“القميص المسروق”.. بالقيم تنتصر أو تُهزم القضيّة
يطرح الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني في مجموعته القصصية “القميص المسروق” بعض القيم، ويلقي الضوء عليها بشكل مفصّل، فهي ليست قيمًا ثورية فقط، بل قيم أخلاقية ضرورية لنجاح كل ثورة، ولا بد منها من أجل حياة مطمئنة.
وفي المجموعة المكوّنة من ثماني قصص، لا يناقش كنفاني القيم الأخلاقية للثورات، فالقيم الأخلاقية ثابتة وصلبة لا تتماشى مع المرحلة بمقدار ما تسعى لتطويعها وإخضاعها، لتثبت أنها أقوى من المتغيرات.
وبالنظر إلى توقيت كتابة هذه القصص، فهي تحمل أسلوب الوصايا غير المباشرة، وتقديم العبرة بالتلميح، فالحديث عن السرقة وسلوكيات أخرى وذمّها، هو نهي عنها، ودعوة إلى تجنبها، دون تشكيك بقابلية القارئ لاتباع السلوكيات الخاطئة التي ركّز عليها كنفاني.
“أبو العبد” رجل بائس يقيم في أحد المخيمات التي تطوف طرقاتها العشوائية بالوحل كلما هطلت زخة مطر في الشتاء، ويقف في أولى قصص المجموعة “القميص المسروق” أمام “أبو سمير” الذي يسعى لاستغلال سوء ظروف “أبو العبد” وحالته المتعبة حين كان يحفر خندقًا لتصريف مياه الأمطار بعيدًا عن خيمته.
يحاول “أبو سمير” جر “أبو العبد” إلى السرقة، وليست أي سرقة، بل هي سرقة مخصصات الطحين التي تتولى “مفوضية غوث اللاجئين الفلسطينيين” (أونروا) توزيعها على اللاجئين في المخيمات.
ورغم مرارة الفقر، وقلة الحيلة، وقسوة العوز، ينتصر الكاتب للخير في القصة، بانتظار من ينتصر له على الأرض، فيرفض “أبو العبد” سرقة الطحين رغم المغريات، لأن الطحين المسروق يؤخر توزيع معونة اللاجئين.
الخير والشر والأمانة والخيانة والانتهازية والابتزاز والصبر، كل هذه الخلطة من القيم وأضدادها، تبرز منذ القصة الأولى من قصص كنفاني، فيجمّل الجميل، ويذمّ القبيح ويعيبه.
وفي القصة الثانية “إلى أن نعود”، يحكي العنوان فحوى القصة، ويشير إلى حالة الثبات والإصرار التي يحملها أو يجب أن يحملها العمل النضالي، ثم يعود كنفاني في القصة التالية إلى قضية الخيانة، وتصوير خيانة الوطن والقضية والخائن، وتأثير كل ذلك على قضايا كبرى.
وفي “قرار موجز”، وهي قصة لا تتعدى خمس صفحات في المجموعة، يقدّم كنفاني دروسًا فلسفية ونظرية على لسان “عبد الجبار”، بطل القصة الذي يهوى الفلسفة، وينظر إلى الحياة على أنها مجرد نظرية.
فيقول “عبد الجبار”، أو يقول كنفاني على لسان بطله، “إن ضرب السجين هو تعبير مغرور عن الخوف”، و”إن الخيانة في حد ذاتها ميتة حقيرة”.
وعلى هذا المنوال تتابع المجموعة منح الدروس والعظات التي بدت أشبه بخارطة طريق للنضال الفلسطيني، لا سيما بالنظر إلى توقيت كتابتها، بين عامي 1957 و1969، حين كان النضال الفلسطيني بحاجة إلى منظرين يحمون القضية من الخطأ، فمعيار الهزيمة أو النصر هو التمسك بالقيم التي حكى عنها كنفاني.
ولد غسان كنفاني في عكا عام 1936، واغتاله “الموساد” الإسرائيلي في شارع الحازمية ببيروت عام 1972، كون القوة التي يحملها قلمه لا تقل وطأة عن قوة المدافع، لكن كنفاني قال في قصة “قرار موجز”، وقبل 14 عامًا من اغتياله، “ليس المهم أن يموت أحدنا، المهم أن تستمروا”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :