تقل ثقة السوريين بالتوصل إلى حل سياسي ينهي معاناتهم، كلما ازدادت أرقام جولات مفاوضات النظام السوري والمعارضة ضمن مسار “أستانة”، والتي طالما كانت مخرجاتها لا تتوازى مع الواقع على الأرض.
وذكر البيان الختامي للجولة الـ16 من مسار “أستانة”، التي عُقدت في العاصمة الكازاخية، نور سلطان، وانتهت في 8 من تموز الحالي، للمرة الأولى منذ بدء المباحثات إدانة الدول الضامنة للمسار (روسيا وتركيا وإيران)، الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية، في رواية تشبه رواية النظام السوري بتلك الإدانات.
كما ادّعت الدول الضامنة للمسار دعم الهدوء العسكري في مناطق شمال غربي سوريا وتحديدًا في محافظة إدلب، وذلك من خلال تطبيق الاتفاقات المبرمة بهذا الخصوص بالكامل، على الرغم من أن قوات النظام وروسيا لم تتوقف عن قصف إدلب حتى في ساعة الإدلاء بالبيان.
روسيا تضغط على إسرائيل
يعتقد الباحث السياسي في مركز “جسور للدراسات” وائل علوان، أن روسيا لعبت دورًا موازيًا أو أكبر من الدور الإيراني في التوجه لإدانة الهجمات الإسرائيلية في سوريا من قبل الدول الضامنة لمسار “أستانة”، وذلك نتيجة اضطراب العلاقات الروسية- الإسرائيلية في الفترة الماضية من جهة، وتلبية لمطالب تريد إيران إيصالها إثر استهداف إسرائيل المستمر لـ “ميليشياتها” الموجودة في سوريا، من جهة أخرى.
وربط علوان، الموقف الروسي من إسرائيل بتعرض القوات الروسية في الفترة الأخيرة “لاستنزاف كبير”، إثر الهجمات التي تقوم بها في البادية السورية، ما أدى إلى نوع من الفوضى بالضغط على قوات النظام السوري العاملة بدعم روسي منهم “الفيلق الثامن” في الجنوب السوري، مطالبة إياهم بالانضمام إليها في مواجهات البادية.
وأضاف علوان أن كل تلك الفوضى سمحت لروسيا مضطرة بأن تغض النظر عن تواجد وإعادة انتشار عددًا من “الميليشيات الإيرانية” وقوات من “حزب الله” اللبناني، الأمر الذي خلق التوتر في العلاقات الروسية- الإسرائيلية، بعد تهديدات إسرائيلية تضمنت توسيع دائرة الاستهداف في محافظات الجنوب السوري.
ولم يعتبر الباحث السياسي، أن إدانة الدول الضامنة لمسار “أستانة” يحمل تحركًا كبيرًا لروسيا بعيدًا عن التنسيق مع إسرائيل، إذ أوضح أن روسيا بهذه الخطوة تحاول العودة إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل، وكسب ورقة ضغط ضمن التفاوض المستمر بينهما.
وفي آذار الماضي، نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن مصادر في “تل أبيب” لم تسمها، قالت إن روسيا وافقت مع إسرائيل على وقف تموضع إيران في سوريا ومنع تسرب الأسلحة الثقيلة والدقيقة إلى أيدي “حزب الله” في لبنان، واصفةً ذلك بأنه “مشروع روسي لوضع ترتيبات جديدة في سوريا تأخذ المصالح الإسرائيلية بالاعتبار”.
وأضافت الصحيفة نقلًا عن المصادر، قول وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، لإسرائيل: “نحن عندما تبلغوننا بأن تهديدًا لدولتكم ينطلق من الأراضي السورية، سنتخذ جميع الإجراءات لتحييد هذا التهديد”.
وكان لافروف، في كانون الثاني الماضي، عرض على إسرائيل تبادل المعلومات حول التهديدات المحتملة ضدها في سوريا، مؤكدًا أن بلاده ترفض استخدام الأراضي السورية ضد إسرائيل.
وقال الوزير، “لا تريد أن تُستخدم الأراضي السورية ضد إسرائيل، أو أن تُستخدم، كما يشاء كثيرون، ساحة للمواجهة الإيرانية- الإسرائيلية”.
التزام “نسبي” باتفاقيات التهدئة
يرى الباحث السياسي في مركز “جسور للدراسات”، وائل علوان، أن تصعيد قصف قوات النظام السوري وروسيا في منطقة “خفض التصعيد”، استخدمته روسيا لضغط أكبر على الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، قبل إجراء المفاوضات المباشرة حول تمديد آلية إيصال المساعدات عبر المعابر الإنسانية إلى الشمال السوري.
واعتبر علوان أن التأكيد على الالتزام بالتهدئة العسكرية في تلك المناطق، هو بند لكل جلسة مباحثات حول سوريا، وذلك لسببين أولهما وجود الالتزام فعلًا “بشكل نسبي” بهذا الاتفاق، إذ لا تشهد المنطقة عمليات عسكرية واسعة أو عمليات اقتحام بري.
بينما يتجسد السبب الثاني بحسب علوان، بأن من أولويات الدول الضامنة لمسار “أستانة”، وبالأخص روسيا وتركيا، الحفاظ على الاتفاقيات الثنائية حول المنطقة، وعلى وقف إطلاق النار فيها.
وتضغط روسيا عبر قصفها للمنطقة، بسبب أمور عالقة تريد الوصول إليها، وأهمها المعابر الداخلية بين مناطق سيطرة المعارضة والنظام، بحسب ما أضاف الباحث السياسي.
وينص اتفاق “أستانة” على إيقاف العمليات العسكرية في الشمال السوري، وفرض تهدئة على خطوط التماس بين فصائل المعارضة السورية وقوات النظام المدعومة من إيران وروسيا، إلا أن قوات النظام لم تلتزم باتفاق وقف إطلاق النار سوى لبضعة أيام لتعاود بعدها القصف مجددًا.
بيمنا تعاني مناطق التماس في أرياف إدلب وحماة واللاذقية من الخروقات بشكل شبه يومي، من قبل قوات النظام، مستهدفة منازل المدنيين والأراضي الزراعية والمنشآت الحيوية ونقاطًا عسكرية للمعارضة.
وعادة ترد الفصائل باستهداف مواقع قوات النظام العسكرية، بسبب استهداف المدنيين في مناطق سيطرة المعارضة، حسب حديث سابق للمتحدث باسم “الجبهة الوطنية للتحرير”، النقيب ناجي مصطفى، إلى عنب بلدي.
ونشر فريق “منسقو استجابة سوريا” عبر “فيس بوك”، أن عدد خروقات النظام وروسيا لاتفاق وقف إطلاق النار في شمال غربي سوريا، منذ مطلع حزيران الماضي وحتى منتصف الشهر نفسه، بلغ 308 خروق.
وتسببت هذه الخروقات بوفاة أكثر من 37 مدنيًا، بينهم خمسة أطفال وست نساء وكوادر إنسانية، وإصابة أكثر من 52 مدنيًا بينهم تسعة أطفال وست نساء، إضافة إلى استهداف أكثر من ثمانية مراكز ومنشآت حيوية في المنطقة.
وتعتبر الدول الثلاث (روسيا وتركيا وإيران) الضامنة لاتفاق “أستانة” حول سوريا، الذي انطلق بين ممثلين عن النظام السوري ووفد من المعارضة السورية، في العاصمة الكازاخية أستانة (نور سلطان)، وبدأت أولى جولات المحادثات في 23 و24 من كانون الثاني 2017.
وحضر الجولة الأخيرة من المحادثات بالإضافة إلى الوفدين السوريين، ممثلون عن الدول التي تتمتع بصفة “مراقب”، وهي العراق ولبنان والأردن، إلى جانب الأمم المتحدة بصفة “مراقب”، الذي ترأس وفدها مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون.