عنب بلدي – جنى العيسى
أثار قرار لمحكمة العدل الأوروبية، أعطى الحق لأصحاب العمل بمنع العاملات المسلمات لديهم من ارتداء الحجاب بشروط، مخاوف لدى لاجئات سوريات مقيمات في أوروبا، خاصة مع ازدياد أعدادهن نتيجة موجات اللجوء المستمرة منذ اندلاع الثورة السورية.
اعتبرت المحكمة الأوروبية في بيان لها، في 15 من تموز الحالي، أن “منع الحجاب الإسلامي في مكان العمل ليس تمييزًا، بل على العكس يمكن أن يساعد في منع النزاعات الاجتماعية”، مضيفة أن الأمر ينطبق على جميع الأديان في حال “ارتداء أي رموز دينية متعلقة بها”.
وبحسب بيان المحكمة، فإن “حظر ارتداء أي تعبير مرئي عن المعتقدات السياسية أو الفلسفية أو الدينية، يمكن تبريره برغبة رب العمل في أن يعكس صورة حياد تجاه العملاء أو يتجنب النزاعات الاجتماعية”.
كيف سأربّي ابنتي؟
بعد سنتين ونصف من لجوئها إلى ألمانيا، عملت حنان الحوراني (23 عامًا) على تعلم اللغة الألمانية لتحقيق حلم الانتساب إلى إحدى كليات التمريض هناك بحثًا عن مستقبل أفضل كانت تجتهد للحصول عليه، بحسب ما قالته لعنب بلدي.
وأضافت حنان أنها استطاعت بعد السنوات الأولى لها تحقيق سيرة ذاتية قادرة على إقناع معظم العيادات والمستشفيات في قبولها كموظفة رسمية، لكنها تعرضت لكثير مما وصفته بـ”النبذ” بسبب نمط ملبسها وحجابها العاكس للجميع عقيدتها، حتى في مقابلات التوظيف.
تعمدت اللاجئة السورية حنان الحوراني أن تنشئ سيرة ذاتية من دون وضع أي صورة لإرسالها إلى معظم طلبات التوظيف التي كانت تعثر عليها عبر الإنترنت، وأوضحت أنها حصلت مرة على عرض عمل جيد بسبب سيرتها الذاتية ولغتها الجيدة، ولكنه كان مشروطًا بنزع الحجاب لتحظى به، وهذا ما كان صعبًا عليها.
لم تستسلم حنان لأبواب العمل الموصدة أمامها بسبب حجابها، ولكنها لم تحصل على العمل الممتاز الذي لطالما حلمت به مقابل ذلك، ونظرًا إلى قلة الفرص التي واجهتها، لجأت إلى العمل بعيادة أسنان مُدارَة بكادر عربي وأغلب مراجعيها من العرب، وهو ما سهّل عليها نوعًا ما تقبل المراجعين للحجاب في بيئة العمل.
لم يضف قرار محكمة العدل الأوروبية جديدًا إلى حياة حنان الحوراني، التي التمسته كثيرًا قبل إقراره، وبحسب ما قالته لعنب بلدي، فإنها “ستبقى تعمل ما بوسعها لتحافظ على حجابها، وحياتها المهنية التي تطمح أن تكون لها يومًا ما”.
وحول القرار الجديد، أضافت حنان أنها تخشاه فقط لأنه سيكون عقبة مضاعفة أمام تربية ابنتها (إن حملت ببنت مستقبلًا)، موضحة أن تقبّل شعائر الإسلام لدى المجتمع الأوروبي لن يكون سهلًا أبدًا في ظل التمييز والعنصرية التي تعيشها المرأة المسلمة بسبب التزامها بمبادئ دينها.
جدل قديم متجدد
لا يعد موضوع حجاب المسلمات جديدًا في أوروبا، فلطالما أُثير خلال السنوات الماضية، إذ ذكر تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية، في عام 2012، أن إجبار النساء في بعض البلدان على ارتداء الحجاب أو حظره في دول أخرى، يحرم المرأة من حرية الاختيار، ويجردها من حقوقها الأساسية، وهي حرية الفرد في بدنه، وحرية التعبير، وحرية الفكر والعقيدة.
واعتبر التقرير أنه نظرًا إلى وجود الأدلة على أن الحجاب الإجباري في بعض البلدان يعتبر “مشكلة جسيمة” في إطار حقوق المرأة، لذا ليس من المدهش أن يرى مؤيدو حظر الحجاب في أوروبا أنهم يحررون المرأة ويحمونها من الضغوط المجتمعية التي تُمارَس عليها من أجل ارتدائه.
وأكد التقرير أن حرمان المرأة من تغطية نفسها خطأ كبير يوازي إجبارها على ذلك، مضيفًا أن المرأة المسلمة كجميع النساء يجب أن يُترَك لها حق اختيار ملبسها وحق اتخاذ قرارات تتعلق بحياتها وكيفية التعبير عن إيمانها وهويتها وقيمها الأخلاقية.
وشدد التقرير على ضرورة ألا تُجبَر المرأة المسلمة على الاختيار بين معتقداتها الدينية وحياتها المهنية التي تختارها.
وختمت المنظمة تقريرها بخلاصة أن “الحجاب قرار. هذه جملة قد يراها البعض في أوروبا غريبة، إلا أن الحجاب قرار، تمامًا مثلما يعبر المرء عن هويته في أوروبا بناء على قناعات وسلوكيات نحتتها مؤثرات وعوامل مجتمعية أو أسرية أو دينية”.
دكتورة في فرنسا يمنعها حجابها من العمل
سماح علوش لاجئة سورية مقيمة في النرويج، قالت لعنب بلدي، إنها عملت في أكثر من عشر مؤسسات خاصة وتطوعية وحكومية خلال فترة لجوئها، وبحسب تنقلها بين هذه المؤسسات، شاهدت الكثير من المسلمات المحجبات في مختلف ميادين العمل.
وترى سماح علوش أن المرأة المسلمة يُمكنها أن تفرض احترامها على كل من يقابلها بإنجازاتها، وليس بمحاولات استرضاء المجتمع الأوروبي، أو بمفاهيم لا تعكس الاندماج، وإنما تُثبت خروج الإنسان عن مبدئه.
لم يكن وجود الحجاب يومًا عائقًا أمام سماح في النرويج، لتحقق المزيد من النجاحات على مختلف المستويات، على عكس أخت لها لاجئة في فرنسا.
لجأت أخت سماح إلى فرنسا بعد أن نطقت لغة البلد بطلاقة، وتعمل حاليًا على رسالة دكتوراه بالأدب الفرنسي بعد حيازتها على شهادة الأدب والماجستير، ساعية إلى الاستقرار في مكان بعيد عن العاصمة باريس ودون عمل، خوفًا من العنصرية، بعد حرمانها من الكثير من فرص العمل بسبب الحظر التام للحجاب هناك.
وفي تقرير لـ”BBC” في أيار الماضي، قالت الباحثة والكاتبة المختصة بالنسوية الإسلامية والأستاذة في جامعة “القاهرة” الدكتورة أميمة أبو بكر، إن قضية عودة الاستقطاب السياسي حول الحجاب إلى الواجهة واشتدادها خلال العقود القليلة الماضية، تعود إلى أسباب تتعلق بالسياق السياسي وصعود التيار الإسلامي أو الصحوة الإسلامية في العالم العربي الإسلامي، وبروز تيارات الإسلام كجماعات هوياتية في أوروبا، “وبعدما بتنا نريد أن نجد رمزًا مرئيًا، نعلق عليه كل أيديولوجياتنا”.
وأضافت الدكتورة أميمة أبو بكر أن ما يحدث هو “انفلات لأبويات مختلفة، ولكن بنتيجة واحدة، وهو نوع من قهر النساء والوصاية عليهن”.
واعتبرت أبو بكر أن هناك أبوية أوروبية كولونيالية حداثية تعتقد “أننا كلما نزعنا لباس المرأة نحررها”، لكنه نوع من القهر لأنه يتجاهل إرادة المرأة أو اختيارها لعقيدة معيّنة.
وأشارت أبو بكر أيضًا إلى “الأبوية التي تمارَس على المرأة داخل المجتمعات المسلمة من خلال المؤسسات الدينية وتفسير الدين بطريقة أبوية”، معتبرة أن هذا “قهر للمرأة أيضًا”.
انتهاك مبدأ حرية العقيدة والدين
يعتبر قرار محكمة العدل الأوروبية انتهاكًا علنيًا لمبدأ حرية العقيدة والدين الوارد في “العهد الدولي” الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بحسب ما أوضحه المحامي حسام سرحان، في حديث إلى عنب بلدي.
وأضاف المحامي سرحان أنه بحسب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يضمن الحق في حرية الملبس، لكل شخص الحق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاه له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية.
وتتضمن المادة الـ”18” الواردة في “العهد الدولي” أن لكل إنسان الحق في حرية الفكر والوجدان والدين.
ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسات والتعاليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.
كما نصت على أنه لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره.
ولا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده إلا للقيود التي يفرضها القانون، والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة، أو النظام العام، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة، أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.
من أصل نحو 6.7 مليون لاجئ سوري حول العالم (أغلبهم في دول جوار سوريا)، تستضيف البلدان الأوروبية أكثر من مليون طالب لجوء ولاجئ سوري، 70% منهم في بلدين فقط، هما ألمانيا (59%) والسويد (11%)، بحسب أرقام مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
ويجعل هذا ألمانيا خامس أكبر دولة مضيفة على مستوى العالم، حيث تستضيف أكثر من مليون لاجئ، أكثر من نصفهم (560 ألفًا) سوريون.
بينما تستضيف النمسا واليونان وهولندا وفرنسا بين 2 و5% منهم، وتستضيف دول أخرى أقل من 2%.
وتصل نسبة النساء اللواتي يبلغن من العمر بين 18 و59 عامًا نحو 20% من مجموع اللاجئين السوريين، وليس جميعهن محجبات، ولكن معظمهن ينحدرن من بيئات محافظة في سوريا.