إبراهيم العلوش
هل يتحقق حلم روسيا بأن يتدفق ثلاثة ملايين لاجئ سوري جديد من الشمال السوري إلى تركيا، ومن ثم إلى أوروبا، بحجة العداء للغرب والانتقام منه لأنه لا يدعم نظام الأسد؟
منذ أن انطلقت الطائرات الروسية عام 2015 في السماء السورية، كان هاجسها تدمير المدن السورية وتهجير الناس للضغط على الغرب ومواجهة “المؤامرة الغربية”.
الآن وقد توقفت قليلًا تلك الطائرات، وتوقف مدّ السجادات النارية على مختلف المناطق المعادية لاستمرار النظام الديكتاتوري، بدأ “الفيتو” الروسي يعمل بدلًا من صواريخ “السكود” والقصف الكيماوي والتدمير المباشر، فالقضية الجديدة للدبلوماسية الروسية اليوم هي منع المساعدات عن اللاجئين السوريين في الشمال، واستغلال “الفيتو” لعدم تمديد نظام الأمم المتحدة في إدخال المساعدات الغذائية والإنسانية إلى الأراضي السورية عبر معبر “باب الهوى” بعدما نجحت تلك الدبلوماسية الشريرة بإغلاق معابر الدخول في اليعربية وفي غيرها.
تقول روسيا إنها لا تريد دخول المساعدات من الشمال السوري للحفاظ على وحدة البلاد السورية، وذلك تحت راية نظام الأسد، الذي اصطفاه بوتين كأحد الأنظمة الصديقة التي يجب أن تستمر رغم رفض الشعب السوري له، فالقوات المسلحة الروسية وسلاح الطيران أثبت أنه يستطيع الحفاظ على استمرار نظام يكرهه شعبه ولا يطيق استمراره، وهذه براعة روسية ترضي غريزة القتل الجماعي التي انتهجتها القيادة الروسية في سوريا.
تقول روسيا أيضًا إن المساعدات الدولية المقدرة بأكثر من خمسة مليارات دولار سنويًا، يجب أن تدخل عن طريق نظام الأسد لتمويل التدمير والتخريب، وإنعاش سوق “الترفيق” الذي يستثمره ماهر الأسد وغيره من أمراء الحرب الذين يحظون بالحماية الروسية والإيرانية.
والتقارير الدولية تقول إن أسماء الأسد استغلت المساعدات الدولية عبر سلسلة من الجمعيات الخيرية الوهمية، واستفادت بملايين الدولارات على حساب الجياع في الداخل السوري، فالمساعدات الدولية لا تصل فقط إلى الشمال السوري وإنما تصل إلى كل أنحاء سوريا، ولكن النظام يطمح بأن يستفيد من كل المساعدات، وأن يستغلها في الانتقام من السوريين الجياع وتجنيد أبنائهم وإخضاعهم المتكرر للمساءلة المخابراتية والعسكرية التي أعماها ولاؤها للنظام عن أي ولاء وطني، وحوّلت مفهوم المواطنة إلى مفهوم خضوع مطلق وعبودية رسمية لنظام عائلة الأسد وبعدها للمحتلين الروس والإيرانيين.
في العاصمة الكازاخية نور سلطان، التي كانت سابقًا تدعى أستانة، جُمعت قبل أيام دول الوصاية على سوريا، روسيا وإيران وتركيا، بضغط روسي لاستثمار البازار الذي تديره الدبلوماسية الروسية ضد اللاجئين السوريين، ولتهديد تركيا بتدفق اللاجئين فور وقف المساعدات الإنسانية الذي يلوّح به “الفيتو” الروسي، والذي أسهم خلال 16 جلسة سابقة مع “الفيتو” الصيني بمنع أي استقرار في سوريا، والإصرار على تعويم الأسد.
وأعلنت روسيا بشكل دعائي وغير مؤكد أن اللجنة الدستورية ستجتمع خلال الصيف للبحث عن حل سياسي، بينما هي في الحقيقة تدفع باتجاه المزيد من التأخير للحل السياسي الدولي، وتماطل مع الإيرانيين والنظام في تطبيق القرار الأممي “2254” الذي يطالب بقيام دستور وحكومة ترضي كل السوريين.
روسيا لا يهمها الحل في سوريا إلا إذا كان يسلّم سوريا لها ولشركاتها التي تطالب الغرب والعرب بتمويل إعادة الإعمار لما دمرته آلة الحرب الروسية والإيرانية، وسوريا بالنسبة لها مجرد قطعة في ساحة الشطرنج التي تديرها بتجريد يصل إلى الوحشية، فبوتين يريد محو العار الذي لحق به كأحد رجال الاتحاد السوفييتي القديم الذي انهار فجأة، ويعتقد أن الغرب وحده هو السبب، وليس انعدام قيمة البشر في ذلك النظام، وتسلّط أجهزة المخابرات على الناس، والفشل الاقتصادي المريع الذي تحوّل إلى جوع في ثاني أكبر دولة بالعالم حتى انهيارها في عام 1990.
تصرّ روسيا على الانتقام من السوريين الذين فروا من قصفها ولم يخضعوا لاختبارات صواريخها وأسلحتها التي تجرّبها في الأراضي السورية، وتطالب الدول بمنع المساعدات عن اللاجئين الخونة والإرهابيين بنظرها، وتستعمل “الفيتو” لإجبار الأمم المتحدة على إضفاء الشرعية على نظام الأسد وإعادة تعويمه بمظاهر كاذبة، مثل رعاية اللاجئين الذين تسبب هو بمأساتهم، وإعادة تمويل النظام بضخ المساعدات إلى أمراء الحرب الذين ترعاهم روسيا مع إيران.
وحتى لو وافقت روسيا تحت الضغوط الدولية على تمديد مؤقت لفتح معبر “باب الهوى”، فإن الغاية الرئيسة للروس هي إعادة تدفق اللاجئين باتجاه تركيا وأوروبا، والاستمرار في سياسة إعادة هندسة سوريا بشكل طائفي يرضيها ويرضي إيران شريكتها الرئيسة في الاحتلال.