خطيب بدلة
قديمًا، في مناطقنا، كان الرجل إذا دخل مكانًا عامًا أو خاصًا، ووجد فيه رجلًا قليل ذوق، يبربر متعوّذًا بالله من الشيطان الرجيم، ويقول في سريرته: الله يمضي هالنهار على خير.
ولكن، قلما كانت تنتهي جلسة كهذه على خير، فالرجل الثقيل (الذي سنصطلح عليه باسم “فلان”)، كلامهُ مثل اللطم على المناخير، وقادر على رفع الحالة العصبية لدى الطرف الآخر، وإخراجه عن طوره، ولا بد أن يتلاسن مع أحد الحاضرين، وتوشك الملاسنة أن تتحول إلى ضرب بالبوكس، وترفيس بالأرجل، وسباب على الشقيقات والأمهات… وبعد تدخل أولاد الحلال، وتمكنهم من تهدئة النفوس، وتبويس الشوارب على المسك، وإخراج فلان من الجلسة، يبدأ الحاضرون بالتنفيس عن غضبهم، فيقول أولهم: يقطع عمره ما أغلظه! ويراهن ثانيهم على أن فلانًا يخرج من بيته في الصباح دون أن يغسل وجهه! فيعترض ثالثهم ويقول إن فلانًا يغسل وجهه، ولكنه بمجرد أن تقع عينه على نفسه في المرآة، ينتزع صباحه، ويحلف يمينًا على أنه سينزع صباح كل الأشخاص الذين سيلتقيهم، وها قد التقانا، ونزع صباحنا، وتكون النتيجة بأن يتفق الحاضرون على خطة تشبه “مصيدة التسلل” في كرة القدم، يعني، إذا دخل “فلان” إلى أحد المجالس، وكانوا موجودين فيه، يقفون فرادى، وعلى التتابع، وكل واحد منهم يختلق عذرًا ويغادر المكان، دواليك حتى يبقى فلان وحيدًا، مثل القرد الذي ضربه صاحبُه.
ولكن أهل مناطقنا، أصلحهم الله، لم يمتلكوا أي نوع من الحدس، واستشراف المستقبل، فلم يتوقعوا أنه سيأتي يوم يخترع فيه ذلك الأمريكي مارك زوكيربرج، عالَمَ “فيسبوك”، ويتيح لمئات الملايين من البشر، وبضمنهم فلان، وعلان، وعَلّاك البان، أن يفتحوا حسابات عليه، ويكون لواحدهم بروفايل يضع عليه صورته الشخصية وهو منجعص، ومبتسم، ويطلق أيديهم في رزق عباد الله الصالحين، دون أن يتمكن هؤلاء العباد الصالحون من تطبيق “مصيدة التسلل”، لأن الفلانين والعلانين أكثر من بذور البقلة، وكل واحد منهم عنده أكثر من حساب، وبأسماء مستعارة، ووقتها لا يبقى أمام الإنسان سوى أن يستخدم الدعاء التي كانت عمتي الحاجة عيوش، الله يرحمها، تقوله، وهو: الله يْمَوِّتْ المذوق، حتى يرتاح من قليل الذوق!
فلان، من فرط ما هو غليظ، ودمه ثقيل، تراه “يستيقظ قبل الإمساك بالأبريق”، ويبدأ بالإيذاء بأهل “فيسبوك”، ومنشوراتهم، وأرجو ألا تذهب أذهانكم لبعيد، وتقولوا إنه يتجنب الأشياء التي لا يفهم فيها، أبدًا، وبالعكس، فهذه يحبها أكثر من غيرها، ويعلّق عليها بعبارات يمكن فهمها بما يوحي بأنها من صلب اختصاصه، فإذا كانت فكرة البوست المنشور صعبة عليه، يكتب: شو هالأسلوب التعبان؟ وإذا كان ثمة مقالة منشورة في إحدى الصحف مرفقة بالبوست، فإنه يتجاهل الكاتب، يكتب مخاطبًا إدارة الجريدة: لماذا لا تحترمون قرّاءكم وتأتون بكاتب أحسن منه؟ يعني قلة كتّاب في البلد؟! وهكذا.
الحقيقة أن السيد مارك زوكيربرج لا يقل ذكاء عن أهل بلدنا، وبدلًا من تطبيق “مصيدة التسلل” على هذا الكاتب المزعج، يعطيك ميزتين، أولاهما حذف التعليق، والثانية أحسن، ألا وهي “البلوك”.