النبوءة

  • 2015/10/18
  • 2:30 م

في أواسط التسعينيات هزت جريمة قتل وسلب قام بها شاب وخاله بحق سائق تاكسي في مدينة درعا، حدثت الجريمة بالقرب من منزل خالتي أم سفيان وشعرت حينها بحظوة خاصة ميزتني عن أقراني الذين لم تحدث الجريمة بالقرب من منازل خالاتهم. أضفت لهذه الحظوة قليلًا من بهاراتي الخاصة بعدما أكدت في روايتي للواقعة لزملائي من أولاد الحارة أن ابن خالتي سفيان كان آخر راكب استقل هذه التاكسي قبل دقائق من الحادثة، أما في نسخة الحكاية التي كنت أقصها لأبناء مدرستي، فكان ابن خالتي الآخر حيّان هو الشاهد الوحيد على الجريمة بعد أن شاهد بالصدفة كل ما حدث عبر شباك المطبخ الذي دخله ليشرب كأس ماء بعد منتصف الليل.

استمرت الحظوة أشهرًا، وكنت إذا أتت سيرة الجرم، أبتسم ابتسامة خفيفة هازئة بالأنباء المتناقلة، وأبدأ من ثم تصحيح كل التفاصيل المغلوطة التي تساق نقلًا عن الشائعات والأساطير طبعًا وأقارنها، من ثم، بأخباري المؤكدة والموثوقة التي أستقيها من أصحاب العلاقة في منزل خالتي أم سفيان، بل كذّبت رواية قيل إنها مسربة عن طالب في الشعبة الثانية يعمل أبوه كضابط شرطة في القصر العدلي ومفادها أن الجريمة حدثت بهدف السرقة، وشددت على أن الموضوع أكبر من ذلك بكثير دون أن أقدم مزيدًا من الإيضاحات حول ذلك الكثير، مكتفيًا بهزة رأس تدل على أنني لا أستطيع الإدلاء بالمزيد في الوقت الحاضر.

بعد أشهر على الحادثة، ظهر كلا القاتلين على شاشة القناة الأولى في التلفزيون العربي السوري ضمن برنامج «الشرطة في خدمة الشعب» الشهير. ورغم شعوري بتراجع فرادتي الفادح إلا أن استحواذ درعا على كل الاهتمام خلال وقت البرنامج وتكرار اسم المدينة أكثر من مرة خفف من وقع هذه الخسارة ونقل الحظوة إلى الجانب الجمعي.

أقر المجرمان أنهما إنما ارتكبا فعلتهما الشنيعة في السادسة والنصف من صباح يوم الحادثة بدافع سلب السائق مبلغًا من المال كان يستعد لنقله في بداية يوم عمله لمصلحة شركة حوالات على خط درعا-دمشق. وعبّرا عن ندمهما الشديد على ما اقترفت أيديهما، موجهين رسالة إلى كل من قد يحذو حذوهما ملخصها أن طريق الجريمة مسدود وأن يد العدالة ستطال أي خارج عن القانون طال الزمان أم قصر.

استيقظت صباح اليوم التالي، ارتديت سدريتي الخاكية، وضعت حقيبتي على ظهري وتوكلت على الله، وصلت المدرسة، وقبل أي صباح خير، بادرت مجموعة من أبناء الشعبة المتجمعين في الباحة يتحدثون عن اعترافات الأمس بتساؤل واثق: «ألم أقل لكم؟».

مقالات متعلقة

رأي

المزيد من رأي