درعا – حليم محمد
لم يمارس عبد الكريم العارف خلال العام الحالي عادته في تخزين العسل، بعكس السنوات الماضية، لثقته التامة في عدم وجود عسل “خالٍ من الغش”.
حصل عبد الكريم (50 عامًا) في العام الماضي على 20 كيلوغرامًا من العسل الصافي خلال فصل الربيع، وفق ما قاله لعنب بلدي، ولكن جفاف الأمطار وتأثيره على الأزهار، أثّر على جودة العسل التي اعتادها السكان في محافظة درعا جنوبي سوريا.
افتقر شتاء العام الحالي إلى غزارة الأمطار في المحافظة، ما أدى إلى ندرة الأزهار التي يتغذى على رحيقها النحل، ترافق ذلك مع قلة المراعي بسبب الأوضاع الأمنية داخل المدينة، بالإضافة إلى الصعوبات التي يواجهها مربو النحل في نقل نحلهم إلى بقية المحافظات السورية.
لا أزهار برية في درعا خلال العام الحالي
يعتمد مربو النحل على موسم الربيع لجني رحيق الأزهار البرية، التي تنتج عادة كميات من العسل ذي الجودة العالية، كالعسل الشوكي من أزهار الأشواك البرية، وكذلك يرعى النحل على أزهار البساتين المروية، وعلى أزهار الأشجار المثمرة، كالرمان واللوزيات.
قلة المراعي دفعت المربين إلى تغذية نحلهم بمحلول السكر على حساب الجودة، على الرغم من ارتفاع تكلفة التغذية بالسكر، إذ يبلغ سعر كيلو السكر الواحد في المحافظة 1500 ليرة سورية (حوالي 46 سنتًا).
وهو ما يعاني منه أيضًا مربي النحل جبران الحسين، الذي يمتلك 300 خلية نحل، يوزعها على ضفاف وادي “اليرموك” بريف درعا الغربي.
ويحتل حوض وادي “اليرموك” بريف درعا الغربي المرتبة الأولى بإنتاج العسل في المحافظة، نظرًا إلى خصوبة أرضه وتوفر الأجواء الملائمة للرعي، كالاعتدال في فصول العام وغيره.
“في موسم الربيع لا نحتاج إلى تغذية النحل بمادة السكر، ولكن قلة المراعي أجبرتنا على تغذيتها بهذه الطريقة”، وفق ما قاله مربي النحل جبران الحسين لعنب بلدي، بسبب الجفاف الذي حصل في الموسم الحالي.
كما أن قطع الأشجار المعمّرة، خصوصًا شجر الكينا الذي تتغذى النحل على أزهاره، بالإضافة إلى رش المحاصيل بالمبيدات الحشرية، أدى إلى تناقص أعداد النحل بسبب موتها، وفق ما قاله مربي النحل جبران.
ويتخوف أغلب مربي النحل من وضع خلايا نحلهم قرب حقول الثمار، التي تتعرض للرش الكيماوي بالمبيدات الحشرية كل شهر تقريبًا، لضمان عدم إصابة الحقول بالأمراض الفطرية.
ويتراوح سعر كيلو العسل الواحد في درعا ما بين 15 ألف ليرة (حوالي أربعة دولارات) و35 ألف ليرة (11 دولارًا).
وعلى الرغم من تلك الصعوبات في تأمين التغذية للنحل في مدينة درعا، توقع رئيس فرع سوريا لـ”اتحاد النحالين العرب”، إياد دعبول، في 25 من أيار الماضي، أن يصل إنتاج سوريا من العسل إلى 1200 طن في العام الحالي، مقابل 700 طن للعام الماضي، وأن أسعاره قد تنخفض بعد زيادة الإنتاج، وتوفر مراعي الحمضيات، واليانسون، وحبة البركة، وهذه المحاصيل تفتقدها محافظة درعا.
مشكلات أمنية يعاني منها المربون
تأثر قطاع تربية النحل سلبًا في مدينة درعا خلال السنوات العشر الأخيرة، إذ تراجعت إمكانية ترحيل الخلايا إلى المحافظات السورية، وكان النحالون يقصدون محافظة الرقة شمالي سوريا في موسم إزهار القطن، وريف دمشق الغربي لجني رحيق اليانسون، ويقصدون محافظتي اللاذقية وطرطوس غربي سوريا لجني رحيق الحمضيات.
هذه المراعي لم تعد متوفرة للمربين في درعا لأسباب تتعلق بصعوبة التنقل بين المحافظات السورية، خوفًا على سلامة أصحاب هذه المهنة من أي خطر أمني قد يتعرضون له.
“كنا سابقًا نرحّل الخلايا في كل موسم على حدة، أما الآن، فحتى في داخل محافظة درعا لم يعد بالإمكان تنويع المراعي”، بحسب ما اشتكى منه المربي جاد الله الأحمد من بلدة جملة بريف درعا الغربي لعنب بلدي.
ويواجه مربو النحل داخل المحافظة نفسها من عدة صعوبات في المرعى، حيث تتعرض خلايا نحلهم لحوادث السرقة المتكررة، بحسب جاد الله الأحمد الذي سُرق مرتين، في كل مرة عشر خلايا، و”هذا يتطلب مني توظيف ناطور لكل مرعى، وهو أمر يزيد من تكلفة الإنتاج”.
ويضاف إلى الصعوبات التي تعرقل مربي النحل في درعا غلاء أجرة سيارات الشحن، وخاصة بعد ارتفاع سعر مادة المازوت، وتختلف الأجرة تبعًا لطول المسافة المرحّل إليها.
وأدت المعارك الكثيرة التي شهدتها منطقة حوض وادي اليرموك بين قوات النظام السوري وفصائل المعارضة المسلحة وتنظيم “الدولة الإسلامية”، خلال الأعوام الماضية، إلى تدمير معظم المناحل وخسارتها بشكل كامل، بالإضافة إلى عمليات السرقة والنهب التي طالتها.
وسيطر تنظيم “الدولة الإسلامية” على حوض اليرموك في عام 2014، بعد أن كان بيد فصائل المعارضة، ليتمكن النظام السوري من استعادة السيطرة عليه في عام 2018.