عنب بلدي – ديانا رحيمة
وافق مجلس الأمن على تمديد دخول المساعدات الإنسانية لمدة عام عن طريق معبر “باب الهوى” الحدودي بين سوريا وتركيا، تُجزّأ إلى فترتين كل منهما ستة أشهر.
وكان قرار المجلس مفاجئًا بسبب التعنّت السابق لروسيا بمواقفها المطالبة بإغلاق المعبر في وجه المساعدات الأممية، وإصرارها على دخولها عن طريق النظام السوري، ما فتح تساؤلات حول المكاسب التي يُحتمل أن تكون روسيا قد كسبتها مقابل تمرير القرار.
وسبق الجلسة التي توجهت الأنظار نحوها، وانعقدت في 9 من تموز الحالي، تخوف من “فيتو” روسي يعرقل إعادة تفويض قرار إدخال المساعدات عبر الحدود، واستبدال الخطوط الداخلية بها، وهي التي تشرف عليها حكومة النظام السوري.
صفقات غير معلَنة
يرى الباحث السياسي المختص بالشان الروسي محمود حمزة، أن الروس لم يوافقوا على تمديد صلاحية المعبر إلا من خلال تنازلات قُدمت من قبل أمريكا وتركيا، وأن هنالك تفاهمات داخلية لم يعلَن عنها بعد، فالأمريكيون عمليًا بدؤوا بتخفيف بعض العقوبات الاقتصادية عن النظام، بحسب حمزة، واستثمروا في شركات صحية وقاموا باستيراد مواد طبية، إلى جانب الحديث عن تخفيف بعض بنود قانون “قيصر” (وليس إلغاء القانون أو تأجيل تطبيقه).
وتنقل البواخر الإيرانية النفط للنظام، وتجري تجارة نفط غير شرعية بين “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة أمريكيًا والنظام السوري، وليس هنالك تصور ساذج بأن قانون “قيصر” يُطبّق 100%، فالأمريكيون يغضون النظر عن بعض الأمور مع الإيرانيين مقابل الاتفاقية النووية، ومع روسيا والنظام أيضًا.
ولم يستبعد أيضًا اتفاقًا مع تركيا أبعاده ليست معروفة بعد، قد يكون متعلقًا بمنطقة إدلب وبمناطق أخرى في شمال شرقي سوريا.
إرضاء أمريكا والحلفاء الأوروبيين
كانت روسيا أمام خيار صعب، فالولايات المتحدة في مؤتمر “جنيف” أعلنت أنها ستختبر رد فعل موسكو، بمعنى أن عدم تمرير قرار التمديد سيؤدي إلى قطع قنوات الحوار التي بالكاد بدأت موسكو تفتحها مع واشنطن، بحسب ما قاله الصحفي والخبير في الشأن الروسي رائد جبر، في حديث إلى عنب بلدي.
لذلك كان من المهم الوصول إلى حل وسطي مرضٍ لكل الأطراف من ناحية أمريكا وحلفائها الغربيين، وعليه تم التراجع عن إدراج معبر “اليعربية” (الذي كانت واشنطن تريد إدراجه في مشروع القرار) مقابل موافقة موسكو على تمديد المساعدات عبر “باب الهوى”.
كما أن روسيا لا تريد إغضاب الشريك التركي، الذي كان مصممًا على تمديد التفويض لمعبر “باب الهوى”.
وبحسب جبر، فإن النتيجة التي حصلت في مجلس الأمن مهمة لموسكو، كونها تشجعها على مواصلة الحوار في ملفات أخرى متعلقة بالقضية السورية، ولا سيما بعد حديث المندوب الروسي، فاسيلي نيبينزيا، الذي جاء بعد جلسة مجلس الأمن مباشرة عن توسيع الحوار مع الجانب الأمريكي فيما يخص رفع العقوبات الأمريكية عن النظام السوري، وربما تفتح ملفات جديدة تتعلق بالملف السوري.
وكان نيبينزيا أجاب، في 9 من تموز الحالي، عن سؤال طُرح فيما إذا كانت روسيا قد حصلت على أي وعود أمريكية بشأن تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا، قائلًا “نحن نتحدث عن هذا الأمر، نعم”، بحسب ما نقلته “البعثة الدائمة للاتحاد الروسي” على موقعها الرسمي.
وبحسب نيبينزيا، حددت روسيا خطوطها الحمر خلال المشاورات حول الوثيقة، وأشار إلى أن النص النهائي للقرار يحتوي على بنود كانت تفتقر إليها النسخة الأصلية التي بدأتها الدول الغربية.
ما قضية التعافي المبكر؟
الطبيب السوري محمد كتوب، الناشط في المجال الإنساني والعامل السابق في مجال المساعدات والمناصرة، أوضح لعنب بلدي أن القرار الأممي يرحب بتوسيع جهود العمليات الإنسانية بما يشمل التعافي المبكر تحت إدارة “اللجنة الدولية للصليب الأحمر”، التي لم تكن حيادية في سوريا، فهي تعمل حصرًا من دمشق ولم تعمل عبر المعابر الحدودية سابقًا.
واعتبر أن الدفع باتجاه مساعدات تسبب التعافي المبكر للنظام هي نقطة لمصلحة روسيا والنظام، وحتى لو لم يستجب المانحون كلّهم، فسيسهل ذلك الأمر على وكالات الأمم المتحدة في دمشق استخدام التمويل للتعافي المبكر وليس للاستجابة الإنسانية فقط.
ويرى كتوب أن قرار التمديد يلقي على عاتق الأمين العام للأمم المتحدة إحاطة لمجلس الأمن بعد ستة أشهر، وبشكل دوري لا يتجاوز 60 يومًا، كل مرة، بدلًا من اللجوء إلى التصويت في المجلس، ما سيلقي بالثقل كله على الأمين العام.
وسيكون ذلك جيدًا لو أن الأمين العام سيحيط المجلس بالتقدم في تنفيذ عبور المساعدات عبر الحدود، ولكن الأمين العام سيحيط المجلس بالتقدم في عدة أمور منها التعافي المبكر الذي يشجع عليه قرار التمديد تحت إدارة “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” التي تعمل من دمشق فقط، ولا تعمل عبر الحدود، وبالتالي سيجبر على أن يورد في تقريره توثيق المزيد من مساعدات التعافي المبكر التي تذهب إلى دمشق، إن كان يريد الدفع باتجاه تمديد القرار عبر الحدود مجددًا.
ولفت كتوب إلى أن الشيء الجديد في القرار هو مراقبة الأمين العام للتقدم في العمليات عبر خطوط التماس بـ”حسن نية”، ما يعني مزيدًا من تدفق المساعدات إلى شمال شرقي سوريا أو إلى درعا في الجنوب الغربي، ولكن قد تستخدم روسيا ذلك لطلب “دخول إنساني” من دمشق إلى شمال غربي سوريا، ما سيعيد الثقل إلى دمشق مجددًا.
تحالف صيني- روسي لرفع العقوبات
أُثيرت قضية عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري في التفويض الأخير بمجلس الأمن العام الماضي، إذ طرحت روسيا قضية العقوبات كـ”تأثير سلبي” على الوضع الإنساني في سوريا.
واعترضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على هذه المزاعم، وأصرتا على أن عقوباتهما توفر استثناءات إنسانية.
وقال السفير الصيني لدى الأمم المتحدة، تشانغ جون، في 6 من تموز الحالي، إنه يأمل أن تجد الأمم المتحدة حلًا للأزمة السورية، وليس فقط لمشكلة إيصال المساعدات عبر الحدود.
وشدد جون على أن الصين تريد بالتأكيد أن ترى حلًا للعقوبات الأحادية الجانب المفروضة على سوريا، إضافة إلى حلول حول خطوط الإمداد الداخلية والمعابر الحدودية.
وحول تعليقات السفير الصيني، ردت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، على سؤال الصحفيين إذا ما كانت أمريكا مستعدة لتقديم تنازلات بشأن العقوبات، وأجابت، “هذا ليس نقاشًا حول العقوبات، إنها مسألة احتياجات إنسانية”، بحسب ما نقلته الوكالة.
وأضافت غرينفيلد أن العقوبات تستهدف نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، بينما المساعدات الإنسانية الأمريكية لجميع السوريين، في كل من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة والمعارضة.
ويرى جبر أن روسيا ستراقب بحذر شديد التطورات المقبلة، وكذلك التقرير الذي سيعده الأمين العام للأمم المتحدة، بعد مرور فترة الأشهر الستة (لتمديد الفترة الأولى من إدخال المساعدات عبر الحدود)، وفي حال وجود ملاحظات معيّنة، ستعيد طرح ملف تمديد التفويض في مجلس الأمن، ولكن الصيغة العامة حاليًا (على الرغم من صياغة القرار بطريقة ملتبسة) تنص على التمديد لمدة عام.
وإذا لم تنجح موسكو بفرض وقائع جديدة على الأرض خلال الأشهر الستة المقبلة، فلن تكون هنالك مشكلة بتمديد دخول المساعدات لبقية العام، ولكن العامل الرئيس هنا هو أن موسكو نجحت في أنها لم تسمح بفتح معابر أخرى، والتنازل الذي قدمته كان ضرورة بالنسبة لها، بحسب جبر.
سياسة خطوة وراء خطوة
تريد روسيا أن تصل بمجلس الأمن إلى سياسة خطوة وراء خطوة بنقل القضية من إدخال المساعدات الإنسانية من المعابر الحدودية إلى خطوط التماس الداخلية مع النظام، حيث يتم بالفعل التعامل مع الواقع السياسي على الأرض مع خريطة النفوذ المباشرة للقوى المختلفة بما فيها قوات النظام.
ويرى جبر أن من الصعب التكهن بكيفية الوضع السياسي الذي سيكون قائمًا على الأرض في إدلب بالمرحلة المقبلة، وإلى أي مدى ستنجح موسكو وأنقرة في استكمال تنفيذ الاتفاقات السابقة حول المنطقة العازلة وفتح الخطوط الدولية، وهذه النقطة كانت مطروحة خلال المفاوضات الروسية- التركية، التي نصت على أن تتحمل تركيا جهدًا أكبر لفتح طريق “M4” بين اللاذقية وحلب، وإذا لم تحصل تحولات كبيرة خلال ستة أشهر فسيستمر التفويض الأممي لإدخال المساعدات دون أي عوائق.
أعلنت روسيا أنها ستجري حوارًا مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد تمديد تفويض معبر “باب الهوى”، بشأن تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا.
وقال الزميل البارز في معهد “الشرق الأوسط” بواشنطن روبرت إس فورد، في 6 من تموز الحالي، قبيل تصويت جلسة مجلس الأمن، إن “الاعتبار الرئيس لموسكو قبل التصويت هو علاقتها مع أنقرة”، فالحكومة التركية التي تدعم المعارضة السورية، تريد تجنب اندفاع هائل للاجئين من شمال غربي سوريا إذا انتهت العملية عبر الحدود.
وبحسب فورد، وهو سفير واشنطن السابق في سوريا، فإن روسيا قد تقبل تمديد تسليم المساعدات عبر الحدود مقابل تخفيض العقوبات الغربية، وتضييق الخناق على المعارضة المسلحة في شمال غربي سوريا، وإطلاق قوافل مساعدات من دمشق إلى إدلب.
وتريد روسيا إيصال المساعدات عبر حكومة النظام السوري، لإكسابه بعض الشرعية أمام المجتمع الدولي، وتعتبر أن هذا الشكل من إيصالها أصبح “غير مفيد”، بحسب ما أشار إليه المبعوث الرئاسي الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف.