منصور العمري
أعدّت “وحدة معلومات البلد الأصل” في وزارة الشؤون الخارجية بهولندا تقريرها الخاص بالوضع في سوريا، وهو التقرير الذي يُعتمد من قبل الدولة ومؤسساتها بما فيها المتخصصة بقبول أو رفض طلبات اللجوء.
ضم التقرير المنشور مؤخرًا البحث في عدة مواضيع، من بينها العودة من أوروبا ومن دول الجوار إلى سوريا، والعواقب القانونية لمن غادر سوريا بشكل غير نظامي أو طلب اللجوء خارجها، والعقبات أمام عودة اللاجئين، بما فيها إمكانية الوصول المحدودة بعدة مناطق في سوريا، ومصادرة الأملاك، وحقوق السكن والتملك.
كما تحدث التقرير عن مراقبة النظام السوري للسوريين خارج سوريا.
جاء في التقرير أن السوريين في الخارج يخضعون إلى حد ما للمراقبة من قبل السلطات السورية، إذ حصل “المركز السوري للعدالة والمساءلة” على وثائق حكومية سورية، تكشف أن السفارات السورية في إسبانيا والسعودية ضالعة في جمع المعلومات حول الأعضاء المعارضين في الشتات السوري، وإرسال هذه المعلومات إلى مختلف إدارات المخابرات في سوريا.
يخضع الناشطون ومنظمات المجتمع المدني لمراقبة مكثفة من قبل السلطات السورية، وتتم مراقبة السوريين في الشتات بطريقتين:
رسميًا وبشكل غير رسمي، تتضمن الطريقة غير الرسمية للمراقبة قيام الأفراد بإبلاغ السلطات السورية عن آخرين. لا يتم توظيف هؤلاء المخبرين رسميًا من قبل الفروع الأمنية، لكنهم يبلغون عن آخرين لكي يظهروا ولاءهم، ويسعون بذلك إلى درء أي اهتمام سلبي محتمل قد يوجه إليهم من قبل النظام.
الطريقة الرسمية للمراقبة تنفذها مؤسسات الدولة، مثل السفارات والفروع الأمنية التي تجمع المعلومات عن المعارضين السوريين المقيمين في الخارج، وتخضع حسابات وسائل التواصل الاجتماعي لمجموعات من السوريين المقيمين في الخارج لرقابة الفروع الأمنية.
نشرت السلطات السورية عملاء مخابرات ومخبرين في دول اللجوء، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي وتركيا، لمراقبة السوريين في الشتات والإبلاغ عنهم بشكل أسبوعي. ينتمي هؤلاء العملاء والمخبرون إلى أفرع أمنية مختلفة: فرع “أمن الفرقة الرابعة”، الفرع “279” التابع لـ”المخابرات العامة”، الفرع “297” في “شعبة المخابرات العسكرية”، “المخابرات الجوية”، الفرع “300”. لذلك فالناشطون الذين يفكرون في العودة إلى سوريا معرضون لخطر كبير.
في السويد، تعمل المخابرات السورية على مراقبة المعارضين. في مقال نشرته صحيفة “داغنز نيهيتر” السويدية، أعلن السفير السوري السابق في السويد، بسام العمادي، صراحة أن النظام السوري يراقب من خلال سفارته المعارضين السوريين الموجودين في السويد. في مقال آخر بالصحيفة ذاتها، ذكرت المخابرات السويدية أن السلطات تحقق في عديد من حالات لعملاء للمخابرات السورية يتجسسون على السوريين في السويد. كما تعرض عديد من المدعين والشهود للمضايقة والتهديد بسبب مشاركتهم في محاكمة “كوبلنز” بألمانيا.
لنظام الأسد تاريخ طويل في مراقبة السوريين وتهديدهم واعتقالهم عند العودة إلى وطنهم. يستخدم الأسد مؤسسات الدولة لتنفيذ المهام المخابراتية، ففي كل سفارة هناك ملحق أمني، كما أن “الاتحاد الوطني لطلبة سوريا” الذي لديه فروع في كثير من دول العالم، يراقب السوريين ويعدّ التقارير المخابراتية.
مراقبة السوريين خارج سوريا، إحدى السياسات المعتمدة والأساسية للدول المخابراتية، ولا يمكن للنظام السوري التخلي عنها. تتطلب هذه السياسة موارد بالطبع، وربما تقلصت ممارساتها خلال اشتداد الحرب داخل سوريا. لكن مع توقف الحرب تقريبًا، يعود النظام السوري إلى تكثيف المراقبة الخارجية وتفعيل دور المخابرات والمخبرين المأجورين والمتطوعين خارج سوريا.
في ضوء الظروف الحالية، وخاصة بما يتعلق بالناشطين والصحفيين والمعارضين والمنظمات الحقوقية السورية، هناك عدة خطوات مهمة يجب اتخاذها.
لا يجب أن تشكّل جهود مخابرات الأسد مصدر خوف يؤثر بشكل سلبي على عمل السوريين، لكن في الوقت ذاته يجب أن تشكّل مصدر قلق يدفع إلى الحذر واتخاذ الاحتياطات اللازمة فيزيائيًا وفي الإنترنت.
اتخاذ هذه الخطوات لا يحمي الناشطين فقط، بل يحمي من يتواصلون معهم. يجب بذل جهود لحماية المصادر. بالنسبة للمواقع الفيزيائية كمكاتب المنظمات، يجب استخدام كاميرات وأجهزة إنذار، ويجب تدريب جميع الموظفين في المؤسسات الحقوقية والصحفية والسياسية على الأمان الرقمي.
يمكن التواصل مع عدة جهات للحصول على النصائح المتعلقة بأمن الأشخاص الفيزيائي والسيبراني، والاستفادة من المصادر الموجودة مسبقًا في مواقع هذه الجهات. يمكن للصحفيين الاطلاع على موقع “مراسلون بلا حدود” مثلًا، وللآخرين يمكن الاستفادة من عدة مواقع منها “التحالف السيبراني العالمي” مثلًا، وغيرها.
كما يجب تنبيه السلطات في هذه الدول وإبلاغها عن محاولات التجسس، فمن مصلحة هذه الدول الاهتمام بهذا الأمر ومعالجته بشكل جدي، لأن ترك مخابرات الأسد ومخبريه في هذه الدول بلا محاسبة، سيؤدي من بين أمور أخرى، إلى وضع عدد كبير من السوريين، بمن فيهم المعارضون والناشطون والحقوقيون، في دائرة التهديد بالاعتقال والتعذيب والقتل حين عودتهم إلى بلادهم.