات من المحاسبة، الذي يتحمل عواقبه سكان المنطقة بشكل أساسي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :