فادي القاضي
يساورني شكٌ، أن الجيل الحالي من الصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام في سوريا، من غير الخاضعين لسلطة نظام الأسد؛ لم يعد قادرًا على تقديم تعريف لهوية وسائل الإعلام التي يعملون بها. ومرد هذا الشك يعود لغزارة التوصيفات المطروحة حول هذه الوسائل، وطبيعة عملها، وملكيتها، والجمهور الذي تستهدفه، والجغرافيا التي تتواجد بها، وشروط العمل في المكان الذي تصدر منه.
ولعل أبرز ما درجت وسائل الإعلام التي انطلقت من رحم الحراك الثوري في سوريا، على إسباغه على نفسها خلال الأعوام الماضية، صفة «الإعلام البديل»، وفي هذه الصفة القليل من التحديد، والكثير من المعاني التي يحتمل بعضها التأويل، ويُخفقُ بعضها الآخر عن تقديم أي معنى.
وهنا، فإن من السهل افتراض أن ذلك الإعلام سعى، ومنذ بدايته، لتقديم البديل، عن وسائل الإعلام التي تدور في فلك المؤسسة الحاكمة في دمشق. وهو في حاله هذا، أي سعيه للعب دور البديل، أفرز وأبرز جهودًا انتظم بعضها في سلك مؤسسات تصدر صحفًا مطبوعة أو تبث محطات للراديو والتلفزيون، أو تديرُ مواقع إخبارية على شبكة الإنترنت، في حين أخفقت بعض المبادرات وآلت الى النسيان. إلا أن ما هو ليس سهلًا، على الأقل الآن، هو التدقيق في فرضية أن هذا الإعلام، ووسائله المتعددة، قد أتم دوره باعتباره بديلًا عن إعلام الأسد، وأنه بات الآن على أعتاب الاستقرار باعتباره النموذج الجديد للإعلام السوري.
وبرأيي إن تلك مسألةٌ على قدر كبير من الأهمية، ففي الوقت الذي كانت الصحف والمواقع الإخبارية ترى نفسها في وقت من الأوقات «ناطقة باسم الثورة السورية» ومُعبرةً عن شؤونها وشجونها، وبالتالي واضحة الهوية والمعالم إلى حد كبير؛ فإن كثيرًا من هذا الوضوح غاب مع مرور الوقت، وانتقال البيئة السياسية من وضع إلى آخر، ومن حالة الى حالة. ومن المفيد استذكار ما قاله الزميل جواد شربجي، في حديثه لصحيفة العربي الجديد، بتاريخ 5 نوفمبر 2014، الذي أكد فيه أن «الإعلام السوري البديل ليس له أي تأثير واضح دوليًا وحتى محليًا، هو فقط ناقل للأخبار، حتى إن السوريين يفضلون أخذ أخبارهم من الوكالات الدولية، الأمر الذي أدى بشكل أو بآخر إلى غياب سلطة الإعلام، وعدم اعتراف المعارضة به».
ومن الأرجح أن الإشارة الى «سلطة الإعلام» تعكس أفكارًا عن تحول المجتمع إلى بيئة ديمقراطية قائمة على سيادة القانون ومبدأ الفصل بين السلطات الثلاث؛ التنفيذية والتشريعية والقضائية؛ مُضافًا اليها دورٌ رقابي مفترض في وسائل الصحافة والإعلام على شكل «سلطة رابعة» غير رسمية. وفي كل الأحوال، هذا النوع من التحول غير متوفر الآن.
في اعتقادي، إن «الاعلام السوري البديل» بالصيغة التي تداعى النشطاء والإعلاميون إليها في أتون الحراك الثوري، لم يعد موجودًا، لكن ذلك لربما، لا يعني أن مجموعة الصحف والمؤسسات الإعلامية القائمة حاليًا لا تستطيع أن تسبغ على نفسها صفة «البديل المدني» و «البديل المجتمعي» لما هو قائمٌ الآن في جغرافيا سوريا.
اختار الجيل الحالي من ممارسي الصحافة والإعلام ألا يدفن الحقيقة (كما هي شروط عضوية نادي إعلام الأسد) وليس بوسعه اختيار قبرها، بسبب تغير الشخوص، والزعامات، والقيادات واختلاف المسميات. وآمل أن ينشط النقاش حول هذه المسألة في أوساط الزميلات والزملاء في الفترة المقبلة.