الصين توسّع حلف النازيين الجدد من دمشق

  • 2021/07/25
  • 10:48 ص

إبراهيم العلوش

ليس غريبًا أن يكون وزير الخارجية الصيني أبرز الواصلين بعد تنصيب بشار الأسد فوق الركام السوري، فالوزير وانغ يي الذي ابتكرت بلاده سجنًا يتسع لمليون إنسان من المسلمين الإيغور، يعلن إضافة بشار الأسد صديقًا لبلاده لجدارته في التعذيب والتدمير والترحيل.

كان “الفيتو” الصيني هو أبرز دعم لنظام الأسد خلال السنوات العشر الماضية، وقد استُخدم ست مرات لمصلحة استمرار القتل الذي يمارسه النظام، أما اليوم فالصين تعلن وجودها في دمشق، وتعتبر الأسد ركيزة لها في مشروعها الإمبراطوري (الحزام والطريق)، ولعل دعمها للنظام كان يتضمن تكليفه بتدمير البلاد السورية لتسهيل تشكّل قاعدة متينة لمشروع “الحزام والطريق” على ضفة المتوسط من جهة، وعلى حدود العراق وتركيا، وعلى تقاطع الطرق المؤدية إلى الخليج البترولي.

والصين لديها خبرة دبلوماسية في إدارة النظم الوحشية ابتداء من كوريا الشمالية وصولًا إلى إيران التي مهدت الخراب في سوريا وقدمته للصين، حليفتها الاقتصادية والعسكرية والنووية، التي ارتبطت معها بحلف ظاهره الممانعة ومواجهة الغرب، وحقيقته هي مواجهة الشعوب وحرمانها من حرياتها في سبيل بناء النظم النازية الجديدة التي تعلن احتقارها لقيم حقوق الإنسان، وتعتبر الحرية السياسية والاجتماعية وباء غربيًا لا بد من الخلاص منه لاستمرار ديكتاتوريات مترامية الأطراف، ولكنها فاقدة للحرية وللكرامة الإنسانية.

ولعل ما تفعله الصين بشعب الإيغور وبهونغ كونغ والتبت وغيرهم، نموذج لمستقبل الإنسانية الذي يهدد انهيار الكثير من القيم الروحية والثقافية للشعوب التي تبحث عن خصوصيتها خارج غريزة القطيع التي تجتاح حلف النازيين الجدد. وآخر ابتكارات الصين هي إخضاع شعب الإيغور المسلمين لاختبارات برمجية للتأكد من الولاء والمشاعر، بحسب ما كشفت عنه منظمات حقوق الإنسان وكتب عن ذلك موقع “بي بي سي” تحقيقًا استقصائيًا، يبين أن رواية “1984” لجورج أورويل صارت شيئًا قديمًا أمام تطور برمجيات المراقبة الصينية والكاميرات الذكية التي ترصد الإيغور في الصين، وترسخهم كشعب منبوذ وإرهابي من ناحية، ومن ناحية أخرى تخضعهم لأعمال السخرة التي تخفض من ثمن البضائع الصينية.

تعيد الصين التجربة الاستعمارية الغربية التي انهارت في النصف الثاني من القرن الـ20، ولكن بأبشع الصور، عبر إعلان النهب الاقتصادي وتكبيل الدول بالديون كما حدث للدول الإفريقية التي استنجدت بالصين من أجل بناء ازدهار اقتصادي، ولكنها كسبت دعم النظم الديكتاتورية والنهب الاقتصادي والديون التي لن تتمكن من تسديدها خلال عشرات السنوات المقبلة.

حاولت الصين أن تدافع عن موقفها في بداية الثورة السورية، وأعلنت عدة استنكارات ضد الثائرين السوريين عبر الدفاع عن شرعية القتل، ونددت بالتهجم على “المخابرات الجوية” مدعية أن هذه المخابرات بريئة وحِرفية لا علاقة لها بالصراع، رغم علمها الأكيد بكل طرق التعذيب والتدمير التي مارستها، وقد يصل الأمر إلى معرفتها بكل دقائق تركيبتها، فقد أسهمت حليفتها كوريا الشمالية برعاية نظام الأسد منذ عصر الأسد الأب.

الصين كانت استقبلت وفدًا من الناشطين المدنيين السوريين “للتواصل مع المعارضة ووضع حل للأزمة”، وكان منهم عبد العزيز الخير، الذي اعتقله الأسد في المطار فور عودته منها، دون أن تقوم بالمطالبة به أو تبذل أي جهود للإفراج عنه حتى اليوم، بل لعل الصين تشجع النظام على المزيد من الدموية التي تثبت نجاعة نهجها ضد الإيغور وشعب التيبت وضد المجموعات العرقية الصينية الأخرى.

وصل وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، إلى دمشق في 17 من تموز الحالي، رغم المقاطعة الدولية لنظام الأسد، وذلك بعد أشهر قليلة من توقيع الصين اتفاقية تعاون ودفاع مع إيران، تضمنت إعطاءها أحد الموانئ قرب الخليج مع حرية جلب الخبراء وعائلاتهم من دون عدد محدود بسقف، فالصين دعمت وجودها في إفريقيا بالاستيطان البشري أيضًا، ولعل قرار استقبال الاستيطان الصيني سيكون بعد توقيع الاتفاقيات الموعودة مع نظام الأسد.

حضور الوزير الصيني يوم خطاب القسم الرابع للأسد، في 17 تموز الحالي، يقابله حضور قادة غربيين عام 2000، الرئيس الفرنسي شيراك، ووزيرة خارجية الولايات المتحدة أولبرايت، قبل خطاب القسم الأول، وإعطاء الضوء الأخضر لتوريث بشار الأسد الحكم، وهو الذي أثبت اليوم أنه إصبع ديناميت فعّال وينجز ما عجزت عنه المرحلة الاستعمارية القديمة والجديدة، وهو يستمر في خدمة التحولات العنيفة، حيث تتفق كل الأطراف على جعل سوريا حقلًا للرمي وللتجارب العسكرية وحروب العصابات الروسية والإيرانية والغربية.

تشارك الصين علنًا في الحكم الاستعماري الجديد لسوريا مع الأطراف الأخرى الروسية والإيرانية والتركية والغربية، وستعلن خططها الجديدة لدعم نظام بشار الأسد تمامًا كما أعلنت خططها قبل عشرات السنين لدعم الديكتاتوريات الإفريقية.

الغريب أن وزير الخارجية الروسي لم يحضر، ولا حتى وزير الخارجية الإيراني، إلى دمشق لمشاركة وزير الخارجية الصيني فرحته بالقبض على فرصته الجديدة في توسيع خطة “الحزام والطريق”، وأعلن الوزير عن قرب عقد اتفاقات مع نظام الأسد ربما لتمكينه من تدمير ما تبقى من البلاد، فإيران وروسيا المفلستان لم يعد لديهما غير الخردة العسكرية والصور التي تؤلّه القادة وزعماء الميليشيات النازيين.

مفرق جديد تدخله سوريا مع وزير الخارجية الصيني وهو لن يكون باتجاه بناء سوريا، ولا من أجل إحلال السلام فيها كما أعلن الوزير الصيني في مؤتمره الصحفي، خاصة أن الوزير أعلن عن خطة رباعية لإحلال السلام في سوريا، ثلاث نقاط منها تؤكد على دعم نظام الأسد وأجهزته، والرابعة تضمر ذلك، ولكن ليس بنفس الصراحة في البنود الثلاثة الأولى.

الصين في دعمها العلني لبشار الأسد تستعيد ذكرى سحق أحداث ساحة “تيان آن من” عام 1989، حين مرت الدبابات فوق أجساد المتظاهرين في وسط بكين، تلك المظاهرات كانت تشبه مظاهرات السوريين في آذار 2011.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي