عروة قنواتي
اقتربت ساعة الأولمبياد في طوكيو، وبدأت البعثات والمنتخبات بالسفر والتوجه إلى اليابان، حيث منافسات دورة الألعاب الأولمبية الصيفية “الاستثنائية”، بكل معنى الكلمة وسط جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، التي طبعت في الملاعب والصالات والمسابقات والمنافسات صورًا ومشاهد لن ينساها التاريخ، حالة طوارئ، من دون حضور جماهيري، تباعد صحي اجتماعي، أنظمة وقوانين صارمة نتمنى أن تغادر حياتنا وأيامنا في القريب العاجل.
لن أتحدث هنا بإسهاب عن أولمبياد “طوكيو”، وإنما في حضرة الأولمبياد لا بد للذكريات أن تظهر مجددًا في مخيلة من تابع العمل الرياضي في بلادنا، كتب أو شارك أو مارس أو سافر أو حضر أو شجع، أيًا كانت المسميات، لا مشكلة.
ومن الذاكرة غير المضيئة في رياضة البلاد المتعبة أن حصادها كان على مدار المشاركات الأولمبية بعد الاستقلال، وخلال 16 مشاركة بدءًا من العام 1948: ميدالية ذهبية للعدّاءة السورية غادة شعاع عام 1996 في أتلانتا، وفضية المصارع جوزيف عطية في أولمبياد “لوس أنجلوس” 1984، وبرونزية الملاكم ناصر الشامي في أولمبياد “أثينا” 2004.
تحتل سوريا مرتبة متوسطة على المستوى العربي بلائحة الأكثر حصولًا على الميداليات في المشاركات الأولمبية، بعد مصر وتونس والمغرب والجزائر ولبنان. وبصرف النظر عن مستوى البعثات وقصص الإنجاز والإعجاز بالمنافسة للوصول إلى ذهبية وفضية وبرونزية، فإن أكثر ما يتذكره المرء من قصص في الوسط الرياضي السوري هو كيف تم الاستعداد للأولمبياد؟ وأين؟ وكيف كانت المعسكرات تُقام، وأي نوع من الاهتمام كانت تقدمه قيادة الأمر الواقع في رياضة سوريا؟
وحتى لا يقال: “لا يعجبكم شيء في هذه البلاد، والنقد والهجوم يطال كل إشراقة فيها”، لا بد من التذكير بما كان يُتداول وسط الرياضيين أنفسهم، بخسارة ملاكم في الأولمبياد وخروجه من المنافسة، لأنه لم يكن يرتدي واقي رأس بنفس القياس المطلوب، وأن يتذيل رياضي آخر ترتيب الرماة في منافسة الرماية لأنه لم يتدرب على البندقية الأولمبية، وأن سباحًا تدرب على مستوى محدد في سوريا وشارك بمستوى أعلى في الأولمبياد فخرج مبكرًا من المسابقة، وأن بطلة الأولمبياد بذهبية السباعي خانت الوطن وتخاذلت في الأولمبياد الذي تلاه رغم صرف الوطن عليها وعلى استعداداتها (بغض النظر عن موقفها الحالي المؤيد لنظام الأسد).
وللعلم فإن صاحب البرونزية الملاكم ناصر الشامي، أُصيب برصاص أجهزة الأمن في الثورة السورية، وتوجه بعد ذلك إلى ألمانيا وأصبح أسير العلاج والعمليات الجراحية المتكررة.
في هذه البلاد، لم يستطع باسل الأسد أن يشارك في الأولمبياد ولا مرة، ولكن لربما كان عدنان قصار يستطيع المشاركة بأرقامه ومستواه، فزُجَّ به في السجن لمدة 21 عامًا من دون محاكمة.
إن أعجبنا شيء في البلاد أم لم يعجبنا، يجب أن نعلم بأن سباحين من طراز مميز، حُجبوا وحُجبت أرقامهم ومشاركاتهم الدولية كرمى لعيون السبّاح المدلل فراس معلا وإخوته، وقد صار اليوم رئيسًا للجنة الأولمبية التابعة لنظام الأسد.
ويجب علينا أن نذكر بأن الصالات والملاعب والمنشآت التي سجلت صدى صوت المعتقلين والمعذبين خلال حقبتين زمنيتين، في الثمانينيات وفي حقبة العام 2011، لا يمكن لها أن تخرج أبطالًا للأولمبياد، ولو تخرجوا فيها وكانوا الطفرة في مملكة الخوف، فأبناء محمد حمشو والأسد وغيرهم جاهزون لتمثيل المملكة، بما ينهي الطفرة وما يقتل الموهبة ويجعل البلاد بعيدة عن مجد الأولمبياد، منذ الانطلاقة وحتى آخر الزمان.