تعد رواية «رجال في الشمس»، الصادرة في بيروت عام 1963، من بواكير الأعمال الروائية الفلسطينية حول الموت والتشرد والنزوح. ويحكي فيها غسان كنفاني قصة أسعد، مروان وأبي قيس، وهم فلسطينيون من أجيال مختلفة ومن خلفيات مختلفة جمعتهم رغبة واحدة «الهروب إلى الكويت» لتحقيق أحلامهم بدنانيرها وثرائها.
أبو قيس عجوز يحلم ببناء غرفة خارج المخيم في أي مكان خارج سجن الخيام، بينما يطمح الشاب أسعد بحياة جديدة ثرية، ويتجه مروان الصغير إلى الكويت ليتجاوز مأساة عائلته بالفقر والشتات محاولًا إعالتهم.
ولأنّ الوصول إلى الكويت غير متاح لهم بشكل نظامي، لا طريق لهم إلّا التهريب في خزّان شاحنة يقودها «أبو الخيزران»، عبر طريق أسود كما تصفه الرواية:
«كلهم يتحدثون عن الطريق، يقولون: تجد نفسك على الطريق! وهم لا يعرفون عنها إلا لونها الأسود وأرصفتها!».
وكعادة غسّان لا يختم رواياته إلا كما تفعل الأيام: بدهشة وصدمة وقليل من اللطف، فهل كان غسّان عارفًا أنّه يكتب بقصته أحداث قصة أخرى ستجري بعد خمسين عامًا؟
وهل خيّل له عند رسمه شبح الموت حائمًا حول الفلسطينين الثلاثة في خزان الشاحنة، على نقطة الحدود وتحت شمس الكويت، أنّه سيأتي من سيموت بذات الطريقة وعلى ذات الطريق: اختناقًا في شاحنة تعبر من جحيم الحرب والمخيمات إلى «فردوس» أوروبا؟
يسأل غسّان بحرقة في روايته على لسان السائق أبو خيزران:
«ولكن لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟»!
ونحن نكرر معه ذات السؤال، ولا زلنا نبحث منذ خمسين عامًا عن الإجابة.