ترافقت تلميحات روسية منذ مطلع الشهر الماضي، بإغلاق جميع المعابر الإنسانية وحصر دخول المساعدات إلى الشمال السوري عبر بوابة النظام، بطرح بعض الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المنظمات الإنسانية المعنية خيارات بديلة لمساعدة الأهالي في حال استخدمت روسيا لحق النقض (الفيتو).
وبرز من ضمن تلك الحلول، خيار تحويل المساعدات التي كانت تصل عبر المعابر، إلى مساعدات مالية تصل باليد للمحتاجين لها في الشمال السوري.
وأثار خيار المساعدات النقدية البديل، تساؤلات حول إيجابياته وسلبياته في منطقة تتعدد الجهات المسيطرة فيها، وتزداد احتياجات أهلها اليومية في ظل عدم الاستقرار والقصف والنزوح الذي تتعرض له، ولعل من أبرز إيجابياته الواضحة للجميع هو ضمان عدم تدخل النظام السوري وتحكمه بأهالي المنطقة عبر قضية المساعدات.
أفضلية اختيار السلع وتحسين الحركة الاقتصادية
يرى وزير الاقتصاد في “الحكومة المؤقتة”، الدكتور عبد الحكيم المصري، في حديث إلى عنب بلدي، أن خيار تحويل المساعدات النقدية سيسهم بتحريك الدورة الاقتصادي والنشاط التجاري والزراعي في الشمال السوري، إذ سيسمح توفر المال بدلًا من السلل الغذائية الجاهزة التي تُعبأ بمنتجات من خارج سوريا، بازدياد الطلب على المواد الموجودة في المنطقة وتحسين حركة البيع والشراء.
وقد يُشجع توفر المزيد من الأموال في المنطقة، على إقامة بعض المنشآت التي كانت لا تجد سوقًا تصريفيًا لها في ظل تواجد المنتجات الخارجية.
بينما لا يعتبر المدير التنفيذي لمنظمة “بنفسج” العاملة في الشمال، هشام ديراني، أن خيار المساعدات النقدية طريقة بديلة لتعويض توقف “معبر الهوى”، إذ يرى أن المساعدات النقدية يمكنها أن “تحل جزئيًا” مكان المساعدات العينية (كالسلة الغذائية، والدعم الشتوي).
وأضاف ديراني، في حديث إلى عنب بلدي، أن تمديد العمل بتمرير المساعدات عبر المعابر سيسمح للمنظمات بالمساعدة بتقديم خدمات إضافية للأهالي كتشغيل المشافي، والمدارس، ومحطات المياه، وترميم المنازل، وتخديم المخيمات في المنطقة.
وأوضح ديراني، أنه بالمقارنة بين المساعدات النقدية والعينية، تعتبر النقدية أكثر نفعًا لأهالي المنطقة من جهة، إذ تترك الخيار لمستحقيها بصرف تلك المساعدات بأمور هم أدرى بحاجتهم لها فضلًا عن التقيد بنوع محدد من المساعدات الغذائية، ومن جهة ثانية ستعمل المساعدات النقدية على تحريك الأسواق المحلية في المنطقة.
ويلجأ بعض المانحون غالبًا إلى تحويل أموالهم إلى مساعدات عينية محددة، نظرًا لأنها الآلية الأكثر اتباعًا عالميًا، والأسهل من حيث عملية التنفيذ بالنسبة لحساباتهم، ولكن بدأ العديد منهم في الآونة الأخيرة، بتحويل تبرعاتهم لمساعدات مالية بعد التفكير بالآثر الإيجابي الذي تتركه على محتاجينها والمنطقة بشكل عام، بحسب ماقال المدير التنفيذي لمنظمة “بنفسج”.
“منظومة مصرفية ضعيفة” لا تخدم الآلية
يعتقد وزير الاقتصاد في “الحكومة المؤقتة”، الدكتور عبد الحكيم المصري، أن آلية تحويل المساعدات النقدية من الممكن أن تواجه بعض المشاكل خلال نقل الأموال إلى المنطقة في ظل عدم وجود منظومة مصرفية مضبوطة بشكل جيد فيها، بالإضافة إلى استخدام بعض المستفيدين بنسب ضئيلة للمال استخدامات دون صرفها على عائلاتهم المُقدمة بأسمائهم.
وأكد المدير التنفيذي لمنظمة “بنفسج”، هشام ديراني، أن آلية تحويل المساعدات إلى نقدية، ستحمل العديد من السلبيات كغيرها من الآليات التي تُطبق حول العالم في مجال الدعم المادي للمحتاجين.
وقال ديراني إن أبرز تلك السلبيات تتمثل بتقييد تلك المساعدات عبر بطاقات خاصة (كوبونات)، إذ يسهم تقييدها بزيادة التضخم في الأسعار لدى بعض المزودين واستغلالهم لحصر صرف البطاقات لديهم، بالإضافة إلى لجوء بعض المستفيدين إلى مبادلة “الكوبون” بقيمة مالية تكون أقل بكثير من قيمته الحقيقة بهدف الحصول على المال.
وأضاف ديراني أن من الممكن لبعض المستفيدين أن يستخدم المساعدات النقدية بصرفها على غير الاحتياجات الأساسية للعائلة، وهو ما يشتت الهدف الرئيسي منها بتأمين الاحتياجات الهامة فقط.
آليات بديلة تحقق وصول المساعدات بأمان
اقترح الدكتور عبد الحكيم المصري، كحل متوسط يضمن وصول المساعدات بشكل آمن إلى مستحقيها، أن تُحوّل الأموال إلى الشمال السوري عبر المنظمات، وتُخصص هناك لشراء سلل غذائية بمنتجات محلية قدر الإمكان من أسواق الداخل، وتوزع بعدها على الأهالي، لضمان رفع سوية النشاط الاقتصادي في المنطقة من جهة، وعدم المخاطرة بالتعرض لسلبيات وصول المال دون منظومة مصرفية توجهه، من جهة أخرى.
بينما تحدث المدير التنفيذي لمنظمة “بنفسج”، هشام ديراني، عن آلية محددة طُرحت ضمن بعض القطاعات التخصصية في الأمم المتحدة لضمان ضبط وصول المساعدات النقدية إلى المحتاجين لها.
وتركز الآلية على ضرورة تحديد أسماء المستفيدين، وتحديد آلية تقديم المساعدة، والتأكيد على استلام العائلة للمبلغ المالي المخصص لها بشكل كامل، وفقًا لديراني.
وأوضح ديراني أن بعض المنظمات في الوقت الحالي تعمل على تسليم بعض المساعدات النقدية، عن طريق استخدام تقنية “القسائم الإلكترونية”.
وتسمح التقنية بإجراء مراقبة مباشرة لتسلم العائلة لمخصصاتها، وإجراء تقييم لاحق يُسأل فيها الشخص المستلم عن استفادة العائلة من المساعدات المالية التي قُدمت لها، بالإضافة للاحتياجات الأساسية التي أمنتها لهم.
ويترقب السوريون جلسة مجلس الأمن القادمة حول سوريا التي يجب أن تشهد اتخاذ قرار حول المعابر التي تمر عبرها المساعدات إلى الشمال السوري، في حال لم يتم تأجيله.
ومن المقرر أن ينتهي، في 10 من تموز الحالي، تفويض مجلس الأمن لعملية الأمم المتحدة الطويلة الأمد لإيصال المساعدات إلى شمالي سوريا من تركيا، ويحتاج قرار تمديد موافقة المجلس إلى تسعة أصوات مؤيدة، وعدم استخدام حق “النقض” (الفيتو) من أي من الأعضاء الخمسة الدائمين، روسيا والصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.
ويوجد دعم قوي في المجلس المكوّن من 15 عضوًا للحفاظ على المعابر الحدودية، لكن روسيا من الممكن أن تعترض ويصطدم قرار الدول بحق “النقض” (الفيتو).
وتريد روسيا حصر إدخال المساعدات الدولية إلى سوريا عبر مناطق سيطرة النظام، وتتهم الدول الغربية بتجاهل الدور الذي يمكن أن تلعبه الإمدادات التي تأتي عبر الخطوط من دمشق.
والغرض من الإغلاق هو تسليم المساعدات للنظام السوري، واللجوء إلى فتح معابر داخلية لإيصال المساعدات، وسط مخاوف من استعمال النظام لهذه المساعدات كوسيلة للانتقام من السوريين، أو لأغراض تجارية في ظل واقع اقتصادي هش تعيشه المناطق التي يسيطر عليها.