عندما دخل طاهر مامللي التاريخ
نبيل محمد
في لقائه الأخير مع برنامج “المختار”، الذي طالما كان منصة للتعبير عن مواقف فنانين سوريين موالين للنظام السوري، لم يقترب الموسيقي السوري الذائع الصيت في تأليف الموسيقى للأعمال الدرامية السورية وشاراتها طاهر مامللي من الحديث عن الوضع الداخلي، والإدلاء بموقفه السياسي الواضح باكرًا بعد اندلاع الثورة السورية، بل ردد كأغلبية العاملين في القطاع الفني الذين التقاهم البرنامج السلسلة المتناقضة ذاتها، من انتقاد المؤسسات الرسمية والخاصة، واضمحلال الفن في البلاد، وانتشار الفساد، وضعف الإنتاج، وتردي كل شيء، دون التطرق للسبب الأساسي لكل ذلك، إلا أنه لم يسمح للقاء بأن ينتهي دون الجملة الأساسية التي أراد أن يقولها وتأخر عنها حتى آخر دقيقة من الحوار، أنه “دخل التاريخ” بتأليفه الموسيقى المرافقة لأداء قسم رئيس النظام، بشار الأسد.
كل ما قدمه مامللي وأدلى عن تفاصيله في الحوار، لم يدخله التاريخ، فقد كانت موسيقاه رهينة للأعمال الدرامية ذاتها، حيث تنجح تلك الموسيقى المرافقة لأعمال تحوز على جماهيرية كبيرة، بينما تفشل المؤلَّفات التي ترافق أعمالًا فاشلة جماهيريًا، إلا أن موسيقى أداء القسم، كانت اللحظة التي ميّزته عن الجميع، وفتحت باب الخلود له، ليكون فنانًا تاريخيًا.
استعلاء الفنان الواضح، ومحاولة تمييز نفسه بين حين وآخر، ثم استدراك هذا الاستعلاء ببعض جمل التواضع، استهلكت ساعة كاملة من التكرار، ساعة أكثر ما أفادت به أن لا شيء لديه ليقوله، وأنه إن صادف وحاول تقديم تحليل فني ما، فسيغوص في مكان لن يكون من السهل الخروج منه، الموسيقى التصويرية مثلًا من وجهة نظر المؤلف الذي ارتبط اسمه بأعمال درامية سورية خالدة، هي جزء لا يتجزأ من تلك الأعمال، تنجح بنجاحها وتفشل بفشلها، هي حالة تابعة لا أكثر للعمل التلفزيوني، ولا يمكن لموسيقى عمل ما أن تنجح، إن لم يكن العمل ناجحًا، فالموسيقي يقف خلف الدراما التي تغطي على تفاصيل عمله، والموسيقي النجم هو ابن عمل درامي ناجح لا أكثر. هل هناك تقزيم لدور الموسيقي أكثر من هذا؟ وهل هناك تحليل انسحابي لوظيفة الموسيقي في المنتج الفني المرئي أكثر مما قاله فنان تفتح له دار “الأوبرا” (دار الأسد للثقافة الفنون) أبوابها بين حين وآخر ليقدم أعماله الموسيقية الشهيرة المرافقة للمسلسلات، لتعطيها هوية موسيقى فردية قادرة على أن تقوم بذاتها بمعزل عن الأعمال التي رافقتها؟
“ليس هناك مؤلف موسيقي سوري سوى الذين يعملون في الدراما. أنا لا أعرف أحدًا”، ببساطة يختصر مامللي الموسيقى السورية بالأعمال الدرامية، منطلقًا من نظرته الأحادية ذاتها التي تختصر نجاح الموسيقى بنجاح الدراما. هو الذي يتحدث عن مدى اطلاعه على المنتجات الموسيقية السورية وعلى تجارب الآخرين، وهو المتنقّل بين مدرسة وأخرى، وطراز موسيقي وآخر، يمكنه بلحظة “إيغو” تكرر ذاتها بين حين وآخر، أن يشطب كل التجارب الموسيقية المحلية، ويرى أن الشارات التلفزيونية هي الأساس.
ليس غريبًا ضيق الأفق عن موسيقي يتنقل بين شارة وأخرى، وتتقوقع معرفته بمحيطه العملي والاجتماعي المتمثل بالدراما، ولعلّ مؤلفين آخرين يوافقونه الرأي، وينسحبون من الموسيقى كفن متكامل إلى الموسيقى كمكوّن لاحق للصورة لا أكثر، تنجح بنجاحها وتفشل بفشلها، ولعلّ ذلك التاريخ الذي دخله مامللي من بوابة قسم الأسد، هو بالفعل السجلّ الذي يجب أن يؤرّخ ويثبَّت في تاريخ الفنان، وهو أيضًا ما يعطي موسيقاه الهوية التي يرددها دائمًا، التبعية للسياقات الأخرى، والانتماء للفنون المرافقة، وهل من مسلسل درامي أكثر واقعية من القسم الذي شكّل مامللي الخلفية الموسيقية له. لعلّ هذا الحدث التاريخي الذي يصنف الفنان نفسه فيه أوضح حقيقة يمكن أن تختصر تجربته التي لها عشرات النقاد الذين يسمونها بالتفرّد والخصوصية والنجاح. فلتخلد موسيقى خطاب الأسد إذًا، ولتنسَ الجموع موسيقى “الزير سالم”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :