البضائع الأجنبية تُضعف صناعة الألبسة شمالي سوريا

  • 2021/07/11
  • 10:35 ص

طفل ينادي على بضاعته من الألبسة في أحد أسواق حلب - 4 تموز 2016 (عنب بلدي)

عنب بلدي – علي درويش

تنتشر في أسواق مناطق سيطرة المعارضة شمالي سوريا الألبسة الجاهزة التركية، ولا يكاد يخلو محل ألبسة في هذه المناطق منها، إلى جانب البضائع المحلية المصنعة بقماش مستورد من تركيا.

الألبسة التركية ليست وحدها التي تغزو أسواق مناطق المعارضة، إذ تنتشر كثير من البضائع التركية في ظل وجود معابر تجارية تربط مناطق سيطرة المعارضة بتركيا، تزامنًا مع إغلاق المعابر مع مناطق سيطرة النظام و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) شمال شرقي سوريا.

وتوجد في مناطق سيطرة المعارضة، إلى جانب الألبسة المستوردة من تركيا والمصنعة محليًا، ألبسة “البالة” الأوروبية، والألبسة الجاهزة المستوردة من الصين، والتي تدخل إلى مناطق سيطرة المعارضة عبر الحدود مع تركيا، بعد مرورها “ترانزيت” من الأراضي التركية.

سيطرة تركية على قطاع الألبسة

باسل العقدة تاجر أقمشة وصاحب مشغل لإنتاج الألبسة الجاهزة في بلدة كللي شمالي إدلب، قال لعنب بلدي، إن استيراد القماش والألبسة الجاهزة معًا من تركيا أثّر على قطاع الألبسة في المنطقة.

ويرى باسل أنه يجب استيراد القماش فقط من تركيا (فهي المورد الوحيد له مع إغلاق معظم معامل إنتاج الأقمشة في سوريا وخاصة في حلب)، لأن ذلك يمنح الصناعة المحلية فرصة أكبر للتطوير، ويوفر فرص عمل وحركة في السوق الداخلية، أي أن استيراد القماش فقط يعطي التجار فرصة للبيع والشراء، ولأصحاب المشاغل تفصيل الألبسة وخياطتها.

ويقلل التاجر من تأثير ألبسة “البالة” على القطاع، إلا في فصل الشتاء بنسبة تتراوح بين 5 و10% فقط، لأن معظم الأصناف المصنعة محليًا لا توجد في محال “البالة”.

وأشار إلى أن أصحاب المشاغل يمكنهم تطوير وتحديث أنواع الألبسة المختلفة، وإنتاج بضائع أفضل من نظيرتها المستوردة حاليًا سواء التركية أو الصينية، إذا أُتيح لهم المجال لذلك وأُزيلت العقبات أمامهم.

وتمنع تركيا، بحسب التاجر، استيراد الألبسة الصينية وبيعها في الأسواق التركية كي تنشط صناعتها المحلية وأسواقها الصناعية، بينما تسمح للبضائع الصينية بالدخول إلى شمال غربي سوريا.

وتستورد مناطق الشمال السوري السلع والبضائع من تركيا عبر المعابر الرسمية (باب الهوى، وباب السلامة، وجرابلس، وتل أبيض)، وتتضمن بشكل رئيس مواد غذائية ومواد بناء. كما تمر السلع المستوردة من دول أخرى إلى مناطق سيطرة فصائل المعارضة عبر هذه المعابر.

وتبلغ نسبة البضائع القادمة من تركيا في مناطق سيطرة المعارضة 90% من نسبة جميع البضائع، وهي تدخل إما مباشرة من تركيا وإما “ترانزيت” (لا تستفيد منها تركيا)، بحسب حديث سابق لوزير الاقتصاد في الحكومة “المؤقتة”، عبد الحكيم المصري، إلى عنب بلدي.

بينما يرى زكريا حمشو صاحب مشغل لصناعة الألبسة في ريف حلب، أن تأثير استيراد الألبسة الجاهزة التركية على المنتجين المحليين محدود، بسبب تركيز الإنتاج المحلي على الملابس المنخفضة السعر نوعًا ما، للتناسب مع الوضع المعيشي في المنطقة وانخفاض اليد العاملة أيضًا.

بينما تكون البضائع التركية مرتفعة السعر، وبإنتاج ذي جودة عالية، وتلقى رواجًا في المنطقة على الرغم من ذلك، بحسب ما قاله زكريا حمشو لعنب بلدي.

وتتقاسم حكومتا “الإنقاذ” و”المؤقتة” النفوذ في مناطق سيطرة المعارضة، إذ تسيطر “المؤقتة” على ريف حلب ومدينتي رأس العين شمال غربي الحسكة، وتل أبيض شمالي الرقة، بينما تسيطر “الإنقاذ” على إدلب ومحيطها.

إلا أن استيراد البضائع وتصديرها من وإلى تركيا، وإدخال البضائع “ترانزيت” عبر تركيا، لا يختلف بين مناطق السيطرتين.

صعوبات أمام صناعة الألبسة

منافسة البضائع المستوردة التركية والصينية ليست العقبة الوحيدة أمام منتجي الألبسة الجاهزة في مناطق سيطرة المعارضة.

وقال أحمد جمال وهو تاجر ألبسة في مدينة اعزاز شمالي حلب لعنب بلدي، إن البضائع التركية المستوردة أثّرت على الصناعة المحلية التي “لا تلقى أي نوع من أنواع الدعم أو التسهيل في الإنتاج والتصدير”.

ولا تسمح تركيا باستيراد الألبسة من مناطق سيطرة المعارضة، كما لا يستطيع المنتجون تصريفها في أسواق مناطق سيطرة النظام أو “قسد” شمال غربي سوريا نتيجة إغلاق المعابر، واقتصار الحركة التجارية مع “قسد” والنظام على معابر التهريب.

ويضاف إلى صعوبة تصريف المنتج المحلي ووجود المنافسة التركية، عقبات تأمين المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج، مثل الخيوط والأقمشة والإكسسوارات، بسبب عدم توفرها في الداخل السوري، ما يضطر التجار لاستيرادها من تركيا دون إمكانية معاينة المواد قبل شرائها، وتحمّل تكاليف الشحن والضرائب المفروضة على المعابر، حسب زكريا حمشو.

كما أن غياب الكهرباء “النظامية” عن مناطق سيطرة المعارضة في وقت سابق، أدى إلى زيادة تكاليف الإنتاج على أصحاب المشاغل، نتيجة اضطرارهم إلى المولدات لتشغيل ورشاتهم.

لكن تأثير الكهرباء أصبح أقل بعد مدّ الشبكات وإصلاحها وإمداد تركيا مناطق سيطرة المعارضة بالكهرباء، خاصة المدن الرئيسة.

ولعل أبرز الأمور التي أثّرت على صناعة الألبسة هي حالة النزوح التي فرضتها العمليات العسكرية لقوات النظام السوري بدعم روسي.

فالتاجر باسل العقدة كان لديه مشغل في بلدته كفرومة التابعة لمدينة معرة النعمان جنوبي إدلب، وتعرض لخسائر كبيرة بعد النزوح، مشيرًا إلى أن 90% من أصحاب المشاغل في المناطق المسيطَر عليها من قبل النظام مؤخرًا خسروا رؤوس أموالهم.

وكانت قوات النظام وروسيا سيطرتا، خلال العمليات العسكرية المتلاحقة بين أواخر نيسان 2019 و5 من آذار 2020، على مدن وبلدات استراتيجية في مختلف المجالات، كمدينة معرة النعمان جنوبي إدلب، وريف حلب الغربي.

الحلول لتطوير صناعة الألبسة في الشمال السوري تكون بوجود مصابغ ومصانع للخيوط والأقمشة ومصانع ضخمة لحياكة الألبسة، وتسهيل عمليات التصدير، والتشجيع على الإنتاج المحلي من قبل السلطات المحلية.

زكريا حمشو صاحب مصنع للألبسة

لماذا يفضّل الأهالي البضائع التركية

يفضّل الأهالي في مناطق سيطرة المعارضة الألبسة التركية، بسبب الجودة في عمليات التصنيع ومواكبتها لموديلات الموضة العالمية، حسب التاجر أحمد جمال، منوهًا إلى أنه في عملية البيع في الأسواق، يسعى التجار إلى بيع البضائع حسب الطلب عليها.

وأكد عدد من الأهالي في ريف حلب وإدلب تفضيلهم البضائع التركية على الرغم من ارتفاع أسعارها مقارنة بالمحلية، وأشار بعضهم إلى تفضيلها في حال كانت الأوضاع الاقتصادية جيدة، بحسب استطلاع أجراه مراسلو عنب بلدي في المنطقتين.

بينما خالف إبراهيم المصطفى تفضيلات الآخرين، إذ يفضّل شراء البضائع المحلية نتيجة السعر المنخفض و”الجودة الجيدة”.

وفي الفترة الأخيرة زاد الطلب على البضاعة المحلية نتيجة انخفاض سعر الليرة التركية أمام العملات الأخرى، وبالتالي أصبحت الأسعار مرتفعة بالنسبة للأهالي، حسب فراس سبيع صاحب محل ألبسة وتاجر جملة ومفرّق في قرية قورقانيا شمالي إدلب.

ويطالب بعض الأهالي، بحسب ما قاله فراس سبيع لعنب بلدي، بتخفيض أسعار الألبسة التركية، موضحًا أن الأمر “صعب”، فالبضاعة التركية تخضع لجمركة وشحن إضافة إلى تكاليف إنتاجها.

ويعتمد 2.8 مليون شخص في شمالي سوريا على المساعدات الإنسانية لتأمين احتياجاتهم الأساسية، مثل الغذاء والماء والملجأ والرعاية الصحية والتعليم.

وتهدد الحالة الاقتصادية قدرة الناس على التحمل، ومن المحتمل أن يمتد تأثيرها إلى كل سكان المنطقة البالغ عددهم 4.1 مليون شخص، 76% منهم من النساء والأطفال، بينما يبلغ عدد النازحين منهم داخليًا 2.7 مليون شخص، حسب “OCHA“.


شارك في إعداد هذه المادة مراسلا عنب بلدي إياد عبد الجواد في إدلب، ووليد عثمان في ريف حلب.

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية