خطيب بدلة
حدثني “مصطفى سمعان”، شاب سوري التقيتُه في ألمانيا، عما أسماه “التصادم الحضاري المحلي”، قلت له إنني الآن في حيطان الـ70 سنة، أمضيتها في الشقاء والتعتير ومعاشرة مختلف صنوف البشر، بالإضافة إلى اهتمامي بالأدب والثقافة والفلسفة، ومع ذلك لم أسمع بهذا المصطلح، الفلاسفة، يا سيد مصطفى، يتحدثون عن صراع الحضارات، عن تكامل الحضارات، عن التأثير المتبادل بين الحضارات، وأما “التصادم الحضاري المحلي”، فوالله هذه جديدة علي.
قال مصطفى إن هذا المصطلح من تأليفه (وتلحينه)، والتصادم الحضاري المحلي يحصل مرة كل يوم سبت، حينما يأتي الجاران الألمانيان لاورا وراينر لزيارته في الشقة التي أسكنته فيها البلدية “السويال”، أو يدعوانه لزيارتهما في منزلهما الكائن في نفس البناية.
السبت الماضي، حكى مصطفى لجاريه أنه، قبل أن يتفضلا بالحضور، كان يتحدث مع ابن عمته “جرجس” الذي غادر مدينة إدلب قبل سنوات، واستقر في مدينة حماة، وبالمصادفة جاءه خبر، أن الأخ الفاتح “أبو محمد الجولاني”، تبع تنظيم “القاعدة”، يقوم حاليًا بـ”تقارب حضاري” مع أمريكا، ولذلك أصدر قرارًا ينص على إعادة أملاك المسيحيين المصادَرة لأصحابها.
فنجرت لاورا عينيها مثل زهير رمضان عندما يمثل دور المندهش في “باب الحارة”، وأمسكته من يده، وطلبت منه التوقف، وراحت تستوضح عن أموال المسيحيين المصادَرة، أهي كنائس وأيقونات ورموز مسيحية وهيك شي؟ نتر مصطفى يده من يدها بشهامة، وراح يشرح لها أن جماعة الفاتح “الجولاني”، في فترة التباعد الحضاري مع أمريكا، صادروا أموال أشخاص عاديين. نط الزلمة، راينر، مثل حمصة الكي، وسأله: هل يجوز مصادرة أشخاص عاديين؟ ولماذا؟ ألأنهم مسيحيون؟
استغل مصطفى غليان الماء المخصص لغلي الشاي في الأبريق، واستأذن ليجهزه، وفي أثناء سكب الماء الساخن في الفناجين راح يشرح لهم أن مصادرة أموال الناس في بلادنا لا تقتصر على المسيحيين، فهي موضة قديمة، تعود إلى أيام جمال عبد الناصر الذي أخذ، أيام الوحدة، المصانع من أصحابها، ومن بعده جاء البعثيون وصادروا المعامل والأراضي، وفي الثمانينيات، أمر حافظ الأسد بمصادرة أملاك “الإخوان”، وهؤلاء مسلمون سنة، والآن جماعة “القاعدة” صادروا أموال المسيحيين. المهم عمي راينر وخالتي لاورا، الله يخليكم، لا تنفخوا معلاقي، وتخلوني أعصب، وأصرخ، وألم علينا الجيران، (وابتسم وقال) أعرف أن الألمان لا يصرخون، ولا يلمون الجيران، ولكنها عبارة تقال.
قالت لاورا: وأيش صار مع جرجس؟ فرد عليها مصطفى بأن جرجس، وغير جرجس، بيعرفوا أن القصة معقدة، و”الجولاني” لا يعيد الأملاك لأصحابها إذا لم يحضروا شخصيًا، يعني، يا خالتي، إذا أنت عندك، وقاعدة في حماة، أو السعودية، أو ألمانيا، وبدك تعملي توكيل لواحد من أصدقائك، منشان يبيع البيت، ويبعت لك تمنه، بعيدة عن بوزك.
وقبلما يتمكن راينر من التعليق قال مصطفى، لكن اللي عنده بيت قيمته 30 ألف يورو، مستعد يجي لإدلب كرماله. قال راينر: عال. يعني القصة انحلت، فليأت جرجس إلى إدلب ويستلم ما يخصه.
ضحك مصطفى وقال: وكيف يأتي إلى إدلب إذا الطرقات والمعابر كلها مسكرة؟ بالهليكوبتر؟!