شهدت الأشهر الأخيرة تصريحات اقتصادية لمسؤولي دول عربية عن دور سوري في مشاريع اقتصادية مستقبلية، حضر ملف الغاز وتمريره عبر الأراضي السورية في اثنين منها.
وأعلن رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، سعد الحريري، أن الغرض من زيارته الأخيرة إلى مصر، في 14 من تموز الحالي، التي التقى خلالها بالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ووزير الخارجية، سامح شكري، هو الحصول على الغاز المصري في سبيل توفير نحو 50 أو 60% من تكلفة المحروقات في لبنان.
وأوضح أنه تواصل مع القيادة الأردنية لإقناع الأمريكيين بالموافقة على وصول الغاز المصري عبر الأردن وسوريا إلى لبنان، مشيرًا خلال المقابلة إلى حصول لبنان على الكهرباء من سوريا حين كان رئيسًا للحكومة.
ولم يذكر الحريري آلية تنفيذ المشروع ومدى قابليته للتطبيق، رغم وجود تجاوب مصري، بحسب قوله.
كما لم يوضح ما إذا كان هناك اتفاق حيال قضية الغاز مع الجانب السوري، قبل طلب الوساطة الأردنية للحصول على الموافقة الأمريكية.
تصريحات الحريري تزامنت مع اعتذاره عن عدم تشكيل الحكومة اللبنانية بعد تسعة أشهر من تكليفه بتأليفها، لتخلف حكومة تصريف الأعمال التي يقودها حسان دياب، رغم استقالتها في 10 من آب 2020، على خلفية غضب شعبي لبناني إثر انفجار بيروت، في 4 من الشهر نفسه، ومطالب الشعب باستقالة الحكومة ومحاسبة المتسببين بالانفجار الذي ألحق خسائر كبيرة في الأرواح والبنى التحتية.
ونقلت صحيفة “الأخبار” اللبنانية اليوم، الاثنين 19 من تموز، عن “مصادر حكومية” لم تسمها، أن مساعي القاهرة وعمان لتزويد بيروت بالغاز عن طريق الأردن، تركز على طلب الولايات المتحدة ألا تشارك الحكومة اللبنانية في أي اتفاق مباشر مع حكومة النظام السوري.
وذكرت الصحيفة أن المطالب الأمريكية تنص على تولي الأردن التفاوض مع دمشق، للاتفاق على بدل نقل الغاز عبر أراضيها إلى لبنان، إذ ترى الولايات المتحدة أن أطرافًا في لبنان تريد استثناءات في قانون “قيصر”، لأهداف أخرى، كما أن واشنطن لا ترغب بتواصل مباشر بين دمشق وبيروت.
و”قيصر” هو قانون عقوبات أمريكي تفرض بموجبه الولايات المتحدة عقوبات على مسؤولين منتمين إلى النظام وداعمين له، وتحظر بموجبه دعم النظام أو التعاون معه اقتصاديًا، منذ 16 من حزيران 2020.
البحث عن حلول من الخارج
الباحث اللبناني في الاقتصاد السياسي، الدكتور طالب سعد، أوضح في حديث إلى عنب بلدي أن الأزمة الاقتصادية، التي لم يواجه لبنان مثلها في تاريخه الحديث، تدفع للبحث عن حل جذري للمعضلة اللبنانية.
ويرى أن الحديث عن غاز مصري يمر عبر سوريا نحو لبنان ليس الهدف الرئيس لزيارة الحريري، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الحريري زار مصر بشكل مفاجئ، دون وجود فريق عمل مختص للقيام بتحضيرات ومناقشات حول الأمر.
ويمكن أن يكون موضوع الغاز والحديث عنه اليوم تمهيدًا لمشروع قد يطرحه الحريري في الفترة المقبلة ليقدّم نفسه من خلاله للشارع اللبناني، بحسب سعد، الذي اعتبر حديث الحريري عن تأمين غاز لحكومة لا يقودها ترميمًا لهزيمة سياسية كانت متوقعة حتى بالنسبة للحريري.
وقال الدكتور طالب سعد، إن البحث عن حلول اقتصادية من الخارج يجب أن يسبقه تحديد لهوية الاقتصاد اللبناني ووظيفته الاقتصادية في المنطقة، وبناء علاقات ودية مع الدول الأخرى.
كما أضاف الباحث الاقتصادي أن العملية الاقتصادية في لبنان ستتطلب بعض الوقت لتقتنع الأطراف السياسية بفشلها وإفلاسها.
فالحديث عن التوجه شرقًا أو غربًا أو طرح أفكار اقتصادية تبحث عن حلول خارج لبنان، وخلق تحالفات أو أسواق اقتصادية، يخالف الواقع الذي يتطلب خلق إنتاج محلي، ما يفسر بوضوح حالة الضياع الاقتصادي التي تعم المشهد اللبناني.
العراق من قبل
وسبقت الحديث عن اتخاذ الأراضي السورية ممرًا للغاز المصري نحو لبنان، زيارة وزير النفط السوري، بسام طعمة، إلى بغداد، في 29 من نيسان الماضي.
وحينها تحدث وزير النفط العراقي، إحسان عبد الجبار، عن اتفاق وشيك لاستيراد الغاز المصري عبر سوريا إلى بلاده، وفق ما نقلته وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع).
ولم تذكر الوكالة العراقية، حينها، مزيدًا من التفاصيل حول طبيعة الاتفاق وشروط وموعد إمداد الغاز إلى بغداد.
الملف بيد الروس في سوريا
المحلل الاقتصادي السوري فراس شعبو، تحدث إلى عنب بلدي عن آلية التعامل مع الغاز في سوريا، والحضور الاقتصادي السوري عربيًا.
وقال شعبو اليوم، إن ملف الغاز السوري سُلّم للروس بشكل كامل، والنظام السوري خارج اللعبة في ظل غياب توافق عربي على إشراكه في أي حالة اقتصادية يمكن أن تؤدي إلى رفده بأي موارد.
وشكّك شعبو بجدية التصريحات التي تصدر من هذا النوع، معتبرًا أن حدوثها على الأرض في حال تحققت هذه المشاريع لن يصب في خدمة المواطن السوري، وإنما في خدمة أفراد وكيانات تستنزف الاقتصاد السوري منذ عشرات السنوات.
ولفت المحلل الاقتصادي إلى عدم قدرة حكومة النظام على تأمين غاز الطبخ للسوريين في مناطق سيطرتها، في ظل هيمنة روسية على حقول الغاز السورية في البحر المتوسط.
ويتواصل الحديث عن مشاريع اقتصادية إقليمية من وقت لآخر، خاصة في الدول ذات الاقتصادات المضطربة وغير المستقرة.
وكان المستشار السياسي والإعلامي لرئيس الجمهورية اللبنانية، أنطوان قسطنطين، أعلن، مطلع نيسان الماضي، أن الرئيس ميشال عون يستعد لطرح مبادرة هدفها إقامة سوق اقتصادية مشتركة، تضم لبنان والأردن والعراق وسوريا، وتتكامل مع السوق العربية الأوسع.
المبادرة التي اعتبر قسطنطين أن من شأنها فتح آفاق كبيرة للبنانيين، توقفت عند هذا الحد، إذ لم يُعلن عن أي إجراء جدي حيال المشروع، بالتزامن مع أزمة سياسية في لبنان تترافق مع أزمة اقتصادية متصاعدة تتقاطع مع الأزمة الاقتصادية والمعيشية في سوريا في عدة محاور.
–