عنب بلدي – خالد الجرعتلي
تقترب محافظة درعا من الذكرى السنوية لسيطرة قوات النظام على المحافظة بشكل كامل بعد أن سيطرت على حوض اليرموك نهاية تموز 2018، في عمليات انتهت بتهجير الآلاف من سكان الجنوب إلى مدن وقرى الشمال السوري الخارجة عن سيطرة النظام.
وبالتزامن مع ذكرى سيطرة النظام على المحافظة، يشتد الحصار الذي تفرضه قواته بدعم روسي على مدينة درعا البلد، في وقت لا تزال المحافظة تواجه انفلاتًا أمنيًا بلغ حده الأقصى، من أبرز مؤشراته حوالي 1000 عملية اغتيال وتفجير، بحسب “مكتب توثيق الشهداء في درعا”.
ومع أن سيطرة قوات النظام على مدينة درعا تقتصر على وجودها العسكري في محيط القرى والمدن والثكنات العسكرية في بعض المناطق، فإن النظام يواجه صعوبة كبيرة في فرض سيطرته الفعلية على المحافظة، جراء حالة الرفض التي تقابل وجوده من قبل أبناء المحافظة.
ورفض سكان درعا المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي عقدها النظام خلال أيار الماضي، وعلى خلاف بقية المحافظات السورية، لم يتمكن النظام من إجبار السكان على المشاركة في انتخاباته الرئاسية.
ماذا يحصل في درعا؟
في أواخر حزيران الماضي، طالب الجنرال الروسي المسؤول عن “الشرطة العسكرية الروسية” في درعا، “أسد الله”، “اللجنة المركزية لدرعا البلد” بتسليم 200 بارودة، و20 رشاشًا من نوع “بي كي سي”، مقابل وعود بحل الميليشيات التابعة للنظام السوري، والدخول إلى المدينة وتفتيشها.
وأمام رفض “اللجنة المركزية” العرض الروسي، ونفيها وجود سلاح أصلًا بعد تسليم فصائل المعارضة سلاحها للنظام إثر سيطرته على محافظتي درعا والقنيطرة، أطبق النظام الحصار على درعا البلد.
وبعد أيام من حصار درعا البلد، طالب النظام سكان مدينة الصنمين في درعا بتسليم أسلحتهم الخفيفة، مهددًا بمداهمة منازلهم واعتقالهم في حال الرفض.
موقع “درعا 24“، المختص بنقل أخبار محافظة درعا، نشر معلومات عن اجتماع عقده مسؤولون أمنيون للنظام في مقر “الفرقة التاسعة” بالصنمين، طالبوا خلاله وجهاء محليين يعملون مع أجهزة النظام بتسليم السلاح من قبل سكان المنطقة مقابل عقد “تسوية” جديدة.
وخرج أهالي محافظة درعا، خلال الأيام الماضية، بوقفات احتجاجية في مناطق متعددة من محافظة درعا نصرة لدرعا البلد، في بلدات حوض اليرموك، والمزيريب، وتل شهاب، كما انتشرت كتابات على الجدران تناصر الأهالي وتهدد النظام في حال قرر اقتحامها.
وعلى مدار الأسبوع الماضي، حلّق طيران النظام السوري بعلوّ منخفض في سماء درعا البلد، في خطوة اعتبرها ناشطون تهديدًا باستخدامه في حال رفض مطالب الروس.
في المقابل، أبدى سكان درعا مقاومة للضغوط، إذا خرجوا بمظاهرات يوم الجمعة، 2 من تموز الحالي، من ساحة الجامع “العمري” في درعا البلد، تحت شعار “صامدون هنا” احتجاجًا على حصار قوات النظام للمنطقة.
النظام يحاول ضرب “الخاصرة الضعيفة”
يعتقد الكاتب والباحث السياسي السوري غسان المفلح، أن قوات النظام وروسيا تحاول إظهار نفسها على أنها مسيطرة على أكبر رقعة ممكنة من الخريطة السورية، حتى ولو كانت لا تمتلك أي نوع من أنواع السلطة في المناطق التي تسيطر عليها.
واعتبر المفلح، في حديث إلى عنب بلدي، أن روسيا تفضل الإبقاء على حالة التصعيد الأمني والعسكري في بعض المناطق لإبقاء مشهد “الحرب” في الواجهة، وهو ما تحتاج إليه في اتفاقيتها، لكن في الوقت ذاته تحاول اختيار المناطق التي يمكن الإبقاء على التصعيد فيها بعناية، مثل درعا التي تعتبر ضعيفة عسكريًا، ما يجعل من السيطرة على الأمور أسهل بالنسبة لها.
وتعهدت روسيا (الضامن للاتفاق) في أثناء توقيع اتفاق “التسوية”، في تموز 2018، بضمان أمن المدنيين الذين رفضوا الخروج إلى الشمال السوري إلى جانب القادة العسكريين الذين دخلوا بالاتفاق وكانوا يعملون في صفوف فصائل المعارضة سابقًا، لكن ذلك لم يُترجَم على الأرض، فالنظام استمر بعمليات الاعتقال، تحت مسمى “الدعاوى الشخصية” والانتماء إلى تنظيم “الدولة الإسلامية”، منذ ثلاث سنوات حتى الآن.
وتُرجمت سياسة التصعيد التي يحاول النظام وروسيا رفع وتيرتها بين الحين والآخر في عمليات الاعتقال التي نفذها طوال الفترة الماضية، تحت حجة دعاوى شخصية، بالإضافة إلى الحصار الذي يفرضه على مدينة درعا البلد.
النظام يتّبع سياسة “العقاب الجماعي”
رغم حديث النظام وروسيا عن أن أسباب المشكلات الأمنية في درعا، والحصار المفروض على المدينة، تعود إلى رفض سكان المدينة تسليم أسلحتهم، يعتقد المحلل العسكري العميد عبد الله الأسعد، المطّلع على شأن الجنوب السوري، أن حالة العداء الأخيرة التي يكنّها النظام للمدينة هي بسبب رفض المشاركة في الانتخابات الرئاسية.
إذ نُظمت في درعا خلال الانتخابات، في أيار الماضي، ثلاث مظاهرات مركزية بمدينة طفس في الريف الغربي، ودرعا البلد، وبصر الحرير شرقي المحافظة، إضافة إلى إضراب عام طُبّق في مختلف المدن والبلدات، وسط تنظيم وتنسيق لكامل المحافظة، رُفعت فيها أعلام الثورة السورية.
واعتبر الأسعد أن الحالة الأمنية في درعا ما زالت تتجه للتصعيد على خلفية رفض أبناء المحافظة انتخابات النظام، فعقلية النظام تتمحور حول عدم قبول الرفض، وبالتالي فإن حالة الحصار المفروضة على المدينة مستمرة، وغايتها ليس تسليم السلاح إنما “العقاب الجماعي” لسكان المنطقة.
وأشار إلى أن النظام يحاول إخلاء بعض المناطق في محافظة درعا من أجل إعادة إنشاء مساكن لضباط الجيش وعناصر الميليشيات في المحافظة، مثل مناطق درعا البلد وحي المطار ومنطقة السحابة وغيرها، خاصة بعد أن قامت فصائل المعارضة بتدمير جميع المناطق التي كانت تعتبر مساكن عسكرية تابعة للنظام قبيل سيطرته على المدينة.
درعا تجيب بالمظاهرات
شهدت محافظة درعا خلال الأيام القليلة الماضية العديد من المظاهرات الشعبية التي نظمها أبناء المنطقة، تضامنًا مع المناطق المحاصرة من قبل النظام السوري، وأبرزها مدينة درعا البلد (مركز المحافظة).
وقال مراسل عنب بلدي في درعا، إن المئات من أبناء مدينة درعا البلد، خرجوا بمظاهرات شعبية في ساحات المسجد “العمري”، الذي شهد الشرارة الأولى للثورة السورية، ورفع المتظاهرون لافتات كُتب عليها “صامدون هنا”، في إشارة إلى البقاء على مواقفهم رغم الحصار.
كما شهدت مدينتا طفس والحراك مظاهرات شعبية دعمًا للمناطق المحاصرة، وسط مشاركة من قادة سابقين في فصائل المعارضة السورية التي كانت تسيطر على مناطق واسعة من الجنوب السوري قبل حوالي ثلاثة أعوام.
وسبقت هذه المظاهرات بأيام، وقفات احتجاجية في مناطق متعددة نصرة لدرعا البلد، في بلدات حوض اليرموك، والمزيريب، وتل شهاب، كما انتشرت كتابات على الجدران تناصر الأهالي وتهدد النظام في حال قرر اقتحامها.
وكانت “اللجان المركزية” في درعا أصدرت بيانًا، في 28 من حزيران الماضي، ردًا على مطالبات النظام بتسليم السلاح الفردي، قالت فيه، إنها لا تمتلك أي نوع من أنواع الأسلحة، إذ سلّمت فصائل المعارضة سلاحها في تموز 2018، بعد سيطرة النظام على محافظة درعا.
وأضافت “اللجان المركزية” أن السلاح الموجود حاليًا في المحافظة هو “سلاح خاص ملك للسكان”، وترجع أسباب وجوده إلى الظروف الأمنية الحالية التي تعتبر سياسة النظام أحد أسبابها، بينما رفضت “اللجان” تسليم الأسلحة.