خطيب بدلة
قلقتُ، وأنا أخوكم، على المفكر العربي الكبير، صاحب النبوءات التي لا تخر الماء، الأستاذ عبد الباري عطوان، الذي يسميه الصحفي راشد عيسى “عَبْـ بَاري”، قلقًا استباقيًا، خرندعيًا، لا مثيل له.
أرجو من عشاق عَبْـ بَاري، وهم كثيرون جدًا، أن يطمئنوا، فهو، والحمد الله، حي يسعى، وصحته لا بأس، ولكنَّ لهذا القلق “الخرندعيّ” عليه حكاية، ملخصها أن رئيس إحدى المناطق السورية غير المحتلة، المدعو بشار الأسد، حقق فوزًا صعبًا في الانتخابات التي شهدتها منطقتُه مؤخرًا، بعد معركة انتخابية حامية الوطيس، فعمت الأفراح والليالي الملاح المدنَ والقرى والبلدات الواقعة في منطقته، وقُرعت الطبول، وعلت الزغاريد، وأطلق المحبون النار في الهواء، وكان لا بد لسعيد الحظ الفائز بشار أن يخطب، فخطب، وصفق له أعضاء “مجلس التصفيق والدبكة” الذين اجتمعوا عنده في القصر، وعيشوه، وترحموا على والده، ودبكوا، وأنشدوا العديّات (هيّ لنا هيَ لنا ضرب السيف طاع لنا)، حتى انتهى الخطاب على خير وسلامة، فخرج، ومشى في شوارع عاصمة منطقته وأزقتها مرحًا، حتى صادف بياع شاورما، فاشتهاها، واشترى له سندويشة نصف قطرها 2 إنش، وباشر فيها “جَغْمًا”. وأما الأخ عَبْـ بَاري، فترك رئيس تلك المنطقة يجغم الشاورما، وشغل كمبيوتره المحمول، وأبحر في الخطاب، وراح يتلمس، ويتحسس، ويتطقس الأعماقَ الجيوسياسية، الاستراتيجية، الخفية، للنقاط المتغلغلة تحت سطوح الكلمات، ويستنتج منها الحكم، والعبر، والمواعظ، والمقاييس، والمعايير التي تؤدي إلى استخلاص النتائج، والبناء عليها، بغية الانطلاق المتوازن نحو مستقبل الأمة العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج، والكشف عن أمور ومعطيات تبدو لقصيري البصر من أمثالنا غائمة، مشوشة، وأما عَبْـ بَاري، والمحللون السياسيون العباقرة الذين يشبهونه، فيرونها على نحو ساطع، حتى إنهم يضطرون لتظليل أعينهم بأيديهم، لئلا تنبهر، وتصاب بمرض البشكرة، الذي يسميه ابنُ بلدنا أبو صطيف بكاية: الرشكيني.
استشف عَبْـ بَاري عطوان من خطاب جاغم الشاورما، أن إيران، وروسيا، والصين، وبقية الحباشات الملحقة بهنَّ، (كحاكم المنطقة المشار إليها بشار الأسد، وزلمة إيران في لبنان، حسن نصر الله، وغيرهما)، سوف يطيحون بالولايات المتحدة الأمريكية، ولكن، ليس الآن، وإنما بعد خمس إلى عشر سنوات، ومن هنا، ولأجل هذا، كان قلقي الخرندعي على الأخ عَبْـ بَاري، لأنه، إذا حسبنا متوسط الأعمار في هذه البلاد المناضلة، يكون عهو، المولود سنة 1950، قد اتكل على الله، وغادر عالمَ الأحياء مصحوبًا بالسلامة.
وإذا فرضنا، جدلًا، أن عَبْـ بَاري قد بقي، في لحظة الإطاحة بالولايات المتحدة، على قيد الحياة، فلا بد أن يكون قد دب فيه الخرف، وأصبح ينطبق عليه قول المتنبي: “عليلُ الجسمِ ممتنعُ القيامِ- شديدُ السُكْرِ من غيرِ المدامِ”، وسوف يحتاج سمعه إلى ترجمان، وتغني له جورجيت صايغ يا مسكين يا عَبْـ باري شو سمعه تقيل.
ملاحظة: وستكون الإطاحة بأمريكا، فيما لو تحققت نبوءةُ عَبْـ بَاري، مفيدة جدًا لأفراد جيش المنطقة التي يحكمها بشار، فهناك الغسالات والثلاجات من أقوى الماركات، وأغلاها، وأما جماعة “الجولاني” فسيجدون النحاس في أشرطة الكهرباء لأبي موزة.