تهاني مهدي
يميل الآباء بفطرتهم إلى حماية أطفالهم وإبعاد الأذى عنهم، ليس فقط الأذى الجسدي وإنما أيضًا النفسي، فيخفون عنهم حقائق وأحداثًا قد تسبب لهم الحزن والكًابة، بحجة أنهم مازالوا صغارًا ليخبروا أحداثًا كهذه، أو أنهم لن يفهموا ما يحدث من حقائق معقدة، كالموت والطلاق والسفر وغيرها…
مع ارتفاع وتيرة العنف التي شهدتها سوريا في السنوات الأخيرة، أصبح الموت مشهدًا حاضرًا في كل مكان، ولم يعد إخفاء حقيقته ممكنًا، فما لا نراه أمامنا مباشرة نشاهده في التلفاز، وإن لم نشاهده فسنسمع عنه من الناس.
إلا أن حدث الوفاة يعتبر أشد الأحداث إيلامًا بالنسبة للراشد والطفل على حد سواء، وفقدان أحد أفراد العائلة حدث عظيم بالنسبة للطفل، قد يحدث لديه مشكلات نفسية إن لم يكن هنالك من يساعده على التعايش مع الوضع الجديد.
كيف نخبر الطفل؟
كثيرًا ما يتجاهل الأهل أطفالهم عندما تحدث الوفاة، فينشغلوا في الحزن والتعازي والدفن دون أن يلتفتوا إلى طفلهم الذي يتخبط ولا يعرف ماذا حصل.
يقول يانوش كوبيتشك، إن الولد ليس عالمًا صغيرًا، وإنما عالم كامل متكامل، ليس إنسانًا في مستقبل آت، وإنما إنسان منذ الآن، في الحاضر.
إذًا، فالطفل يشعر تمامًا كالكبار، وإخفاء مثل هذا الخبر عنه حرمان له من أن يعيش ظرفًا قد يكون سببًا في نضجه وتحصينه، ليتخطى ما يمكن أن يمر به من أحداث لاحقة.
وعلى الرغم من صعوبة إخبار الصغار بهذه الأحداث، إلا أن علماء النفس يؤكدون على ضرورة إعلام الطفل من سن ثلاث سنوات فأكثر بحالات الموت، وإخباره في أقرب وقت ممكن من قبل أحد الأشخاص المقربين له، وبطريقة إيجابية وتمهيدية تناسب مرحلته النمائية، ومن المهم التمسك بالصراحة والصدق معه وعدم تقديم تفسيرات خاطئة، فالأسرة مصدر ثقة الطفل، وهم مصدر الحقيقة بالنسبة له، وأي اكتشاف للكذب سوف يزعزع ثقته بهم وسيفاقم المشكلة بدلًا من تقليصها.
الأطفال وحتى عمر سبع سنوات لا يفهمون أمورًا معنوية، كالدين والموت والله، لأن الجزء المسؤول عن ذلك لم ينضج بعد، فليس من الصحيح أن نقول لهم أن المتوفى «ذهب إلى الجنة»، فهو لم يفهم هذا الكلام بعد، لاسيما أن خيال الأطفال بهذا العمر خصب جدًا، وقد تكون تخيلاتهم أسوأ بكثير من الواقع، فإذا قيل له «لقد توقف جسده عن العمل»، أو «إنه الآن في المقابر»، أفضل بكثير من أن يقال لهم «لقد أصبح في السماء».
يمكن للأطفال ممن هم في سن المدرسة المشاركة في كل مراسم الوفاة، إلا إذا كان ذلك يزيد من حزنهم، ويعد تقرير إشراكه من مهمة المقربين منه، فهم على دراية به إن كان يحتمل ذلك أم لا.
ردود فعل الأطفال على الموت
بعد أن يخبر الطفل بالوفاة علينا أن نتوقع ردود فعل متنوعة، كل بحسب عمره ونضجه العاطفي ومدى قرابة المتوفى منه.
الأطفال حتى ثلاث سنوات لا يفهمون معنى الموت، وأن الشخص الذي مات لن يعود، وإنما يعتقدون أنه نوع من أنواع الهجر والابتعاد، فالحفاظ على الروتين اليومي، وتعويض الطفل بالاهتمام والرعاية وإشباع حاجاته للحب والأمان، يمكن أن يسد مكان الفقيد لديه، ويحافظ على توازن حياته.
الأطفال من 3 – 5 سنوات يفهمون الموت على أنه ابتعاد مؤقت، وأن المتوفى سيعود فيقوم بانتظاره والسؤال عنه، أو قد يشعرون بالذنب، وأن المتوفى ذهب بسببهم، فيتوقفون عن فعل ما كان يكرهه ويقومون بفعل ما يحب لاعتقادهم بأنه سيعود، وقد تظهر لديهم بعض الاضطرابات في النوم والأكل والتبول والإخراج.
الأطفال من 5 – 9 سنوات يكونون قد خبروا الموت وشكلوا صورة عنه ويعلمون أن لا عودة للميت ثانية، لأنهم أصبحوا في مرحلة نمائية يفهمون فيها معنى السببية، ويمكن لهم تخطي هذه المشكلة إذا ما أحسنا التعامل معهم.
الأطفال بعمر 10 سنوات وما فوق يعرفون الموت وكل ما يتعلق به، من انتقال روح وحساب وغير ذلك. قد يشعرون بالخوف والغضب وينسحبوا من المواقف الاجتماعية، وقد يتأخرون دراسيًا وينحرفون لأشكال من السلوكيات التي تخفف عنهم كالتدخين وغيرها.
من الضروري توفير بيئة آمنة للطفل والوقوف بجانبه والحديث معه من وقت لآخر، وتشجيعه على التعبير عن مشاعره بأي طريقة (الرسم، اللعب، رسالة للميت، البكاء)، وعدم التردد في استشارة المعالج النفسي إن لزم الأمر.
كما أن الحديث عن ذكريات المتوفى والأيام الجميلة وتشجيعهم على التصدق له، والذهاب لزيارته في المقابر وقراءة القرآن والدعاء له، كل ذلك يساعدهم على تجاوز الحدث ومواصلة الحياة.