منصور العمري
في المحاكمة الأولى من نوعها بهولندا، أصدرت محكمة “الهاغ” (لاهاي)، في 16 من تموز/ يوليو الحالي، حكمها بالسجن 20 عامًا على السوري أحمد الخضر (49 عامًا)، بعد إدانته بارتكاب جريمة حرب (قتل أسير)، وتبرئته من تهمة المشاركة في منظمة إرهابية، حين كان قياديًا في جماعة “غرباء موحسن” المسلحة المعارضة لنظام الأسد. شارك أحمد، عام 2012، في جريمة قتل الأسير قصي محمود العلي، المقدم في جيش نظام الأسد.
لم أقضِ وقتًا طويلًا في حضور جلسة صدور الحكم التي كانت باللغة الهولندية ولم يتم توفير ترجمة للجمهور، كما أن المحاكمة ليست مؤرشفة رسميًا بشكل كامل.
طالب الادعاء بسجن أحمد 26 عامًا، بعد أن وجه إليه تهم القتل والمشاركة في منظمة إرهابية. وجدت المحكمة أن الأدلة المتاحة غير كافية لإثبات إمكانية اعتبار الجماعة المقاتلة (غرباء موحسن) منظمة إرهابية خلال الفترة التي كان فيها أحمد قائدها. بناء عليه، برّأته من تهمة المشاركة في منظمة إرهابية. وصدر الحكم عن غرفة الجرائم الدولية بمحكمة “الهاغ” (لاهاي)، في مجمع “سخيبول” القضائي قرب أمستردام.
تحمي القوانين الدولية والوطنية الأسرى والمعتقلين والمختطفين، وتجرّم تصفيتهم أو سوء معاملتهم. تنص قوانين الحرب على حماية الأشخاص الذين لا يشاركون في الأعمال القتالية أو توقفوا عن المشاركة فيها، مثل المدنيين وأسرى الحرب، وانتهاك هذه القوانين يشكل جريمة يعاقب عليها القانون.
يمكن محاكمة الأسرى مثل قصي العلي بتهم ارتكاب جرائم، ولكن يجب أن تجري المحاكمات في المحاكم المختصة وتستوفي شروط المحاكمة العادلة، وليس من خلال عمليات إعدام ميدانية. لذلك، تصفية المقدم قصي محمود العلي لاتهامه بارتكاب جرائم هي جريمة قتل وجريمة حرب، يجب أن يحاسَب عليها أحمد وكل من شارك فيها.
قال المدعي العام أمام المحكمة في جلسات سابقة، إن مقاومة نظام الأسد مشروعة “لكن ليس بهذه الطريقة (…) الدافع هنا كان الانتقام لأنه خدم في جيش الأسد، الذي كان أحمد عنصرًا فيه قبل وقت ليس ببعيد”.
وصل أحمد إلى هولندا عام 2014، واعتقل في 21 من أيار/ مايو 2019، بعد تلقي هولندا معلومات من ألمانيا وشهادات تفيد بانتمائه إلى “جبهة النصرة” حين كان في سوريا، والتعرف عليه في فيديو وهو يشارك في قتل الأسير قصي محمود العلي، المقدم في جيش النظام السوري، عام 2012، لتبدأ غرفة الجرائم الدولية بمحكمة “الهاغ” بمحاكمته بموجب الولاية القضائية العالمية عام 2019. كما اعتُقل شقيق أحمد في ألمانيا، الذي كان حاضرًا في أثناء إطلاق النار على الأسير.
لم يظهر أحمد في الفيديو المتداول عبر الإعلام، لكن المحققين الألمان قدموا مقاطع فيديو أخرى، يظهر فيها أحمد بشكل واضح عُرضت في المحكمة، كما تحدث المحققون مع شاهد في سوريا ومع أربعة شهود في تركيا، عبر “واتساب”.
في بداية المحاكمة، أنكر أحمد جريمته، وقال للقاضية: “أقسم بالله ليس هناك دم على يدي”، أي أنه لم يقتل الأسير. لكن بعد أن عرضت المحكمة الفيديو الذي يظهر أحمد يطلق الرصاصة الأولى على الأسير، نظر أحمد إلى الأرض محدقًا بها، ليتخلى عن عنجهيته ويبدأ بالرد على أسئلة القاضية بخجل.
كان أحمد الخضر، الملقب بـ”أبو خضر”، قياديًا في جماعة “غرباء موحسن”، التي استمدت تسميتها من قصيدة تمجد المجرم أسامة بن لادن، وتصفه وأتباعه بالغرباء في جبال أفغانستان. قبل ذلك، كان أحمد عسكريًا في قوات الهجانة (حرس الحدود) التابعة للنظام السوري لمدة 21 سنة. في مقابلة مع صحيفة “الجارديان” بعد أيام من إعدامه أسير الحرب، عبّر أحمد عن إعجابه بتوافد عناصر من “القاعدة” إلى سوريا من اليمن والعراق والسعودية والأردن، فرد عليه أحد الناشطين السوريين: “ماذا تحاول أن تفعل يا (أبو خضر)؟ هل ستبدأ بقطع الأيدي وتجعلنا مثل السعودية، أمِن أجل هذا خرجنا في ثورة؟”، أجابه أحمد: “هدف (القاعدة) إقامة دولة إسلامية وليس دولة سورية. من يخشى التنظيم يخشى تنفيذ أمر الله. إذا لم ترتكب المعاصي فلا شيء تخافه”. في هولندا كان أحمد وعائلته يترددون إلى كنيسة البلدة ويستفيدون من خدماتها في بلدة كابيله، جنوب غربي هولندا.